كلام أجساد صامتة… الوشم، صرخة شباب المغرب
لم يبق حيال الأمر مكان لكبير شكّ…
الجيل المغربي الحالي انتمى لمختلف سلوكيات ولغات هذا العصر، بما فيها وضع رسومات الوشم على أجسادهم /ن أو ما يعرف بــ”التاتو”.
مغاربة ومغربيات رسموا، بالإبر، مناطق مختلفة من صورهم/ن، بوجوه وأشكال ورموز وكلمات وجمل وحروف، في محاولة منهم لمحاكاة الأهواء الدفينة والعواطف الغائرة.
يقال إنّ هذا الجيل محملٌ بأثقال قديمة يرغب في التخلص منها عبر الانفلات من كل الكوابح، التي تجعل “الفرد” يشبه “المجتمع” وليس العكس. هذه الرغبات الجامحة في الانتماء إلى العصر، جعلت الوشم أحيانا يتجاوز بعده التزيني، ليصبح علامة للتمرد والعصيان، وأخذ مسافة مع مجتمع ابتلع فردانية الفرد.
الوشم… رحلة تحرير الجسد
نعاين هذا الأمر بعيون المغربية ماجدة التي تقول إنها، منذ صغرها، كانت محبةً للأشياء الجميلة أو الفنية، أي التي تضفي على الأجسام رونقا ما وتزيدها نظارةً. ليس الوشم فقط، حسب ماجدة، “بل أيضا الحليّ وبعض أشكال المجوهرات والملابس. لكن كنت أميل دائما إلى “الإقلالية” في ذلك؛ فهذا يناسب نمط لباسي وأذواقي. حين قررت وضع الوشم الأول قبل سنوات، كنت، بحكم تكويني الإسلاميّ، أسمع أنه حرام، لكني انتصرت لرغباتي القديمة في الفرح وأهوائي المتصلّبة التي تنظر للجمال بكثير من الانبهار”.
لم تقرر ماجدة حينها معاداة الدين أو تجاوزه، لكنها اعتبرت الوشم أمراً عاديا، قد لا يفسد علاقتها مع الله، رغم كل المقولات الجاهزة في هذا الصدد. لكنها تفسر لمرايانا أنّ “هذه العلاقة بين الوشم والدين كانت من بين النقاط السلبية التي صادفتها فيما بعد من جزء من محيطي، فلم يكن يعجبني سؤال: “هل قمت بالتاتو رغم معرفتك أنه حرام؟ ألا تخافين الله؟”. كنت دائما أعتبر هذا السؤال اعتداء على خياراتي وهجوما مبطّنا على حميميتي وخصوصيّتي. لم أكن أحبذ أن يناقش معي الآخرون أشياء مثل علاقتي بالله في صلتها بالوشم. أنا أدرى بهذه العلاقة، وراضية كلّ الرضى بشكلها الحالي”.
تضيف ماجدة: ثمة أيضا أصدقاء شجعوني وعبروا عن دعمهم لكي أمضي قدما في اختراق كل العوالم التي تفرحني والقيام بالأشياء التي تجعلني سعيدة. لهذا، تخطيت كل ذلك، ولدي اليوم أربعة وشوم، تتميز بـ “التقليلية”، أو لنقل المينيماليزم ، لكنها ذات حمولة كبيرة عندي، لأن لكل وشم حكاية ودلالة. أنا مثلا أتمتع بشخصية مثقلة بالقلق ومسكونة بالتفكير المفرط في أحيان كثيرة. لذلك، أحد وشومي يحمل رسالة صريحة لي: (حرري عقلك) Free your mind.
كلما كنت قلقة ووقعت عيني على هذا الوشم، يخرجني من تلك المناطق المظلمة، ويمنحني رغبة في التجدد، وفي الهروب من مخالب القلق الحادة والمؤلمة”.
أما إسلام، فقد قررت وضع وشم لمّا أيقنت أنه ذو أثر عميق ونافذ. “هذا إضافة للنفحة الجمالية التي صارت هذه الوشوم تضفيها على جسدي وعلى نمطي في اللباس”، تقول إسلام.
“أرتاح لهذه القيمة المضافة التي يمثّلها الوشم للجسد. كانت محطّ إعجاب بالنسبة لي دائماً. ترددت في البداية، لكني تجاوزت التردد وقررت وشم قطعة من شجرة الصبار بيدي، لأن الصبار Cactus يمثلني بشدة. قمتُ برسمه وذهبت عند شخص متخصص في وضع الوشوم، فرسمه في يدي ليبقى معي مدى الحياة. هذا الوشم هو بسيط جدا، لكنه ذو معنى”.
على خلاف ماجدة، لا تؤمن إسلام، أصلاً، أنّ الوشم حرام، رغم كل خطابات التحريم. تعتبره “جزءاً من ثقافتنا ومن العديد من الثقافات. جدّاتنا الأمازيغيات كنّ متزينات به، وكان علامة معبّرة على وجوههنّ وتواصلهنّ مع العالم الخارجي”.
كانت إسلام تودّ تحرير جسدها من الاختزال وأن تفلته من قبضة التحريم القديم، لذلك هي تعتقد أنّ “الوشم لا يضر بالجسد بقدر ما يمنحه رونقا ويجمّل صورتك أمام العالم. في النهاية، كلّ شخص حرّ في جسده، وهو صاحبه، لهذا لا أخضعُ جسدي للرؤى القديمة، مادمت أعرف أنّ الوشم لن يضرّ في الشكل الذي أختاره حاليا، لأنني أصلاً ضدّ أن يغدو الجسد مغلفا بكامله بالوشوم. فقط تعبيرات صغيرة وعميقة في نفوسنا، نودها أن تظلّ معنا دائما”.
من وشم لآخر؟
يضعُ سفيان وشوما في يده، ويصفها بـ”الكلام الذي يقوله جسد لا ينطق”، ثمّ يضيف: لم أكن قادراً على وضع الوشم على جسدي إلاّ حين صرتُ أشعر بذاتي كفرد؛ لم أتخوف حينها أبدا من عنف الوالد أو الوالدة، فقد اكتمل انتمائي للعصر بشكل يجعلني أمارس كل الأشياء التي أحبّ خارج توقعات الجماعة التي أنتمي إليها. حين وضعت الوشم، أعجب ذلك الكثير من أصدقائي، لأنني أتّخذ من نجوم كثيرة قدوة، ووضعتُ الوشُوم التي رأيتُها مرسومة في أجسادهم وكانت جميلة ومبهرة. ولنعترف أنّ صناعة الوشوم لدينا في المغرب مشرفة جداً.
توجد لحد الآن 3 وشوم، في أجزاء مختلفة من ذراعي سفيان، لهذا لا ينكر أنه لا يفكر في إضافة أي وشم، لأنه يكتفي بهذا القدر. يقول: كلّ الوشوم التي كانت تستهويني قمت بوضعها، وكذلك في المناطق التي أود أن أبصر فيها وشوما على جسدي، خصوصا الذراعين. أعتقد أنني بلغتُ ما كنت أبحث عنه، لذلك حاليا لا أعتقد سأفكر في إضافة وشم آخر. أتصور أنّ جمالية الجسد أيضا تكمن فيه في حد ذاته، لهذا أمارس رياضة كمال الأجسام. ليس ضروريا أن أغرق جسدي بالوشوم. ما عليه من وشوم ذات وظيفة جمالية ووظيفة رمزية أيضا. هذا يقنعني بشدة.
الوشوم إدمان، وفق سفيان، فوشم يمكن أن يقود إلى سلسلة وشوم لا حصر لها على الجسد، فهو مغري جداً، بمجرد ما تنبهر بالنتيجة تفكر في إضافة آخر وآخر. وهذا ما حدث لي، حين أعجبني الأول، فكرت في الثاني وبعدها في الثالث. الوشم له تعبير جمالي رائع، بعيدا عن وهم العصيان المجتمعي والتحرر من قبضة المجتمع، أغلبنا يضع وشما لأنه يحب ذلك ويعجبه أن يرى جسده متزينا برسومات. يحدث أن أمر في الشارع ويقول لي أشخاص لا أعرفهم: “وشمك جميل”. الكثيرون يفكرون في وضع وشم، لكنهم خائفون، إما من ردّات فعل ذويهم ومحيطهم، أو خشية التقاليد التي حرّمت الوشم. أستوعب تحريم الكثير من الأشياء، لكني لم أفهم يوما الجدوى من تحريم الوشم.
تعود إسلام لتقدم نظرة حول الأثمنة، فثمن الوشم الذي وضعته بالدار البيضاء كان 400 درهم، أي الثمن الأدنى من بين الأثمنة المتوفرة، رغم أنه في أماكن أخرى، الوشوم الصغيرة توضع بحوالي 500 درهم في الدار البيضاء وفي مراكش أيضا. لكن المتحدثة تفيد أنه بناء على تتبعها للموضوع، لاحظت أنّ الثمن قد يرتفع حسب طبيعة الرسوم، ومدى دقتها، أو المدة التي سيحتاجها رسمها في الجسد والتفاصيل الكامنة فيها، وكذلك الألوان التي ستكون، والفضاء الذي سيحتله في الجسد، هل الذراع كاملا أو جزء منه أو منطقة من القدم، إلخ.
الوشم… والتبرع بالدم
التبرع بالدم في حالة الوشم قد يكون مرتبطا بشروط صارمة، منها أن الذين يضعون وشوما، يكون عليهم التريث لبضعة أشهر قبل التبرع بالدم، لأن بعض مراكز وضع الوشوم قد لا تحترم شروط التعقيم، مما قد يتسبب في نقل بعض الأمراض المعدية خلال عملية الوشم.
محمد بنعجيبة، مدير المركز الوطني لتحاقن الدم، يعتبر في حديثه لمرايانا، أنّ هذه الشروط هي نابعة من التخوف من انتقال بعض الأمراض المعدية عن طريق الإبر التي استعملت في الوشم، فنحن لا نعرف هل تخضع للتعقيم بشكل روتيني ودائم، لأنه يبدو أن معظم هذه الوسائل لا تخضع للمعايير الطبيبة الدقيقة. لذلك، نفرض وجود تحاليل بعد مدة زمنية طويلة.
هناك مثالا يضرب دائما بالنجم البرتغالي كريستيانو رونالدو، الذي يعتبر الكثيرون أنه لم يضع وشوما بجسده حرصا منه على المداومة على التبرع بالدم بشكل دوري، لصالح الأطفال المرضى في العالم خاصة السرطان. لكن مرايانا لم تستطع التأكد إن كان الأمر حقيقة أم مجرد إشاعة، خاصة أنها استقت شهادات كثيرة من المغرب وخارجه لأشخاص يضعون وشوما لكنهم تبرعوا بالدم، مع وجود الوشم.