الزاوية والمستعمر: بين المقاومة والتطبيع والحرب مع السلفية - Marayana - مرايانا
×
×

الزاوية والمستعمر: بين المقاومة والتطبيع والحرب مع السلفية

الزاوية والمستعمر… علاقة تتشابك خيوط الحكاية فيها، لتكتب بعضا من تاريخ مغربي لايزال يحتاج لكثير من التدقيق.
بين مقاومة الاحتلال وتهم التطبيع معه وخيانة البلد، تنتصب حكاية الزاوية والمستعمر، لتشهد دخول طرف ثالث، هو الحركة السلفية التي أعلنت الحرب على الصوفية المغربية.

شكلت نهاية القرن 19 مرحلة حاسمة في تاريخ الزوايا والطرق الدينية بالمغرب، حيث سعى المخزن إلى احتواء بعض الزوايا ومحاربة أخرى، وذلك عبر الحد من نفوذها الديني والسياسي وإدماجها ضمن النسق المخزني.

الدور الذي قام به المخزن هو نفسه الدور الذي سيقوم به المستعمر الفرنسي بالمغرب وقبله بالجزائر، حيث سعى لبسط سلطته على الزوايا وإخضاعها لنفوده لتسهل عليه عملية اختراق عدد من المناطق والقبائل الموالية لها.

قاسم الحادك، الباحث وأستاذ التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، بجامعة شعيب الدكالي ــ الجديدة، يشير في دراسة له، منشورة على مجلة “كان”، العدد 26 – دجنبر 2014 إلى ما يلي: “إن ما تعرضت له الزوايا من تدخلات من طرف المخزن وفقدانها لقاعدتها وأساسها الذي نشأت من أجله، وما تراكم لديها من معرفة بالأوضاع السياسية، جعلها ـــ وبعد أن ارتمت في أحضان المخزن ـــ تختار الطرف الأقوى في المعادلة”.

الباحث المغربي يعتبر في ذات الدراسة أن الزوايا المرتمية في أحضان الاستعمار كانت إلى جانب الفرنسيين، وشاركت بنفوذها في تكريس الأوضاع الجديدة وإقناع أتباعها بضرورة الخضوع للمستعمر الفرنسي، والعمل بالتالي على تفكيك وحدة المقاومة.

ترهيب وترغيب

خالد التوزاني، باحث في قضايا التصوف، يقول في حديث لمرايانا إن المستعمر استفاد من دراسات المستكشفين عند دخوله للمغرب، فتوجه للزوايا الصوفية، إلى أن كسب ولاء بعض الشيوخ، وهذا سهَّل عليه تقسيم المجتمع.

يقول التوازني: “حاول المستعمر تقديم اغراءات مادية لشيوخ الزوايا، فيما وفر الحماية الأمنية لآخرين، كي يبقى الشيخ تحت رعاية الفرنسيين الذين يسعون لكسب تأييده، وهو ما يسهل عليهم التوغل في القبائل والسيطرة على خيرات البلاد”.

حسب المتحدث، فقد استطاع المستعمر الضغط على الزوايا، بالترغيب والإغراءات المادية. لكن، رغم مساعي فرنسا لاستمالة شيوخ الزوايا، إلا أن هاته المحاولات لم تدم، فهناك تجارب قليلة قبلت هذا التطبيع واستمرت فيه، وقد انتهى ذلك التعاون بنهاية الشيخ، فبعد موته يتبنى من بَعدَه موقفا مغايرا.

حالات شاذة

شهادات كثيرة استقتها مرايانا، تشير إلى أن أغلب الزوايا التي احتكت بالمستعمر، كانت في المراكز الحضرية، عكسَ المراكز القروية والجبال، التي كان من الصعب إخضاعها للسلطة الاستعمارية.

خدمة الزوايا الصوفية للمستعمر كانت استثنائية وعابرة، مرتبطة بأشخاص ودوافع ذاتية. وهذا ما يؤكده التوزاني، وتتقاطع معه شهادات أهالي الزوايا والتصوف.

يقول المتحدث: “في أدبيات التصوف، يقال إن المريد أمام شيخه كالميت، لكن أن يخرق المريد هذه الطاعة فهو أمر استثنائي، ففي المغرب خرق المريد الميثاق، وعبَّر المريد عن رفضه لهذا التعاون، وهنا انعزلت مجموعة من الزوايا وبقيت في الهامش”.

حسب التوزاني، فإن الحركة السلفية كانت تقاوم التصوف معتبرة أنه بدعة، فكانت تحارب الزوايا، وهو ما قد يفسر أحيانا لجوء الزاوية إلى المستعمر لتقوية نفوذها، لأن السلفية كانت لها سلطة ونفوذ سياسي ينتشر بشكل كبير بين عموم المغاربة.

حسب التوازي، فالزاوية الوزانية، مثلا، من الزوايا التي كانت لها علاقة مع الاستعمار، حيث قبلت محاورته ورحبت به. كان هذا خلال فترة حكم أحد شيوخها، الذي تزوج من انجليزية، غير أن الموقف كان مرتبطا بهذا الشيخ وزمان مشيخته، ولم يكن يرضى عنه كل أتباعه.

رأي خالد التوزاني نجد له امتدادا عند الكاتب قاسم الحادك، الذي أشار في دراسته المنشورة على مجلة “كان”، العدد 26 – دجنبر 2014، أن “بعض الزوايا كانت سباقة إلى طلب الحماية القنصلية قبل توقيع عقد الحماية بكثير، ونخص بالذكر شريف وزان الذي أعلن عن حمايته الفرنسية منذ 1884، فقد كان نفوذ الشيخ الوزاني يشمل جل المناطق الشمالية للمغرب ويمتد حتى منطقة توات؛ لكنه فقد مكانته داخل البلاط المخزني بعد حرب (1859 – 1860) ضد إسبانيا، فتراجع نفوذ زاويته وتقلصت مداخيلها”.

التطبيع قرار شخصي لا صوفي

محمد جبرون، مؤرخ وكاتب وأستاذ جامعي بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بطنجة، يقدم طرحاً مختلفا عما يسود حولَ الزوايا، إذ يقول في حديث لمرايانا إن هناك خطأً شائعا في موضوع الزوايا، حيث يعتقد الكثيرون أن الزوايا المغربية كانت في خدمة الاستعمار.

يقول جبرون: “الاعتقاد بأنَّ هناك تطبيعاً بين الزوايا والاستعمار هو اعتقاد غير دقيق. ففي الوقت الذي كانت لبعض الزوايا علاقات بالمستعمر، أو تستخدم من طرفه، كانت هناك زوايا أخرى قاومت الاستعمار”.

حسب المتحدث، أحياناً كان هناك طرف قاوم الاستعمار، وطرف آخر خدمه، ويمكن القول إن جزءا من المقاومة المغربية كان عند الصوفية، أو تجلى من خلال زوايا صوفية خاصة، في الأطلس الكبير والمتوسط.

يقول المؤرخ: “يصعب التدقيق في الانطباع الرائج حول الزوايا، شأنها شأن عدد كبير من المؤسسات والتنظيمات الاجتماعية التي كانت موجودة حينها. وإذا ما نظرنا في الفرق بين صوفية القرى والجبال، وصوفية المدن، فإنه يُمكن أن نجد أن صوفية القرى، قاوموا بالسلاح، في حين أن صوفية المدن كانوا متورطين مع الاستعمار”.

يتفق جبرون مع التوزاني في النظر إلى الزوايا التي كانت على صلة بالاستعمار، معتبرين أنها كانت تخضع لتقديرات أشخاصَ أكثر مما تخضع لنظام الزاوية ككل، وما يفسر هذا، عدم رضى المريدين على هاته العلاقات، ومقاومة الاستعمار بدلَ مصاحبته.

استهداف سلفي

يختلفُ جبرون في طرحه تجاه سردية دعم الزوايا للاستعمار، قد يتفق مع وجود زوايا دعمت الاستعمار، غير أنه يقول إن هاته السردية أساساً، كان الغرض منها، استهداف الصوفية من طرف الحركة السلفية التي سعت إلى محاربة الزوايا بالمغرب.

جبرون قال إن الحركة السلفية بالمغرب اعتبرت الزوايا الصوفية أحد دعامات الاستعمار. غير أن الحكم على الصوفية، كان من باعث إيديولوجي مرتبط بأسباب لا علاقة لها بالواقع، فالصوفية ليست كما صورتها الحركة السلفية المغربية، لأن تصور السلفية هو تصور ايديولوجي ومرتبط بظرفية معينة.

يقول جبرون: “يصعب الجزم في سردية تطبيع العلاقة بين الزاوية والمستعمر، لأن هناك لبساً في الموضوع. فالقبول بالاستعمار كان مطروحاً حتى عند المخزن المغربي، الذي نظر للحماية بأنها ستُساعده وتخلص المغرب من المشاكل التي كان يعيشها”.

خلال تلك المرحلة، اتسم الوضع في المغرب بالاضطرابات الأمنية والانهيار الاقتصادي وعدد من المشاكل التي عرفتها البلاد، والتي كانت سببا في التوتر حتى بين عدد من القبائل وظهور ما سمي بقبائل السيبة وغيرها.

كثيرة هي الزوايا التي أبدت تعاونها مع المستعمر، غير أنها سرعان ما تتراجع، لكون قرارات خضوعها للمستعمر راجع بالأساس لشخص أو جماعة لا تعكس كل الأتباع، ولهذا فإننا دائما ما نرى تغييرا في بنية الزاوية ومشايخها.

بدوره، المخزن ساهم في تكسير قوة الزوايا، من خلال تهميشه لبعض الزوايا على حساب أخرى، أو من خلال بعض رجاله الذين فضلوا الاصطفاف إلى جانب الاستعمار بدلَ شيوخ الزوايا، وهو ما أسهم في ظهور عدد من الزوايا المتمردة، كالزاوية الدلائية التي واجهها المخزن بعنف شديد.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *