الوجه الآخر لأسرة فاضمة وحرفو: بوح خاص عن غياهب سجون واستشهاد وجراح وآلام تتجدد 2/2 - Marayana - مرايانا
×
×

الوجه الآخر لأسرة فاضمة وحرفو: بوح خاص عن غياهب سجون واستشهاد وجراح وآلام تتجدد 2/2

فاضمة وحرفو، لم تكن سوى بعض الحكاية.
هي في الأصل، حكاية الأـسرة بكاملها. أسرة تعرض الكثير من أفرادها للاختطاف، للتعذيب، وانتهت بإعدام الجد واستشهاد فاضمة وحرفو.

تابعنا في الجزء الأول من هذا الملف، بعضا من تفاصيل حكاية اعتقال واستشهاد فاضمة وحرفو.

في الجزء الثاني من الحكاية، نقتفي أثر معاناة أسرة وحرفو على لسان أبنائها الذين يروون بمرارة، سيرة تعذيب أبيهم وعمهم… وعمتهم.

وجه آخر لمحنة أسرة وحرفو، لم يقف عند فاضمة، ولم يقف عند الجد موحى… بل هو مسار وصفحة لا ولن تُطوى.

مارس 1973، عاش الأطلس على وقع أحداث مولاي بوعزة. وصل صدى الأحداث إلى المغرب الشرقي ومنطقة إملشيل. هاته المناطق تعرض أهلها لأشد أنواع التعذيب في المخافر وغيرها، وكان ضمن هاته الفئة، والد الشهيدة فاضمة وحرفو والذي صدر في حقه حكم بالإعدام من لدن المحكمة العسكرية بالقنيطرة في 27 غشت 1974.

محنة أسرة:

عن تجربة أسرة الشهيدة فاضمة مع الحيف والعذاب والاعتقال، يقول الحسين وحرفو، ابن أخ الشهيدة فاضمة، أن كل أفراد الأسرة ذاقوا الويلات، فحتى جدته لم تسلم من أذى وبطش السلطات حينها، وذلك بسب جدهم موحى وحرفو.

يتذكر الحسين ما حكاه له والده بمرارة، ويقول في حديث خصَّ به مرايانا، إن جده، موحى وحرفو، كان حينها بقرية اقَّانْوانينْ القريبة من إملشيل، إلى جانب بعض معارفه، ومن المرجح أنه كان معهم آخرون، يعتنقون الفكر اليساري ويؤمنون بالثورة، غير أن الجد ومن معه… كانوا أناس بسطاء غير متعلمين.

يحكي الحسين، حسب ما رواه والده، أنه ذات يوم كانت مجموعة ضمنها جدهم موحى، حاولوا القيام بتمرد ضد قيادة المنطقة (اقَّانْوانينْ)، حيث كانوا يشكلون قاعدة إلى جانب بعض القواعد بالمغرب الشرقي. عندما علمت السلطات بنيتهم، سارعت لإيقافهم مما دفعهم للفرار إلى الجبال المحاذية.

حسب الحسين، “كان جدي حينها مختبئا في الجبل، يحمل له والدي الطعام بعد منتصف الليل، ويعود متسللا. كثيرا ما كان يتعرض للضرب من طرف السلطات، وطيلة المدة التي كان فيها جدي مختبئا، كانت العائلة تتعرض للويلات. تم استدعاء كل أفراد الأسرة حيث تم تعنيفهم واستنطاقهم؛ تم استدعاء والدي وعمي، كان صغيراً حينها، ولم تسلم من الاستنطاق جدتي”.

اقتيد الأب والعم لمكان مجهول، وتم إيداعهم في سجن، يضيف الحسين، كان الغرض هو محاولة معرفة مكان أبيهم، وحسب والد الحسين، يرجح أنهم أخذوهم لسجن بكلميمة دون أن يعرفوا أي وجهة يسلكون وإلى أين.

يسترسل المتحدث بالقول: “كان أبي يبلغ من العمر حينها 18 سنة، بينما عمي يبلغ 10 سنوات. وضعوهم في سجن مع البالغين. في السجن، تعرض الوالد للتعذيب بواسطة الصعق بالكهرباء، وعند عودته، أخبر أخاه الصغير أنه قام ببعض الأشغال الشاقة. قضوا في السجن 18 يوما، ليتم إخلاء سبيلهم بعد عذاب شديد”.

يعود الحسين بذاكرته لحديث والده الذي أخبره أنهم عادوا إلى القرية خفية، مخافة أن تلتقطهم أيادي المخزن ويعودوا مرة أخرى للسجن. في ذات الليلة، اجتمع الوالد والعم والجدة بمناسبة خروج الأبناء من السجن عند موعد الغذاء، ثم… سمع الإخوة صراخا…

لقد علم المخزن أن سعيد وخويا، الذي كانَ فارا، عاد للقرية، وقدمت مروحية الدرك الملكي للبحث عنه مصحوبة بالمقدمين وعناصر القوات المساعدة. سيتم بعدها استدعاء الوالد والعم مرة أخرى… وزادت حدة التعذيب. وضعوا العم في “خنشة” (كيس) وانهالوا عليه بالضرب.

الحديث عن محنة الأسرة حديث طويل يجمله الحسين في عذاب ذاقه الجميع، ولا زال أثره النفسي باديا على الأسرة. يقول الحسين إنه، بعد أيام قليلة، علمت إحدى نساء القرية المقربات من المخزن بمكان الجد، حيث كان في مدخل غار داخل الجبل. كانت حينها في الجبل، ربما لأخذ الحطب، فلمحته هناك لتعود وتخبر السلطات بمكان تواجده، فقدموا إليه وأخذوه. في السجن، دخل الوالد عند جدي ليقول له كلمتين: “كونوا رجال” … وكأنها كانت وصيته الأخيرة.

فاضمة… عروس شهداء وحرفو

بالعودة للتقرير الختامي لهيئة الإنصاف والمصالحة (الكتاب الأول الحقيقة والإنصاف والمصالحة، ص 66) نجد فيه تأكيدا للكثير مما جاء في هذه الشهادات، إذ يورد:

“اختطفت فاضمة وحرفو في شهر مارس 1973 من منزل الأسرة بالسونتات رفقة أمها وأخيها من طرف الدرك والجيش والقوات المساعدة. احتجزتهم السلطات في عين المكان، تم نقلهم بعد ذلك إلى سجن “بوزمو” قرب إملشيل، حيث قضوا 8 أيام. بعد ذلك، تم إطلاق سراح الأم والأخ، تم نقلها (فاضمة) بعد ذلك إلى الكوربيس، ثم درب مولاي الشريف، وتم نقلها بعدها إلى مركز أكدز، حيث مكثت تحت مسؤولية القوات المساعدة. توفيت بتاريخ 20 دجنبر 1976 ودفنت بمقبرة أكدز”.

حسب الحسين، في الغد، جاء الدور على فاضمة. اعتقلوها بسبب دعمها للثوار، فأخذها المخزن من باب المنزل للتحقيق معها. بعد مرور عام، وخلال صبيحة عيد الفطر، أخبرني الوالد أنه ذهب للرعي، وعند عودته، وجد العزاء في البيت. كان ذلك اليوم هو يوم إعدام الجد رميا بالرصاص.

عن المرحلة الأخيرة، يورد الحسين: “خلال هاته الفترة، انقطعت أخبار فاضمة. بعدها، ستروج أخبار أنها متشردة في شوارع العاصمة الرباط؛ غير أن هذا لم يكن صحيحا طبعا، لنعلم بعدها أنها توفيت في سجن أكدز بتاريخ 20 دجنبر 1976. وكان سبب وفاتها في ظرف وجيز، الإفراط التعذيب الذي لاقته فاضمة، لترتقي شهيدة بمعتقل أكدز”.

يخلص الحسين في النهاية بالقول: “لا أعتقد أن تعويضا سيلملم جراح الجدة المكلومة والأخ الذي ذاق ويلات التعذيب في سن صغيرة. لن تستطيع الأموال تعويضي عن ضرر والدي وجدتي، عن جدي وعمتي وكل من ذاق ويلات التعذيب”.

ربما… ستظل تجربة الإنصاف والمصالحة، عنوانا ضمن عناوين كثيرة لمغرب سنوات الجمر والرصاص، لكن…

ستظل حكاية فاضمة وحرفو الجميلة، بعضا من بشاعة ماض يستعصي فيه الجرح عن التجميل.

فاضمة الجميلة… ستظل عنوان منطقة بكاملها، تم التنكيل بأهلها، لا لشيء سوى لأن… بعض أهلها، كانوا يحلمون بمغرب مختلف!

 

لقراءة الجزء الأول: فاضمة وحرفو، جميلة الشهداء… وجع أسرة وجراح تتجدد 2/1

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *