في ذكرى وفاته: أبراهام السرفاتي، الأب الروحي للحركات الراديكالية المغربية، واليهودي الذي ناصر القضية الفلسطينية
آمن أبراهام السرفاتي أن مبادئ اليسار تتَجاوزُ العِرق والطبقة، وَقف ضد سياسات الكيان الصهيوني، وكان رافضا لقرار عَودة اليهود إلى الأراضي الفلسطينية.
تعدد التسميات بين “مانديلا المغرب”، و”الشيباني”، و”ديدي”، و”الأب الروحي للحركات الرديكالية اليسارية المغربية”. لكن، يبقى السرفاتي على مدار خمسة عقود مُخلدا اسمه من ذهب في سجلات التاريخ المغربي.
آمن أن مبادئ اليسار تتَجاوزُ العِرق والطبقة، وَقف ضد سياسات الكيان الصهيوني، وكان رافضا لقرار عَودة اليهود إلى الأراضي الفلسطينية.
في هذا البورتريه، نستحضرُ أهم محطات المغربي الأصل، اليهودي الديانة، اليساري المَبدأ، أبراهام السرفاتي.
وُلد السرفاتي في 16 يونيو 1926. ينحدرُ أصله من أسرة يهودية كانت مُقيمة بالأندلس، إلا أنها هاجرت نَحو المغرب فرارا من محاكم التفتيش الإسبانية بعد سُقوط غرناطة، لتستقر في طنجة بعد ذلك.
ينتمي السرفاتي إلى عائلة وطنية، إذ أن والدهُ كان من أبرزِ قيادات الحركة الوطنية المغربية المُناهضة للاحتلال الفرنسي والإسباني.
البدايات السياسية:
دشَن السرفاتي نشاطهُ السياسي مُنذ الثامنة عشرة. في 1944، التحق بالحزب الشيوعي المغربي الذي أسسه ليون سُلطان، جامعا بذلك شتات الخلايا الشيوعية التي نشأت في الثلاثينيات.
تَعرض السرفاتي للاعتقال لمدة سنة، انتقل بعد ذلك إلى فَرنسا، ومُباشرة، انضم هُناك للحزب الشيوعي الفرنسي، ليعُود بعد ست سنوات، مُنضَمّا مرة أخرى إلى الحزب الشيوعي المغربي رافعا شعار الاستقلال.
عام 1952، تم نفيُ السرفاتي وأخته إيفلين إلى فرنسا، كَونُهما أصبحا يُشكلان تهديدا حقيقيا للمُحتل الفرنسي، بعدما كان يُوزع منشورات تُطالب بإجلاء المُستعمر. مكث تحت الإقامة الجبرية بفرنسا حتى 1956؛ أي بعد حُصول المغرب على استقلاله.
مُؤسس أول حركة راديكالية في المغرب:
تولى السرفاتي إدارة مكتب عبد الرحيم بوعبيد، الذي كان وزيرا للإقتصاد في حكومة مبارك البكاي، ليشتغل في الفترة من عام 1960 إلى 1968، مديرا للبحث والتطوير في المكتب الشريف للفوسفاط. من هُنا، سيبدأ الصدام بين أبرهام السرفاتي ونظام الملك الحسن الثاني.
في صيف 1968، فجر عُمال مناجم الفوسفاط بمدينة خريبكة إضرابا بسبب ظروف العمل وتردي الأوضاع المعيشية، فأعلن السرفاتي بذلك تضامُنه مع العمال، ليتم طردُه من منصبه.
تميزت حياة السرفاتي بالنضال ضد الرأسمالية ودعم نضالات الطبقة العاملة، بحيثُ شارك في انتفاضة 23 من مارس 1965 ضد سياسة الاقصاء التعليمية (قرار وزير التعليم بلعباس)، ثم ساهمَ من بعدُ في تأسيس مجلة أنفاس إلى جانب عبد اللطيف اللعبي، وهي المجلة التي جمعت الشُعراء والكتاب والفنانين، وتميزت بمناهضة الإمبريالية والثقافة الاستعمارية.
أعلن السرفاتي سنة 1970 طلاقه عن حزب التحرر والاشتراكية (الحزب الشيوعي المغربي سابقا)، مُتخذا موقفا ضد الأحزاب السياسية كافة، كونُها، من وجهة نظره، معرقلة للانتقال الديمقراطي، ليؤسس بذلك أول حركة راديكالية في المغرب (حركة إلى الأمام)، المُنظمة الماركسية اللينينية.
لمواقفها المُعادية لنظام الحسن الثاني، إضافة إلى اتخاذها موقف تقرير مصير الشعب الصحراوي، بدأت حملةُ الاعتقال في صفوف منظمة إلى الأمام، ليتم اعتقال السرفاتي سنة 1972، قبل أن يُفرج عنه بعد شهر، نتيجة مُظاهرات من طرف الاتحاد الوطني لطلبة المغرب.
تقول الأستاذة الجامعية ميشيل فاي في حوار لها مع قناة تلفزية: “بداية 1972، بدأت الأمور تتعقد مع أول الاعتقالات وبداية التعذيب بكل أشكاله. أتذكر أنه زارنا في إحدى الأمسيات، وكانت أصابعه قد حرقت بفعل التعذيب الكهربائي، كانت تلك – بالنسبة لنا – أول العلامات التي تفصح عن هشاشة وضعه، وكم هو مراقب وبطرق لا يمكن للعقل تصورها، كان كل ذلك فقط التحضيرات الأولية لما سيتعرض له من أمور أكثر خطورة”.
السجنُ والمنفى:
تحت ذريعة التآمر على أمن الدولة، حُكم على السرفاتي غيابيا في يوليوز 1970 بالسجن المؤبد، ليتم اعتقالهُ في نوفمبر 1974.
17 سنة قضاها السرفاتي بين “معقتل درب مولاي الشريف” و”سجن القنيطرة”.
حول درب مولاي الشريف، يقول نور الدين سعودي، الذي كان معتقلا إلى جانب السرفاتي، في تصريح له لإحدى القنوات التلفزية: “درب مولاي الشريف حقبة سوداء، شروط تنعدم فيها أبسط مكونات الحياة… حاولنا البقاء على قيد الحياة، لأن الظروف كانت جد قاسية، نتيجة للتعذيب المستمر (الأعين معصبة، والأيادي مقيدة، منع الكلام، منع الحركة)”.
بعد جهود دولية، قادتها كرستين زوجة السرفاتي، ودانييل ميتران زوجة الرئيس الفرنسي الأسبق فرنسوا ميتران، أُفرج عن السرفاتي سنة 1991، وتم نفيُه وزوجته إلى فرنسا بأمر من ادريس البصري، وزير الداخلية في عهد الملك الحسن الثاني.
موقفهُ من القضية الفلسطينية:
كان السرفاتي من أشد المُعارضين لقانون العودة التي أطلقته سلطات الاحتلال. حول سياسات المحتل الإسرائيلي، يقول السرفاتي في لقاء مع قناة تلفزية: “بالنسبة لي، أن تصرح إسرائيل بأنها بلد ديمقراطي، هو أمر من الخيال؛ إذ لا يمكن أن نكون ديمقراطيين وفي نفس الوقت نمارس القمع على شعب آخر. أولا، هناك تعارض بين الصهيونية والديمقراطية. سنة 1936، بمعبد اليهود، وكنت في العاشرة من عمري، قال لي أبي: إن الصهيونية مناقضة تماما لديننا”.
كانت للسرفاتي زيارة لقواعد الثورة الفلسطينية بالأردن، ومنحته بذلك الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين العضويةَ داخل تنظيماتها.
من أبرز تصريحاته حول القضية الفسلطينية، ما أدلى به سنة 2005 لوكالة إخبارية قائلا: “لن أزور فلسطين إلا بعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. بعدها، سأزورها مع أصدقائي اليهود في إسرائيل”.
العودة من المنفى:
في عام 1999، سُمح للسرفاتي بالعودة إلى المغرب من طرف الملك محمد السادس، وكانت تلك من أول قرارات العاهل المغربي بعد توليه العرش. عاد السرفاتي سنة 2000، ليستقر في مدينة المحمدية.
توفي السرفاتي في 18 من نوفمبر 2010 بمُراكش عن عمر ناهز 84 عاما، ليُستدل الستار عن أيقونة نضالية، كانت شاهدة على سنوات الرصاص، وأصبحت رمزا للمُعتقلين السياسيين آنذاك.
مقالات قد تهمك:
- إدمون عمران المالح… المغربي اليهودي الذي اتخذ الكتابة سلاحا لفضح الصهيونية!
- من الولايات المتحدة الأمريكية، عمر بوم يكتب: مستقبل الديانة اليهودية في نسختها المغربية
- يهود الريف المغربي… حكاية وجود راسخ انتهت بـ”باتوا ولم يصبحوا!” 2/1
- شمعون ليفي… السياسي المغربي الذي وهب حياته لإبراز أثر اليهودية في الهوية المغربية 1\2
- علي يعتة… زعيم الشيوعيين المغاربة
اعتقد انه حان الوقت لنغير من التركيبة الفكرية الموروثة عن الخمسينات و الستينات. من القرن الماضي و التي تتعلق بتصنيف الشخصيات انطلاقا من موقفها من القضية الفلسطينية. مع. او ضد. !
سيء
إلا أنه قال الصحراء ليست مغربية