الديبلوماسية الثقافية… كيف يستثمرُ المغرب ديبلوماسية القرن الواحد والعشرين؟ - Marayana - مرايانا
×
×

الديبلوماسية الثقافية… كيف يستثمرُ المغرب ديبلوماسية القرن الواحد والعشرين؟

شكلت الديبلوماسية الثقافية، ولا تزال، أحد أبرز الاستراتيجيات التي أصبحت تعتمدها الدُّول في الترويج لسياساتها الثقافية، من أجل تشجيع التفاهم وتعزيز السلام بين الأسرة الدولية.
ظهر المُصطلح مع نهاية التسعينيات، حينها أدركت الدول أن القوة لا تقاس بالقوة العسكرية أو الاقتصادية وإنما باستغلال ما لديها من إرث ثقافي كقوة ناعمة تضعها في خارطة العالم.

طَرح جوزيف ناي، أستاذ العلوم السياسية الأمريكي، مفهوم القوة الناعمة، نهاية التسعينيات من القرن الماضي، كآلية من آليات القدرة على الحصول على ما تريده الدولة، من خلال الجاذبية، بدلا من الإكراه أو دفع المال.

قوة تأخذ أساسها، من خلال ما يُمكن أن يكون للدولة من أفكار روحية ومبادئ وأخلاق، تُشكل الثقافة والفن أحد مرتكزاتها.

ضمن هذا المفهوم، تأسس ما أصبحَ يُطلق عليه بالديبلوماسية الثقافية، التي أصبحت، وفق المتخصصين، ديبلوماسية القرن الواحد والعشرين.

لم ينفصل المغرب عن هذا التوجه الدولي الجديد، مستغلا بذلك العُمق والزخم الثقافي الذي يملكُه، خدمة لمصالحه الوطنية، وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية.

الديبلوماسية الثقافية… رهان حيوي

الديبلوماسية الثقافية، أو القوة الناعمة، مُصطلح جديد نُحت مطلع التسعينيات من القرن الماضي في مجال السياسة الخارجية.

صنفها باحثون على أنها البعد الرابع للديبلوماسية (الأبعاد السياسية والاقتصادية والعسكرية)، وشكلا آخر من أشكال تحقيق المصالح العُليا من خلال النفوذ الثقافي.

بعيدا عن الديبلوماسية بمفهومها التقليدي: ديبلوماسية القناصل والسفراء، أدرك صانعو القرار أن قوة الدولة لا تُقاس بالقوة العسكرية أو الاقتصاد فقط، إنما بمدى قدرتها الثقافية، باعتبار الثقافة رهانا حيويا في إنشاء علاقات مع الدول، على صُعد التطور المعرفي وترويج الفنون وغيرها.

في مقاله “الصناعات الثقافية والإبداعية. رهان الديبلوماسية الثقافية المغربية”، يرى حسن بنوشان أن الديبلوماسية الثقافية من أكثر الأدوات فعالية، ومثالا حقيقيا لما يسمى بالقوة الناعمة. القدرة على الإقناع والتأثير عبر الثقافة والقيم والأفكار، بدلا من القوة القسرية”.

وفق هذا المفهوم، لا يُمكن الفصل بين الديبلوماسية الثقافية والديبلوماسية العامة التي تُعنى بمصالح الدولة، على أساس أن الديبلوماسية الثقافية، ما هي إلا وجهٌ آخر لتنفيذ مهام سياسات الدولة، والدفاع عن مصالحها، من خلال استراتيجيات دعم المنتجات الثقافية وتصديرها.

على أن الديبلوماسية الثقافية، لا تقتصرُ فقط على هذا البُعد المتعلق بالسياسة الخارجية، بل تعكسُ أيضا أهمية اقتصادية واجتماعية عن طريق الصناعات الثقافية التي انتقلت من فكرة الإنتاج إلى فكرة الوظائفية، أو ما يسمى باقتصاد المعرفة والإبداع.

تعملُ الديبلوماسية الثقافية على تنشيط الحركة الإنتاجية والتسويقية، وتولد قيمة مضافة في الدخل القومي، مع ما تمكنه من توفير فُرص عمل لفئات عريضة من المجتمع، سواء من خلال شكلها الرسمي أو الموازي.

الديبلوماسية المغربية… الرهان حول الثقافة؟

خلال السنوات الأخيرة، عمل المغرب على بناء نهجه المتجدد وطنيا ودوليا، معتمدا هو الآخر على الديبلوماسية الثقافية، سواء على المستوى الرسمي المتمثل في المؤسسات الحكومية أو المُوازي من خلال فعاليات المُجتمع المدني خصوصا.

جُهد حضَر في العقدين الأخيرين، حيث يؤكد خالد التوزاني، رئيس “المركز المغربي للاسثتمار الثقافي – مساق” أنه، خلال هذين العقدين، عرفت الثقافة المغربية حضورا قويا في السياسات العمومية والبرامج الإقليمية والجهوية وفي الأوراش والمشاريع الملكية.

يضيف خالد التوزاني في تصريحه لمرايانا: “لقد كانت الثقافة دائما حاضرة في صلب الاهتمامات، وهو ما بوأ المغرب مكانة رائدة بين الدول. لقد زاد من تعزيز هذه المكانة، المستوى الثقافي للجالية المغربية في ربوع العالم، عن طريق تقوية البعد المغربي في ثقافتها“.

لا تقتصر الديبلوماسية الثقافية على هذا البعد التعريفي بالثقافة فقط، وفق التوزاني، بل هي رهان نَحو الدفاع عن القضايا الوطنية الكُبرى، ومغربة الكثير من مظاهر الثقافة المغربية العابرة للقارات واستعادتها للوطن الأم.

هذا النمط من الديبلوماسية، يجعلُ الثقافة قوة اقتراحية قادرة على مُواكبة تطورات العصر والتفاعل مع تحديات المغرب المُعاصر، والذي تشُكل الثقافة فيه عصب الحياة ومهد البناء.

يؤكد حمزة أحادي، خريج المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، في تصريح خص به مرايانا، أن المغرب قطع أشواطا كُبرى في مجال الديبلوماسية الثقافية بشقيها الرسمي والموازي.

تجليات ذلك، حسب حمزة أحادي، تظهرُ من خلال مجموعة من الفعاليات الثقافية الدولية، على غرار مهرجان مراكش السينمائي الدولي الذي يستقطب أهم صناع الأفلام والمشاهير من جميع أنحاء العالم، مما يعزز من ترويج الثقافة المغربية.

أضف إلى ذلك، تفعيل مجموعة من المعاهد الثقافة، مثل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أو تفعيل المكتبات الثقافية في السفارات والقنصليات المغربية حول العالم، من أجل تنسيق الأنشطة الثقافية والترويج للثقافة المغربية.

هل تؤثر الديبلوماسية الثقافية  على قضية الصحراء؟

سجلت قضية الصحراء المغربية خلال السنوات الأخيرة، تطورات إيجابية ملحوظة، تمثلت أساسا في فتح العديد من الدول الإفريقية لقنصليات عامة لها في مدينتي الداخلة والعيون، أوعن طريق اعتراف دُول عُظمى بمغربية الصحراء؛ الولايات المتحدة الأمريكية، وإسبانيا، وفرنسا كآخر الوافدين.

عَملٌ منسق ومعزز ديبلوماسيا في كل المجالات، ساهم بشكل كبير في هذه النقلة النوعية. شكلت الديبلوماسية الثقافية واجهة من واجهاتها.

على أي صعيد ساهمت الديبلوماسية الثقافية في خدمة القضية الوطنية؟

يجيب خالد التوزاني، رئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي، “تأخذ الديبلوماسية الثقافية التي ينهجها المغرب بعين الاعتبار، تكامل مختلف المجالات، لتحقيق استقرار دائم، مع حماية الرصيد الحضاري للمغرب في الأقاليم الجنوبية، لترسيخ الوحدة الترابية، وتحصين الهوية الوطنية ضد كل أشكال الاختلاق أو الإساءة أو محاولات التفرقة والتقسيم”.

ديبلوماسية سهلت مهمة الدفاع عن القضية الوطنية عبر جبهات متعددة؛ كتنظيم المؤتمرات والندوات التي تقيمها المراكز والجمعيات، وتكون فرصة لتصحيح المفاهيم، وتشكل أرضية للنقاش، ساهم فيها المثقف المغربي بدور كبير من خلال العديد من المؤلفات التي تؤكد الارتباط الوثيق بين جنوب المغرب وشماله، وامتداد حدوده.

لا يُمكن بالمُطلق، حسب التوزاني، أن نُنكر دور الديبلوماسية الملكية، التي اعتمدت على الثقافة فيما يخص علاقة المملكة بعمقها الإفريقي.

حققت هذه الديبلوماسية عدة مكاسب سياسية، توجتها الزيارات الملكية الميدانية نحو الدول الإفريقية. تواجد المملكة في البيت الإفريقي تجلى، منذ قرون مضت، من خلال البعد الروحي والديني للمغرب عبر الطرق الصوفية التي انتشرت في ربوع إفريقيا، وأسهمت في تقوية العلاقات الروحية بين المملكة وعدد من البلدان الإفريقية.

جانب آخر من جوانب الديبلوماسية الثقافية، لعب دورا هاما في مسار القضية الصحراء المغربية: الديبلوماسية العلمية.

يقول خالد التوزاني: “أسهمت الديبلوماسية العلمية من خلال أدوار الجامعات المغربية في تعميق ارتباط المغرب بعمقه الإفريقي عبر وحدات البحث العلمي، ومسارات التكوين، واستقبال الطلاب الأفارقة، والإشراف على بحوثهم في الدراسات العُليا، في مواضيع مرتبطة بالمشترك المغربي الإفريقي.

أدوار مكنت من ترسيخ الحوار والتعاون وتمتين عرى الصداقة والتضامن، وبذلك أسهمت في التعجيل بعدد من الانتصارات السياسية، وخلق أرضية مناسبة نحو جهوية موسعة ومتقدمة ومتضامنة”.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *