محمد امحاسني: أيقونات الإسلام السياسي: مول الفوقية 1\4
ليس للشاب/الشيخ أية إسهامات في التأصيل لمنظور شرعي مستحدث مثلا، ولا أي حضور فكري أو اقتراحي، أيا كان نوعه.
كل ما لدى مول الفوقية، هو قدرته العجيبة على إثارة زوابع فصلية، نيابة عن غيره، في أغلب الأحوال، من شيوخه المعنويين أو في مناسبات يبتلع أعتد شيوخه أنفسهم وألسنتهم إزائها، بينما يصر هو على توريط نفسه في تصريحات جلبت عليه من المتاعب أكثر بكثير من أي نفع يمكنه أن يجنيه من شيوخه أو من الأدسنس.
المقصود بالأيقونات تحديدا، أولئك الذين يحققون أعلى نسب للمشاهدة على وسائط التواصل الاجتماعي، اليوم، في المغرب، باعتبارهم “صناع محتويات” تتابعهم جحافل غفيرة من المشاهدين. ونعت “الأيقونات” هنا للتوضيح، ليست له أية علاقة بمدى جودة تلك المحتويات نفسها، ولا بمدى قدرة صناعها على تقديم حلول مبتكرة، لما استجد من قضايا اجتماعية أو سياسية في بلادنا.
والمقصود بالإسلاميين، أولائك الذين يؤمنون بأن الإسلام، في المطلق، هو الحل السحري لكل مشاكل البرية، حتى حين يكون الإسلام نفسه، هو أصل الداء.
هم كثر. من الإخوان، المؤمن جلهم، بألا تعارض بين الشريعة السمحة وروح العصر، إلى دعاة “الوسطية” ومجادلة المارقين والمغرر بهم، بالتي هي أحسن، إلى الماسكين على جمرة الإسلام وضاحة وضاءة، الرافضين لتحريفية بعض الدعاة ممن يرون أن القتل، في الآيات القرآنية، ليس هو القتل، وأن الضرب يكون بالسواك، لا أكثر، إلى من يؤمن بضرورة التخلص الفوري من كل من يحاد الله، وعلى رأسهم، الأنظمة التي لا تحكم بما أنزل الله.
لكن ما يوحد بين هؤلاء جمعا، مهما اختلفوا، هو أن سائرهم يتداعى بالحمى، لأي مرض أو هزال يصيب عضوا منهم، جراء الانتقاد أو التشكيك، أو حتى الاقتراب من يقينياتهم، وأنهم جميعا، يهبون، هبة رجل واحد، للدفاع عنه “ظالما أو مظلوما”.
إن التبس عليك أمر أحدهم، فما عليك إلا اختبار مدى حساسيته المفرطة، وعدائه اللامشروط لليبرالية واليسار والمسيحية واليهودية والعلمانية واللادينية والمثلية والمهرجانات.. والمرأة.
سنتناول، في مقالات منفصلة، أربع عينات دالة عن هذا التوجه، حيث سنتقفى مؤهلاتهم العلمية والفكرية، وطبيعة إسهاماتهم في الترويج لأفكارهم وقناعاتهم، باعتبارهم منتمين جميعا للطيف الإسلامي، كما سنعرض، قدر الإمكان، لبعض مواقفهم الشهيرة من بعض النقاشات العمومية، على وسائط التواصل الاجتماعي؛ لكن، ليس بتفكيك ونقد كل تصريحاتهم ومواقفهم الرسمية، المشتركة من حيث المرجعية، بما ينبغي من نفس منطقي، عقلاني. بل فقط، بل انطلاقا من بعض فلتاتهم الغريبة دوما، والطريفة أحيانا. إذ أن مواجهة الطروحات العبثية بالعقل والمنطق، غالبا ما تكون مجرد عبث إضافي، لا أكثر.
1/4- مول الفوقية
التلميذ الأرعن، ياسين الدهن، الملقب بــ “مول الفوقية”، والذي هداه عقله إلى أن الطريق إلى رضى الله والأدسنس، يمران عبر الدفاع، غير المشروط، عن شيوخه، هنا وهنالك، وافتعال معارك دونكيشوتية بمناسبة أو بدونها، انتصارا لدولة الشريعة التي لا وجود لها إلا في مخيلته.
بخصوص مؤهلاته “العلمية”، فهو حاصل على الإجازة في الشريعة، في موضوع القراءات السبع، بالسعودية. وديبلوم “باكلوريوس” في موضوع القراءات العشر الصغرى! إضافة إلى ما تلقنه على يد شيوخه السلفيين في المغرب وفي المشرق.
ليس للشاب/الشيخ أية إسهامات في التأصيل لمنظور شرعي مستحدث مثلا، ولا أي حضور فكري أو اقتراحي، أيا كان نوعه.
كل ما لديه، هو قدرته العجيبة على إثارة زوابع فصلية، نيابة عن غيره، في أغلب الأحوال، من شيوخه المعنويين (الذين سيرد ذكر بعضهم لاحقا) أو في مناسبات يبتلع أعتد شيوخه أنفسهم وألسنتهم إزائها، بينما يصر هو على توريط نفسه في تصريحات جلبت عليه من المتاعب أكثر بكثير من أي نفع يمكنه أن يجنيه من شيوخه أو من الأدسنس.
ولكما عزيزي القارئ، عزيزتي القارئة، أن تتخيلا شكله، وهو يتلقى استدعاءات للمثول أمام قائد سرية الدرك، التابعة للمنطقة (أكادير)، حيث يمتلك مصنعا “سريا” لإنتاج مواد غدائية (أملو وأركان)، باسم شركة “dhenbio.com”، برخصة مسجلة بمدينة العيون (تحايلا على مصلحة الضرائب، والعهدة على جريدة “كود”).
من زوابعه الفنجانية أنه كتب، على الفيسبوك، معلقا على النقاشات الدائرة حول مدونة الأسرة: “كل ما شغل بالهم هو الإسلام… أما الناس اللي كيموتوا بالثلج والجوع فالجبال، والناس ديال جرادة والريف اللي طالبو بحقوقهم لا غير… المهرجانات لي تنفق عليها الملايير، أليست بطون المغاربة أولى؟ عوض يهضروا على الظلم والقهر والفقر وأبناء الزنا والعلب الليلية والحشيش اللي كيتزرع فكتامة ويخدر أولاد المسلمين والقرقوبي اللي كيدوز بالرشوة من عند الجيران والفساد الإداري ووو. بان ليكم ألمنافقين غا الإرث. ولا الكلب لا يعض اليد التي ترعاه؟ الله يلاقيكم مع ليوث الحق فشي زنقة ما كتخرج”.
هذا المزيج الرهيب، لكمٍّ كبير من المغالطات والسب المجاني والتهديد المباشر لحيوات الناس، هو ما دفع، مثلا، الباحث محمد عبد الوهاب رفيقي، لدعوة السلطات إلى “نهج سياسة فاصلة في التعامل مع المدعو “مول الفوقية” أو غيره لتجريم الخطابات التكفيرية والتحريضية”. مستطردا: “المشكل هو أن له عددا كبيرا من المتابعين ممن يطبل لمثل هاد الخطابات العنيفة والمحرضة”.
غير أن الفتى النزق لا يرعوي. فها هو يكتب بتاريخ 30 مارس 2024، تدوينة يعبر فيها عن رأيه في النقاش الدائر حول مدونة الأسرة، جاء فيها: “شرذمة نشاز من سفلة المجتمع، لن تفرض توجهاتها واختياراتها على أمة شاخت في الإسلام ورضيته دينا. أي محاولة للعب بالدين ستجرنا إلى حرب أهلية، إذا بدأت، والله لن تنتهي حتى يفنى نسلنا. كلنا نريد الإصلاح. لكن لا تجعلني في حرج من ديني، ولا تجعل الدولة في حرج مع مؤسساتها، ولا تجعل وطني في حرج مع الأمة الإسلامية ومع التاريخ”.
وهو ما جر عليه أيضا وابلا من الإدانة والاستغراب من كل اتجاه. حيث كتب أحمد عصيد: “هذه المواقف المتهورة تعكس اضطرابا نفسيا وقدرا كبيرا من التوتر لدى معسكر التشدد الديني، والسبب أنهم يرتكبون خطأ الربط بين مصالحهم الإيديولوجية وعدم التغيير، مما يجعل أية خطوة تجديدية لمعالجة مشاكل البلد تعتبر خطرا عليهم، لأنهم يقتاتون من الجمود والفقر والتخلف”.
كما كتب الباحث والتنويري هشام نوستيك تدوينة ساخرة، جاء فيها: “علاش مربي الكبدة غير على مدونة الأسرة؟ للي سمعك يقول المغرب تايطبق الشريعة الإسلامية من الألف للياء وجاو صحاب المدونة بغاو يدخلو شي حاجة مخالفة. صباح الخير أ سي ياسين، راه القوانين الوضعية هي باش خدامة لبلاد فالأغلبية الساحقة ديال أمورها. علاش مركز نتا وصحابك اللحايا، غير على الزواج والطلاق والمرأة والجنس؟ واش حيت حيط قصير؟”
من أغرب شطحات الفتى أيضا، أنه، بمناسبة منع الداعية السلفي ياسين العمري من إلقاء محاضرة على طلبة الجامعة في مدينة أكادير شهر مارس 2023، وحيث امتنع المعني بالأمر نفسه عن إبداء أي موقف بخصوص الواقعة، نفخ الفتى الأرعن ريشه وأطلق العنان لسيل من السباب المقذع، نيابة عنه، في حق مسؤولي الجامعة والمخابرات. بل إنه قايض استمرار الملكية في المغرب، رأسا، بعدم المساس بالدين (من منظوره). سيما وأن المغاربة بايعوها على أساسه حصريا.
هذا، علاوة عن تصريحات أخرى رعناء، في فيديوهات، سحبها من التداول على وسائط التواصل الاجتماعي. منها رده على انتقادات أحمد عصيد، لحملة “كون راجل” سنة 2018.
أخيرا، ولمن يود أن يكون رأيا أوضح حول العلم الشرعي الذي يتوفر عليه الفتى، وطريقة استعماله في مواجهة أراء مخالفيه، يمكن العودة إلى مناظرتين جمعتاه بهشام نوستيك:
الأولى بعنوان: “المرجعية الأخلاقية بين الدين واللادينية” وهذا رابطها:
https://tinyurl.com/mr23zy8z
والثانية بعنوان: “حد السرقة بين شريعة الرحمان وحقوق الإنسان” على الرابط التالي: https://tinyurl.com/yck7e7m2
. لقراءة الجزء الثاني: أيقونات الإسلام السياسي: ياسين العمري 2\4
. لقراءة الجزء الثالث: أيقونات الإسلام السياسي: الحسن الكتاني 3\4
. لقراءة الجزء الرابع: أيقونات الإسلام السياسي: ادريس الكنبوري 4\4