الأعراس الجماعية بمنطقة ألنيف… احتفالات بقيم تضامنية - Marayana - مرايانا
×
×

الأعراس الجماعية بمنطقة ألنيف… احتفالات بقيم تضامنية

صونا للذاكرة، وإحياء للتاريخ، تستقبل منطقة ألنيف مع كل صيف، أعراسها الجماعية.
الأعراس الجماعية، ليست مجرد تقليد عتيق، كما يبدو، بل هو جمعٌ لقلوب أنهكتها النزعات القبلية والعرقية سابقا، هي احتفالات بطابع تضامني، يتساوى فيها أبناء المنطقة في طقوس وعادات موحدة.
في ثلاثة أيام تتحول ساحة انرارن إلى لوحة فنية ينصهر فيها الحاضر بتاريخ عميق، وتتحول فيها الأعباء الاقتصادية المفترضة للعرس، إلى شهادة تضامن استثنائي… تصلح درسا للكثيرين.

في شهر أغسطس/ غشت من كل سنة، تتزين بلدة ألنيف، التابعة لإقليم تنغير بالجنوب الشرقي للمغرب، لاستقبال موعدها السنوي للأعراس الجماعية.

“تِيمْغريوين إيمان”، أو الأعراس الجماعية، تقليد أخرجته من من طي النسيان، منذ سنة 2007، جمعية بوكافر للتنمية الثقافية والاجتماعية في ألنيف، خشية اندثار هذا الطقس الضارب في جذور التاريخ.

لا يرتبط هذا الحدث بأسطورة معينة، كما هو الحال مع موسم إملشيل، إنما هو تجديد وإحياء لطقوس تاريخية ارتبطت بقبائل آيت عطا، إلا أنها حاليا تجاوزت القبيلة نحو الامتداد القبلي والشعبي والمجتمعي.

وفاء للتاريخ

الأستاذ الباحث وأحد أعضاء الجمعية المنظمة للاحتفال، حسن أزواوي، يقول في تصريح خص به مرايانا: “تُنظم مناطق الجنوب الشرقي في غالب الأحيان أعراسها الجماعية، بعد انتهاء الموسم الفلاحي. هذا التقليد ضارب في التاريخ عند قبائل آيت عطا. لذلك حاولنا، كجمعية، إعادة إحيائه لأجل الأجيال القادمة، وتحصيلا لمجموعة من النتائج والفوائد“.

الأصل في الأعراس الجماعية، حسب حسن أزواوي “أننا نتعامل معها وفق الأعراف والتقاليد باعتبارها موروثا ثقافيا. لا نختار شريحة من المواطنين لديهم مشكلات اقتصادية ونحاولُ تزوجيهم مثلا”.

يضيف حسن أزواوي: “تنظيم الأعراس يحتاج إلى أمور لوجستكيية مهمة. في سنة 2008، أشرفنا على تنظيم 46 عُرسا،  بما مجموعه 92 عريسا وعروسا، يمنحنا الآباءُ ثقتهم الكاملة. لذلك فأي خطأ قد يؤثر سلبا.

الأعراس اليوم أصبحت ذاكرة للمنطقة. لذلك، فالكل مسؤول عن تنظيمها بشكل جماعي لا الجمعية فقط، أبناء المنطقة يساهمون بشكل كبير في التأطير، ما يحد بشكل كبير من الخصومات والتعقيدات”.

نقطة مهمة يشير إليها أزواوي، أن الجمعية يقتصر دورها فقط على التنظيم والتأطير في ميدان عام، في حين أن العروسين يتكفلان بما تبقى من مأكل ومشرب.

إشارة أخرى يضيفها المتحدث: “لا نقوم بـ (العزلة)، أي اختيار الفتيات يوم الزفاف، بل هناك ترتيبات مسبقة. كل الأمور القانونية تكون منجزة، وتبقى فقط تقاليد الزفاف في الساحة، التي نشرف عليها”.

ثلاثة أيام من الفرح

مرايانا رافقت وسيم وعلي، من المهتمين بالثقافة الأمازيغية، في هذه الرحلة، للتعرف أكثر على التقاليد والخطوات التي تتم من خلالها الأعراس الجماعية لمدة ثلاثة أيام.

تصل جميع العرائس (تسلاتين) في اليوم الأول إلى المنطقة، مع من يرافقهن من الأهل والأقارب في ساعة متأخرة من الليل.

يتكفل “أسناين” بإحضار العروس، وهم أشخاص يفوضهم العريس. قديما كان يُشترط في الأسناين أن يكون ثقة وذا قوة، حماية للعروس من المتربصين أو قطاع الطرق.

صباحا، يتم إحضارهن إلى ساحة خاصة بصحبة أمهاتهن، لكي يركبن في حافلة مكيفة؛ بينما، في الماضي، كانت البغال وسيلة نقل العرائس.

تنطلق بهن الحافلة عند التاسعة، معلنة بذلك بداية طقوس “أسوكز”، والتي تعني عملية نقل العرائس إلى خيمة الوصول في جو احتفالي.

يحضر أسناين واحد لكل عروس، للقيام بتنفيذ أوامر “إقطاعن” (قطاع الطرق)، وهي عبارة عن عقوبات تفرض على الأسناين تكون في أغلبها هزلية، للسماح لهم بإيصال العرائس إلى خيمة أسوكز.

مساء، عند الساعة السادسة، تتم في ساحة إنرارن المجاورة لخيمة أسوكز، مراسيم “تغمي نْسْلان”؛ تحنية العِرسان.

بمرافقة أم العريس وأسناين، يتزين العريس بالحنّاء والكُحل والمسواك والعطر، وبلباس تقليدي خاص ومميز، يتشكل من السلهام الأبيض، بالإضافة إلى رداء أحمر مزركش بألوان زاهية، يوضع على رأس العريس يمسى “تكرزيت”. أضف إلى ذلك “أبوقس” الذي يزين كتفه، وهو حبل حريري أحمر يضعه العريس وأسناي، مع البلغة والجوارب البيضاء.

تنشد النساء، بالتوازي مع هذه المراسم، أهازيخ خاصة بهذه اللحظة تسمى وارو.

بعد الانتهاء من مراسم الحناء، تبدأ العروض الفنية المستقاة من التراث المحلي؛ “أحيدوس”، “رقصة كنكة”… لينسحب الجميع من ساحة إنرارن، ومعها تنتهي تقاليد اليوم الأول.

يوم ثان وثالث

تستكمل مراسم الحناء في اليوم الثاني، يميزها عن اليوم الأول، تقديم رقصة “أحيدوس” من طرف “إسلان وتسلاتين” أي العريس والعروس، مع عروض فنية تؤديها فرق محلية عدة. ثم ينسحب بعدها الجميع من ساحة الاحتفالات.

مساء اليوم الثالث، تجهز ساحة “إنرارن” من طرف اللجنة المنظمة، بإضافة نافورة صغيرة بمثابة منبع مائي بجانبه حوض محاط بشجيرات النخيل، وذلك لخلق مشهد يمثل ساقية القرية وحقولها.

بعدها، ترمي العروس “أمزيد”، أي اللوز الذي يوضع في إناء، مع مراسم “أسوقغ” وهي لحظة كشف النقاب عن وجه العروس، متبوعة بإحضار العروس إلى بيت الزوجية.

تقدم هدايا رمزية للعرسان، الذين يصفطون في طابور برفقة عرائسهم المحملات بسطول من اللوز.

يمسك العرسان قصبة مزينة بألون وأشكال زاهية. يتقدم كل زوجين تباعا لملء سطول اللوز من النافورة وإفراغه في الحوض المائي. بعد ذلك، يتم تقسيم الأزواج إلى ثلاث مجموعات استعدادا للخروج من الساحة من ثلاثة مخارج درءا للازدحام، وتسهيلا لعملية المغادرة.

هنا ينتهي العرس الجماعي… ترافق العائلات عرسانها في مواكب تحفها الأغاني والأهازيج المحلية التي تدعى “تمحطارت”.

تصل الزوجة أخيرا إلى بيت العريس، وترافق الزوجة أم العريس لتريها مرافق بيتها الجديد.

أعراس بطابع تضامني

لا تقتصر الأعراس الجماعية على الجانب الاحتفالي فقط، بل لهذا الحدث قيمٌ إنسانية وتضامنية.

في حديثه لمرايانا، يجمل حسن أزواوي هذه القيم قائلا: “تساهم الأعراس الجماعية في خلق جو من الانصهار القبلي والمجتمعي.

لم يعد الأمر مقتصرا على قبائل آيت عطا، بل تجد إسمخان، وإكرامن، والشرفاء في ساحة واحدة. تنظر إلى الأزواج في الساحة فلا تفرق بين الأستاذ والمهاجر والطبيب والمهندس والفلاح، كلهم بلباس موحد، يجلسون على الحصيرة نفسها، وينصهرون في بوتقة واحدة.”

يضيف حسن أزواوي: “الأعراس الجماعية تساهم بشكل كبير في التقليل من المصاريف. تخيل أن يقوم كل بيت بتنظيم العرس فرديا، مع ما يلازم ذلك من دعوة جميع أبناء المنطقة. هنا يظهر التكافل الاقتصادي والاجتماعي.

فضلا عن ذلك، تعد الأعرس متنفسا للساكنة في غياب أماكن الترفيه والتسلية، فحتى المهاجرون تجدهم يتنظرون شهر أغسطس\غشت من أجل المشاركة في هذا الحدث”.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *