امحمد محاسني: مثلية وشعبوية ومغالطات…
هل كان من الضروري إقحام مثلية غابرييل في موضوع يتعلق بأدائه السياسي؟ وهل وصْفُ خصومِ الوزير، لتعيينه وزيرا بـ “الكارثة”، كان بسبب مثليته أم بسبب أدائه السيء سياسيا؟
المثليون.. هؤلاء الذين لا يعترف لهم أعتى مدافعينا العرب والمسلمين، عن حقوق الإنسان، يمينا ويسارا، بأي حق في الوجود.
هؤلاء الذين لا يتمنى أحد منا، أن يتورط في مغبة الدفاع عن حقوقهم، مخافة أن يوسم، عن حق أو عن باطل، بوسم المثلية؛ وهو، لا معاذ الله، غيري، غيري… ما شرقت الشمس، وما غربت!
لكن، إذا قدر الله الذي خلقك على مثل ما أنت عليه، ووجدت نفسك، يوما ما، منجذبا، جنسيا، لبني جنسك، فاعلم أن السماء ستنطبق عليك! واعلم أيضا، أنك، إن ارتكبت مغبة المجاهرة بذلك، فسيكون إلقائك من شاهق أو رجمك حد الموت، تحصيلَ حاصل.
في أفضل الأحوال، لن يكون لك الحق، لا في الحكم، ولا في التحكيم، ولا في التنفيذ، ولا حتى في التعليق ولا التصفيق.
لنقل، مجاراة لواقع الحال، أن لك الحق، مطلق الحق، في أن تعوض غائبا أو أن تصلح عطبا. أو حتى أن تنقذ الإنسانية جمعاء من أي شر يحيق بها، شريطة ألا يحسب لمثلي مثلك… شرف المبادرة.
هذا، على الأقل، ما وشى به عنوانان إخباريان لصحيفة مغربية، تناولت خبر تكليف الرئيس الفرنسي ماكرون، لغابرييل عتال بتشكيل الحكومة، بعد استقالة إليزابيت بورن.
المقال الأول، بتاريخ 09/01/2024، صدر معنونا كالتالي: “مثلي الجنس والأصغر سنًا.. من هو؟“. العنوان وحده معضلة بكل المقاييس. إذ أن المنطقي هو أن يكون ترتيب مفردات العنوان هو: رئيس وزراء فرنسا الجديد، غابرييل عتال، الأصغر سنا… ثم بعدها، تجاوزا، المثلي.. لربما كنت; شخصيا، قد ابتلعت الخبر الأخير، على مضض، مقابل المعلومتين الأوليتين. ولو أنني لا أعد بذلك مبدئيا.
أما أن تتعمد هيئة تحرير اليومية التأكيد رأسا، على صفة المثلية للرجل، ثم لا تنسى أن تشير في التفاصيل إلى أن “المحامي خوان برانكو، زميل غابرييل السابق في المدرسة الثانوية، قد كشف عام 2018، أن الوزير (..) مثلي الجنس، وبأن سياسيين (لم يذكر أحدا منهم)، “وصفوا تعيين غابرييل، وزيرا للتربية والتعليم بأنه “كارثة الصيف”، مؤكدين أن ذلك سينقل الوزارة إلى المثليين والمتحولين جنسيا”، دون اتحاذ أية مسافة من هذا العدوان السافر على الحياة الشخصية للرجل بسبب اختياراته الجنسية، فهذا ما لا يمكن قبوله إطلاقا من وسيلة إعلام لا تفوت مناسبة، لتدعي فيها أنها حداثية ومع حقوق الإنسان المتعارف عليها دوليا، وهلم شعارات تتساقط مع أول هبة ريح.
فهل كان من الضروري، إقحام مثلية غابرييل في موضوع يتعلق بأدائه السياسي؟ وهل وصْفُ خصومِ الوزير، لتعيينه وزيرا للتربية بـ “الكارثة”، كان بسبب مثليته أم بسبب أدائه السيء سياسيا؟
ما علاقة العمل العمومي بالخيارات الجنسية الشخصية والخاصة للفاعلين “العموميين”؟
حتى على افتراض أن الحكومة الفرنسية، كلها، قد صارت في يد المثليين، كما يريد بعض الشعبويين الإيهام بذلك، فهل سيصير لزاما على كل الفرنسيين، أن يتحولوا إلى مثليين، ليستفيدوا من خدماتها؟
شعبوية فرنسية، أم إسلاموية مغربية؟ المشترك فيما يبدو، هو، على الأقل: الهوموفوبيا.
في اليوم الموالي، أي في 10 يناير، تنشر نفس اليومية مقالا آخر في نفس الموضوع، بنفس العنوان غير البريء: “تعيين ماكرون “مثليا”، رئيسا للوزراء، يكشف خطط الإليزيه، للاستحواذ على الحكومة”.
هنا، تكون اليومية، ربما من حيث لا تدري، بصدد الترويج لأفكار القادة السياسيين الشعبويين في فرنسا. فالعنوان يشي بأن ماكرون عين وزيرا مثليا، بصفته تلك، رئيسا للحكومة، لعلمه بأن “لوبي” المثليين في العالم قوي، وبإمكانه أن يتدخل في نظام حكم الدولة الفرنسية. وربما في كل دول العالم. وإلا، لماذا الربط مباشرة بين اختيار ماكرون لمثلي، والرغبة في الاستحواذ على الحكومة؟
الشعبويون الفرنسيون، يختلقون دائما أعداء وهميين، ويقدمونهم للعامة كخطر داهم، قد يأتي على الأخضر واليابس، إن لم يتصدوا له بكل حزم. مرة، يتجلى هذا العدو في صورة عمال مهاجرين يزاحمون أبناء البلد في مناصب الشغل، ويغتصبون أخواتهم وبناتهم، ومرة أخرى يلبس ثوب العدو ثوب المثليين الذين سيقوضون منظومة أخلاق النشأ، ومرة ثالثة يتقمصون دور لوبي خفي يتآمر على مصالح الأمة.
آخر ما يهم الشعبويين في أوربا عامة، هو مدى صحة أو عدالة الوسائل التي تستخدم في خضم تزاحمها على السلطة.
نعود إلى شعبويينا المحليين، ولننبه: إذا كانت اليومية، بكل هذا الانحدار الأخلاقي التي وصلته، تعتقد أنها تخدم مواقف الدولة المغربية في صراعها السياسي الحالي مع الشانزلزي، فعليها وعلى أمثالها أن يدركوا، بأن الدفاع اللامشروط عن أية قضية، مهما كانت عادلة، بوسائل غاية في التخلف والإقصائية، يسيء للقضية نفسها، ويقوض أساساتها.