الموت الممتع عبر الأفعوانية القاتلة: رحلة لاستكشاف أسرار الموت
ارتبط مفهوم الموت، منذ القدم، بمشاعر الفراغ إثر الفقد والحزن الشديد والخوف والرهبة. لكن، في السنوات الأخيرة، قطع أناس كثر من العالم مع الطابع السلبي للموت، ليظهر الموت الممتع، وليرتبط بالتشويق والجاذبية بالنسبة لمحبي المغامرات المثيرة.
هناك من الدول الغربية من تجيز إمكانية “الموت الرحيم”، إما عن طريق مساعدة الطبيب أو شخص آخر. في المقابل، تجرم دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هذا الأخير بالنظر للأبعاد الدينية والأخلاقية التي تحكم الموضوع.
عندما يفكر الإنسان في الرحيل المرتقب إلى الضفة الأخرى من الوجود، ترتعد فرائصه ويرتجف قلبه. وفي غمرة الخوف من الحزن على مفارقة الحياة، تنبثق أسئلة وتجارب ومغامرات تنزع عن الموت طابعه السوداوي وتحيله تجربة فريدة، يستمتع من خلالها الشخص المحتضر (نفسيا أو جسديا) بآخر لحظات الحياة المشرقة قبل أن يتلقفه الموت.
بيد أن لفظ “الموت”، في المعتقد الشعبي العالمي، لا يمكن إلا أن تصاحبه مشاعر رهبة ووجل وذعر وحزن. لكن…
ماذا لو تم تجاوز كل هذه المشاعر ذات الطابع السلبي، ليتم الاستمتاع بالموت وسرقة الفرح من اللحظات القليلة المتبقية للإنسان في الحياة؟
تبدو الفكرة، لوهلة، غريبة ومستبعدة. لكن هذا ما طرحته إحدى المشاريع عام 2010 في إيرلندا، من قبل طالب الدكتوراه “جوليهونس أوربونس”، الذي اخترع أفعوانية، أطلق عليها “أفعوانية الموت السهل”؛ وهي عبارة عن آلة افتراضية، تقل على متنها 24 شخصا نحو العالم الآخر.
الآلة مكونة هندسيا من ست حلقات وسكة فولادية صلبة. قد تبدو للوهلة الأولى لعبة ممتعة، مثلها مثل الأفعوانيات الأخرى العادية في مدن الألعاب؛ لكن تصميمها وطريقة عملها وسرعتها، كافية للتعرف على نوع الرحلة التي تعاش من خلالها.
لم يكن مسار الأفعوانية في البدايات الأولى لاختراعها بالشيء المغري، إذ كانت الرحلة عبرها لا تتجاوز الست دقائق، لتحيل الراكب فيها إلى جثة هامدة في وقت قياسي وسريع. لكن، مع توالي السنوات، أضيفت لها جملة من الخاصيات التي تجعل “رحلة الموت” عبرها، أكثر إثارة وتشويقا للذين “يحبون قضاء آخر دقائق حياتهم بمتعة”.
يبدأ مسار الأفعوانية برحلة الصعود للقمة، وهناك يتبدى للراكب المنظر من فوق، مع شدة الارتفاع، فيكون أمامه اتخاذ القرار ما قبل النهائي للمواصلة أو العدول عن الفكرة. في حال اتخاذ قرار الاستمرار في خوض التجربة، يضغط على زر الهبوط، وتنطلق الرحلة بسرعة 360 كيلومتر في الساعة.
تتقاذف الراكب في هذه المرحلة قوتان؛ قوة الهواء التي تدفعه إلى أعلى، وقوة الجاذبية الأرضية التي تسحبه للأسفل وتصل إلى 10g. تعرقل هاتان الخطوتان عملية التنفس، تصل المركبة بعدها إلى الحلقات الدائرية السبعة، ويبلغ فيها الراكب النقطة الأعلى من كل حلقة. المرحلة هذه، استنادا لما يقع فيها من تغيرات جسمانية، تعد الأخطر على الإطلاق، إذ ينقلب فيها المقعد الذي يقل الراكب، فينقلب رأسه على عقبه، حيث يتجمع الدم في دماغه وتفرغ معدته من الهواء وتقلب أحشاؤه. وعندما تتم عملية هبوط المركبة إلى الأسفل، يجري الدم المتجمع في الدماغ في باقي أنحاء الجسم، بينما يقل مستوى الأوكسيجين فيه، وتبدأ الرؤية في التأرجح بين الرؤية الضبابية، وأحيانا تنعدم بشكل كلي، ويصاحب عملية فقدان الرؤية فقدان الوعي.
تتكرر عملية الصعود والنزول هذه عبر الحلقات الست المتبقية، الشيء الذي ينجم عنه تخدير كلي للجسد، وفقدان تام للرؤية جراء قوة الجاذبية الأرضية، وفقدان القدرة على التنفس، مما يؤكد حتمية الموت بانتهاء الرحلة ونزول المركبة إلى الأرض.
تسير الأفعوانية بشكل مستقيم عبر مسار النزول بعد الخروج من آخر حلقة دائرية، ناقلة جثثا هامدة لأشخاص “استمتعوا بموتهم”… يتم التأكد من أنهم ماتوا فعلا، أو إذا كانوا يحتاجون إلى جولة جديدة، لكن الأكيد دوما، هو الموت الحتمي الذي لا يدع مجالا لإضافة جولة ثانية.
يتم التخلص من جثث الموتى، لترك الأماكن شاغرة في وجه 24 شخصا آخرين، يرغبون بدورهم في خوض غمار تجربة الموت الممتع.
فلسفة “الموت الرحيم” في العالم بين الإباحة والتحريم
في حالات مرضية كثيرة، تكون مستعصية، ويسبب فيها المرض الألم القوي لجسد المريض وروحه، يلجأ كثيرون إلى تفضيل إنهاء حياتهم عن طريق الموت الرحيم بمساعدة الطبيب، عن طريق الحقن بعقار مميت، أو قد يزود الطبيب المريض بالأدوية التي تساعد على إنهاء الحياة.
يتخذ هذا الموت أشكالا عديدة، منها “الموت الواعي الإرادي”، عندما يتخذ المريض نفسه قرارا بالموت، ويطلب المساعدة لتحقيق ذلك؛ ثم هناك “الموت اللاإرادي”، حيث يكون الشخص غير قادر على إعطاء الموافقة على تحقيق إنهاء حياته، في حالات الغيبوبة مثلا، ويتخذ هذا القرار شخص آخر نيابة عنه. وهناك أيضا “الموت الإجباري”، والذي يتعلق بالحالات التي يفرض فيها الموت على الشخص، دون موافقته، لأسباب نفسية أو صحية.
هناك أيضا “الموت الرحيم السلبي”، ويتضمن حجب العلاج الضروري لاستمرار العيش عن الإنسان. وآخر نوع من الموت الرحيم، هو “الموت الرحيم النشط”، الذي يتخذ فيه إجراء يهدف إلى إنهاء حياة المريض عن قصد، مثل حقنه بدواء يؤدي إلى موته، أو استخدام جرعة زائدة من المهدئات، وتعد هذه الطريقة الأكثر إثارة للجدل، بسبب الإشكالات القانونية والأخلاقية التي تطرحها.
يعتبر “الموت الرحيم ” في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من المحرمات، بالنظر للوازع الديني والأخلاقي الذي تمجد من خلاله حياة الإنسان ويتم تقديسها. وعليه، فقوانين هذه الدول تعتبر المساهمة في مساعدة مريض للتخلص من حياته جريمةً، يعاقب عليها القانون بالحبس مدة طويلة قد تصل إلى المؤبد.
لكن بعض الدول الغربية تسمح بهكذا نوع من الموت في ظل ظروف معينة، ففي هولندا وبلجيكا، أصبح الموت الرحيم مسموحا به قانونا، وفقا للشروط التالية: يجب أن يكون الشخص بالغا وقادرا على التمييز، ويعاني من مرض عضال وخطير، ويعاني من آلام جسدية ونفسية كبيرة، وأن يكون قد أعرب عن رغبته في ذلك.
في سويسرا، يعتبر الموت الرحيم بمساعدة الطبيب غير قانوني. أما إذا كان بمساعدة شخص آخر غير الطبيب فهو قانوني، على أن يكون الشخص المعني واعيا وقادرا على التمييز. وقد أقرت هذا النوع من الموت نيوزلندا وإسبانيا وكولومبيا كذلك. أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فتقره بعض الولايات منها، مثل واشنطن، وترفضه ولايات أخر. في كندا، انتشر الترويج للموت الرحيم على نطاق واسع، ويطال الأمر بشكل خاص الكنديين الذين ليس لديهم المال للعلاج.
في عام 2016، رصدت أزيد من 45 ألف حالة وفاة بسبب الموت الرحيم في كندا، وقدرت نسبة الموت الناجمة عن الموت الرحيم في 7٪.
عملية اتخاذ قرار الموت الرحيم مع تنفيذه، يحل بعضا من أزمة الرعاية الصحية في كندا، وطوابير العلاج الطويلة وعدم جدوى بعض العلاجات مع الأمراض المستعصية.