مغاربة في خدمة فرانكو… كيف قضى الفيلق المغربي على الجمهورية الاسبانية - Marayana - مرايانا
×
×

مغاربة في خدمة فرانكو… كيف قضى الفيلق المغربي على الجمهورية الاسبانية

مُستغلا مظاهر الهشاشة التي كانت يعيشها مغاربة الريف – خصوصا – في ظل الحماية الاسبانية، ومعتمدا على ورقة المؤاخاة بين المسلمين والنصارى، أسس فرانكو كتيبة المغاربة.
الفيلق المغربي الذي أطلق عليه الجمهوريون الإسبان كتبية الموت، ساهم بشكل كبير في حسم الحرب الأهلية لصالح فرانكو، بالنظر إلى صلابته واستماتته.

“إن الموروس (المغاربة) الذين استقدمهم فرانكو يريدون دخول مدريد، ولكن لن يمروا ما دامت هناك مقاومة”.

أنشدت المقاومة الجمهورية الإسبانية هاته الكلمات، بعد أن قرر فرانكو دخول مدريد. لكن…

ما دخلُ المغاربة في هذه الحرب التي لا تعنيهم في شيء؟

الفيلق المغربي أو كتيبة المغاربة، وحدة عسكرية شاركت إلى جانب جيش فرانكو في الحرب الأهلية الإسبانية. كتيبة تتكون من ازيد من 150 ألف مغربي، أغلبهم من منطقة الريف، أخذهم فرانكو لينكل بهم بمعارضيه من الجمهوريين الإسبان، الذين كانوا رافضين للملكية من جهة وللحكم الديكتاتوري من جهة أخر.

كتيبة المغاربة ساهمت إلى حد كبير في قلب الموازين في العديد من المعارك الدامية، لما عُرف عنهم من الشراسة والقوة.

كيف تم استقطاب المغاربة للقتال؟

بداية قصة الموروس (المغاربة):

لم تكُن الحرب الأهلية الإسبانية هي بداية حكاية الموروس، إذ شكلت القوات الإسبانية قبل ذلك، فيالق من القوات المغربية تابعة للجيش الإسباني، في حرب الريف خصوصا، حيث حارب المغاربة إلى جانب الإسبان ضد محمد بن عبد الكريم الخطابي.

نور الدين دحان، وهو حفيد لأحد الجنود الذين كانوا ضمن فيلق المغاربة بالريف، في بحثه عن تبرير الأمر، اعتبر في حوار لهُ، أن الدينامية الاجتماعية للفرد ساهمت بشكل كبير في هذا الاختيار، حيث كان جده فلاحا صغيرا، تم نهبُ أرضه من طرف الفرنسيين. هذا الوضع الاجتماعي المزري اضطره للعمل، ما دفعه للالتحاق بالجيش الاسباني بذريعة أن هذا الأمر يعتبر عملا فقط، وليس حقدا ولا حبا في حرب الريفيين.

في حرب الريف، خَبر فرانكو قوة المغاربة وشراستهم. هناك، أدرك أن صلابة المغاربة قد تكون سببا في خدمة أهدافه العسكرية في إسبانيا.

ما دورُ المغاربة في هذه الحرب التي لا تعنيهم في شيء؟

يجيب أسين بلاثيو في مقال له بعنوان: “لماذا قاتل بجانبنا المسلمون المغاربة؟: “تحت هذا المظهر السطحي الخشن للمغاربة الأبطال، يوجد قلب نابض. توأم للقلب الإسباني الذي يقدس مبادئ سامية عليا لا تختلف عن مبادئنا، ويحس بنفس الاختلاجات التي نحسها نحن، ونتقاسم اعتقادات مشتركة تجمعنا ضد الماركسي الملحد الذي يرفض ولا يشاطرنا عقيدتنا”.

يكشف هذا النص، الدافع الأديولوجي الذي تم من خلاله إقحام المغاربة في هذه الحرب، حيث استغل الجنرال فرانكو فترة الحماية الإسبانية، لتمرير الأفكار المعادية لليساريين من منطلق العقيدة والدين، واللعب على ورقة المؤاخاة بين المسلمين والمسيحيين باعتبار العدو الواحد والأوحد: اليساري (المُلحد)، ما جعل  المغاربة، وفق مصادر عديدة، يرددون التكبير والصلاة على الرسول محمد في غاراتهم ضد الجمهوريين المقاومين.

اعتمد فرانكو على الجانب الديني بشكل كبير، وعَمل على بناء المساجد وتنظيم بعثات الحج للمغاربة، ليحثهم من خلال ذلك على الالتحاق بصفوف جيشه، ويشنع من زاوية أخرى على همجية الشيوعيين.

في كتابه “الحج في الحقبة الاستعمارية”، يقول لوك شانتر إن الدعاية شهدت أوسع انتشار لها في موسم حج 1937، وتم عمل تغطية إعلامية بعناية لتحضيراتها، بحيث تجتذب المغربيين من أهالي المنطقة الإسبانية.

لهذه الغاية، تم تخفيض الأسعار بشكل كبير، كما حجز قطار خاص للسماح لأهالي تطوان بتأمل هذه الباخرة الفاخرة التي يبلغ طولها 125 مترا، وتضم في صالونها في الدرجة الأولى لوحة مهيبة لفرانكو، عليها إهداء بتوقعيه: “إلى إخواننا المسلمين المغاربة”.

لم يكن الجنود المغاربة يُدركون معنى الماركسيين أو الشيوعيين، نظرا لجهلهم بهذه المصطلحات. لكن، حسب الكاتبة ماريا روسا دي مادارياغا، في كتابها “مغاربة في خدمة فرانكو”، تم توظيف مصطلح  الكُفار حتى يكون لهُ الوقع العقائدي والديني على المسلمين المغاربة.

لم يكُن الجانب العقائدي وحده السبب وراء انضمام المغاربة للحرب الأهلية… شكلت الظروف الاجتماعية أيضا عاملا قويا.

نور الدين دحان، الذي شارك جده في هذه الحرب، يتحدث عن الحالة الاقتصادية التي كان يعيش فيها جده، والتي دفعته للانضمام إلى الجيش الإسباني قائلا: “إن أباه إلى جانب إخوته وأمه كانوا يعيشون فقرا قاسيا في منطقة العرائش، وكانت الأم تفرض عليهم نمطا من العيش شديدا. من لم يعمل لن يأكل… فكان يذهب هو وأخوه للقيام بأي عمل ممكن، ما اضطره للالتحاق بالجيش الإسباني هو وأخوه”.

في ظل هاته الظروف، انضم العديد من المغاربة إلى جيش فرانكو، وهناك، شُكلت كتبية الموت، كتيبة المغاربة، التي كانت لها الكلمة العُليا في حسم معارك عدة ضد الجمهوريين.

كتيبة الموت

الفيلق المغربي، كتيبة المغاربة، كتيبة الموت… كُلها ألقاب حازها الجنود المغاربة البالغُ عددهم في هذه الحرب 150 ألفا.

كُلف المغاربة خلال هذه الحرب بأكثر وأهم العمليات دموية. تورد ماريا روسا في كتابها “مغاربة في خدمة فرانكو”، بعض الشهادات لأشخاص عاينوا تدخلات المغاربة: “كان المغاربة يتصدرون قمع  المتمردين، ويتصرفون بكل وحشية. كانت بنادقهم تفرغ في كل من يواجههم، وخناجرهم تمزق الأحشاء دون اعتبار لأحد..”.

انتمى الفيلق المغربي إلى جيش إسبانيا الإفريقي، جيشٌ كان أول من تمرد في انقلاب 1936، وتم التوجه به نحو العاصمة مدريد، إلا أنهم فشلوا في احتلالها، فحاصر بهم فرانكو المدينة. هناك، تكونت الصورة الأولى لهذا الفيلق المتعطش للدماء، خصوصا خلال معركة “ألمندراليخو“، التي تم فيها إعدام حوالي 4000 شخص من المثقفين واليساريين.

أهم معركة شارك فيها المغاربة، كانت معركة “ألفامبرا” التي وصل صداها إلى المغرب، إلى درجة أن بعض الإسبان المستقرين في المغرب، دخلوا في اشتباكات مع المغاربة، بسبب اتهامات للمقاتلين المغاربة بارتكاب جرائم في إسبانيا، وتحولهم إلى سلاح في يد فرانكو لتعذيب معارضيه وسحقهم.

معركة أسر فيها أزيد من 7000 معارض لفرانكو، حسب المؤرخ البريطاني هيو توماس، واحتل فيها الجيش الفرانكي ما يقارب 800 كيلومتر مربعا من الأرض، وكان للمغاربة فيها شأن عظيم.

بفضل استغلاله للجانب الديني والاجتماعي للمغاربة، خلق فرانكو فيلقا مغربيا، حارب بهم فوق التراب الاسباني بلا هوادة. سقطت بلدات كثيرة، وحُسمت معارك عديدة بفضلهم.

شكلت الفترة ما بين مارس وأبريل 1938، عز هذا الفيلق، حيث سيطر على مساحات واسعة شمال العاصمة مدريد وجنوبها، واحتل هذا الفيق لوحده، في 4 من فبراير 1939، مدينة جيرونا. لذلك، يذهب عدد من المؤرخين إلى أن “عرش فرانكو بُني ببنادق المغاربة”.

الصور التي تُظهر اعتماد فرانكو على حامية عسكرية من المغاربة لأجل حمايته، دليل واضح على ما شكله هؤلاء من دور كبير في حربه، إضافة إلى الشراسة والقوة التي كان يتسم بها هؤلاء. وقد حافظ فرانكو على الشكليات المميزة لهذا الحرس، من خلال امتطائهم للأحصنة، وتزيينهم بالزي المغربي، واحتفظ فرانكو بهؤلاء الحرس إلى سنة 1957.

كتيبة المغاربة… احتيال استعماري

كان المغاربة ينتمون إلى الفيلق الأجنبي الذي أنشأه الجيش الإسباني، هذا الفيلق الذي انتهى به المطاف، سنة 1986، إلى الاندماج ضمن الجيش الإسباني، وأصبح أغلبية المنتسبين له يحملون الجنسية الإسبانية. وتم تجنيدهم في وحدات مرابطة في سبتة ومليلة المحتلتين.

فيلق الموت من أكبر عمليات الاحتيال الاستعماري في التاريخ، استغلالٌ للدين والوضعية الاجتماعية، جعلت صورة المغربي في عيون الإسبان في تلك اللحظة، صورة من لا قلب له، والقادم من الجبال لإشباع رغباته في القتل والنهب والسلب.

هذه الحرب، استُغل فيها الأطفال المغاربة أشد الاستغلال، إذ أن نور الدين دحان أكد أن أباه حين التحق بالفيلق لم يكن سنه يتجاوز 13 عشر عاما، وتم توزيعهم على الجبهات الأكثر شراسة في المعارك.

وإن تم إدماج بعض الجنود، فيما بعد، داخل الجيش الإسباني، فقد عاد أغلبهم إلى شمال المغرب، واستأنفوا أعمالهم البسيطة، وتم طمسهم من التاريخ الإسباني الحديث، مثلما تم طمس فترة حكم فرانكو الديكتاتورية، بالنظر إلى الجرائم التي اقترفها خلال فترة حكم.

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *