المغاربة اليهود في إسرائيل: من الحلم بأرض الميعاد إلى أزمة هوية وواقع العنصرية 1 - Marayana - مرايانا
×
×

المغاربة اليهود في إسرائيل: من الحلم بأرض الميعاد إلى أزمة هوية وواقع العنصرية 1\2

حين تركوا المغرب، في ظروف وسياقات ملتبسة، كان الحلم الذي قدمته لهم الحركة الصهيونية، هو أرض ميعاد وحرية.
المغاربة اليهود في إسرائيل، سيكتفون مباشرة بعد وصولهم للأراضي المحتلة، واقعا مغايرا عنوانه، مسخ الهوية وسياسة عنصرية.

هاجر يهود المغرب، مثل غيرهم من يهود منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى إسرائيل؛ محمَّلين بمفاهيم اجتماعية مختلفة ومكونات ثقافية محلية، ومعتقدات دينية مغايرة لما هو سائد في إسرائيل، فعانوا بسبب ذلك من التمييز الطائفي القائم على أسس عرقية وإثنية، مما أحدث هوة عميقة بينهم وبين اليهود الأشكناز.

لمحاولة رأب التصدع والهوة الثقافية القائمة بين الطائفتين المذكورتين، عمدت إسرائيل إلى التذويب القهري والإجبار الثقافي لليهود المغاربة والعرب عامة، لنزعهم عن هويتهم وسلخهم من ماضيهم، وهو ما خلق “أزمة هوية” لليهودي المغربي الذي اكتنفته أحاسيس مزدوجة بالغربة تجاه “مجتمعه الجديد” وثقافته القديمة.

أمام هذه الوضعية، قامت احتجاجات كبيرة قادها في البداية مغاربة يهود، واتخذت أشكالا عديدة منها ما هو سلمي ومنها ما اتسم بطابعه العنيف.

مع بداية القرن العشرين، اشتدت حملات تهجير اليهود العرب، يحدوهم أمل وشوق كبير إلى نعيم الأرض المقدسة.

جاءت تلك الطوائف اليهودية إلى إسرائيل، وهي تحمل مفاهيم اجتماعية متباينة، ومكونات ثقافية شديدة المحلية، ومعتقدات دينية متناقضة، لدرجة أن كل طائفة منها، كانت كافية لتشكيل مجتمع صغير قائم بذاته منفصل عن باقي الطوائف والمجتمعات الأخرى.

عانى اليهود المغاربة، كغيرهم من اليهود المغاربيين والمشرقيين من أزمة “الصدام الثقافي”، أو بالأحرى “القمع الثقافي”، الذي أبداه اليهود الأشكناز (يهود أوروبا) تجاه السفارديم (اليهود العرب)، فقد شكلت الثقافة العربية في إسرائيل حاجزا بين يهود المنطقة العربية، ويهود الغرب الذين طالما نظروا إلى اليهود العرب بعيون الاحتقار والازدراء؛ ومنه تشكلت “أزمة هوية” لليهود المغاربة، وهي ثمرة طبيعية للتمييز الطائفي والقمع الثقافي الذي رزحوا تحته في إسرائيل.

في ظل هذه الأوضاع، سعت الحركة الصهيونية إلى صهر الفروقات الثقافية للجماعات اليهودية المهاجرة إليها، لكن سعيها هذا لم يأت إلا بنتائج عكسية. هذه النتائج أثرت بالسلب على جموع الطوائف السفاردية، بعد أن حاولت تجريدهم من سماتهم الثقافية العربية، وإجبارهم على تبني الثقافة الغربية التي لا تعبر عنهم، ولا تتوافق مع اختياراتهم، الشيء الذي أفضى إلى إحساسهم بالغربة والحنين إلى الوطن الأصل (العربي) حيث نشؤوا، والنفور من الوطن الجديد (إسرائيل).

آراء بعض الزعماء السياسيين الإسرائيليين تجاه اليهود المغاربة، عمقت من إحساسهم بالغربة والحنين إلى المغرب، حيث قال دافيد بن غوريون: “إن المراكشيين وحوش بشرية… ليست لهم حضارة، إنهم متأثرون بالعرب، ونحن لا نريد هنا ثقافة مغربية”.

حتى التصريحات الصادرة لصالح يهود المغرب ظاهريا، كانت تتحدث عنهم مثلما تتحدث عن مجموعة من الخيول القوية، وليس عن مجموعة من البشر، من ذلك ما قاله ‘شمعون بيريز”، الذي كان يشغل منصب مدير وزارة الدفاع الإسرائيلية: “يتميز يهود شمال إفريقيا بطاقة جسمانية عالية، وحرارة قلب. هذه الصفات جعلتهم جنودا مميزين”، وقالت شخصية أخرى: “إن الفحوصات الطبية التي أجريت على هذه الطائفة تعترف بسماتهم الخاصة التي يتميزون بها… طاقة جسمانية هائلة أكثر من أي طائفة أخرى”.

مارست السلطات الإسرائيلية سياسة الاضطهاد الحضاري ضد يهود المغرب، ليس عبر المناهج الدراسية فحسب، وإنما في جميع مناحي الحياة، مثل الإعلام والأدب والمسرح والمظهر الخارجي… ونجحت في تصويرهم “كبدائيين” لا يملكون أي سمات حضارية، ومن ثمة اتخذت “مشروع تحديثهم” عبر ممارسات عديدة منها:

تشتيت جماعاتهم، تحقير عاداتهم وتقاليدهم، تحقير زعمائهم التقليديين، عزلهم في أماكن خاصة بهم لوحدهم، محو آثارهم وتاريخهم المغربي العريق في الإعلام والمناهج الدراسية…

إسرائيل، عمدت أيضا إلى تغيير السمات الخارجية المادية للهوية المغربية، إن طوعا أو كرها، بدءا بعملية تغيير الأسماء اليهودية المغربية إلى أسماء جديدة عبرية، كوسيلة لخلق مجتمع عبري جديد، ليست له أية علاقة بالماضي اليهودي في الشتات، فتحول بذلك “زايش” إلى “زوهر” و” أرمند” إلى “برجيورا” و”إيزاك” إلى”يتسحاق” و”يعيش” إلى”إيزر”..

لم تقتصر “حملة التحديث على تغيير الأسماء فقط، بل شملت اللباس كذلك، فاليهودي المغربي حمل معه ثقافة “الجلابة المغربية التقليدية’ و”القفطان” و”الجبادور”… وغيرها من الألبسة التقليدية، التي تم تحقيرها والدعوة إلى تعويضها بسراويل الجينز والبدلات العصرية وربطات العنق والتنورات القصيرة والفساتين للفتيات.

إضافة إلى تغيير السمات الخارجية، عمدت إسرائيل كذلك إلى تغيير السمات الداخلية للهوية المغربية، من خلال محاولة فصل اليهود المغاربة عن جذورهم الروحية؛ وهي المرحلة الأكثر قسوة وإيلاما لنفسية المغاربة اليهود، حيث تسعى هذه الخطوة إلى قطع كل أواصر الاتصال العاطفي والوجداني التي تشدهم إلى وطنهم، ومحاولة تخليصهم من كل رواسب الماضي.

لقد خاض المغاربة اليهود في إسرائيل تجربة استيعاب واندماج مريرة، خلفت وراءها ذكريات ولحظات أليمة، فإسرائيل لم تشجع يهود المغرب على التكيف، بالنظر إلى حرصهم على الالتزام بالحياة اليهودية التقليدية، من تجنب مخالفة تعاليم الرب والحرص على تنفيذ الوصايا والشرائع الدينية في المأكل والمشرب والملبس…وهي أمور مغايرة للنمط السائد في إسرائيل.

 

لقراءة الجزء الثاني: الحركات الاحتجاجية المغربية في قلب إسرائيل وحلم العودة 2\2

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *