صورة ترامب العائد من الموت.. امتداد للهيمنة الثقافية الأمريكية؟
لا يريدنا دونالد ترامب أن نتذكر أنه ضاجع ممثلة إباحية وقدم لها أموالا عمومية لتكتم السر، أو أنه كان يجهل طبيعة علاقة بلده مع قطر التي تحتضن في أراضيها أكبر قاعدة جوية أمريكية في الخارج.
يريد أن يتذكره العالم كأحد البواسل الذين قاوموا الموت، والقائد الذي سينهي حروب الشرق الأوسط، والرئيس القادر على جعل أمريكا عظيمة.. من جديد.
عندما لمست الرصاصة أذنه، لم ينبطح دونالد ترامب، ويختبئ طويلا. لم يهرول للهرب، بل رفع يداه والدماء على وجهه ليحث مناصريه على مواصلة “القتال”.
الصورة التي التقطها المصور إيفان فوشي لقبضة يد الرئيس الأمريكي الأسبق وعلم بلاد العام سام وراءه، انتشرت كالنار في الهشيم في مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبرها رواد هذه الشبكات إضافة نوعية إلى المنتوجات الثقافية التي تغزو بها أمريكا العالم.. بشكل ناعم.
من منا لا يعرف باربي أو رومبو أو فورست غامب أو روكي؟ من منا لا يشاهد نيتفليكس؟ مهما أظهر الإنسان من صلابة في مواجهة الاستلاب الثقافي، فجزء من وجدانه وأفكاره وحساسيته كإنسان شكله هوليود، وإرث روك أند رول، وثقافة الهيب هوب بكل تفرعاتها.
المحزن أن مثقفين أمريكيين مثل بول أوستر، وهارولد بيكر، وويليام جايمس، وتوني موريسون، لم تفلح كلماتهم وأفكارهم في ترسيخ الصورة الصادقة عن أمريكا العظيمة.. والمثقلة بتناقضاتها.
الكاتب المصري أحمد خالد توفيق كان بارعا عندما تحدث في مقال له عن “الكابوس الأمريكي”، ذلك السيناريو المكرور التي تروجه هوليود، عن الأمريكي الذي يواعد كل الفتيات في الجامعة، يأكل الوجبات السريعة، ثم يقوده السرطان إلى الموت. الأمريكي الحر والعابث الذي لا نراه أبدا مختبئا تحت جسر من شدة الفقر أو مستلقيا أمام باب مستشفى بسبب تفاوت نظام الرعاية الصحية في الولايات الأمريكية.
مصري آخر هو المعلق الرياضي علي محمد علي، كان دقيقا عندما أشار إلى التباين بين سذاجة بعض لاعبي كرة القدم الأمريكيين، والأمريكي الشجاع والماكر الذي يظهر في أفلام هوليود. التجسيد الأبرز لهذا التناقض هو شخصية “فورست غامب”، الذي جسده المبدع الكبير توم هانكس. فورست غامب شارك في الحرب، وسرق قلب امرأة جميلة، وأضحك وأبكى الملايين من المشاهدين عبر العالم. فعل كل شيء في الحياة. إله.. يمشي على قدمين.
لا يريدنا دونالد ترامب أن نتذكر أنه ضاجع ممثلة إباحية وقدم لها أموالا عمومية لتكتم السر، أو أنه كان يجهل، حتى تقلدِه منصب الرئاسة، طبيعة علاقة بلده مع قطر التي تحتضن في أراضيها أكبر قاعدة جوية أمريكية في الخارج.
يريد أن يتذكره العالم كأحد البواسل الذين قاوموا الموت، والقائد الذي سينهي حروب الشرق الأوسط، والرئيس القادر على جعل أمريكا عظيمة.. من جديد.
إنها أوهام القوة الناعمة، وتجسيد لقوة الصناعة الثقافية الأمريكية التي تزخر بأفضل الإمكانيات، ويقودها أفضل العقول في الكتابة، والسيناريو، والتسويق، والإخراج.
…لكن، لا يجب أن نتناسى أبدا أن أمريكا ليست فقط ترامب، وغزو العراق، وملك البروباغندا إدوارد بيرنيز الذي أراد أن يقنع العالم أن التدخين يجعل المرأة أكثر ألقا.
أمريكا عظيمة بأرقامها القياسية في عدد الكتب المنشورة، ومخرجيها السينمائيين الكبار، وباحثيها الفائزين بنوبل، وإسهامها الكبير في اختراع الأنترنيت، واحتضانها لمهد الجاز والهيب هوب والحركات المدافعة عن الحقوق المدنية.. وأمور أخرى، فضلها عظيم على البشرية.
عزائي الأكبر أمام هذه المحاولة التضليلية الجديدة هو أن المغاربة الذين رأوا محمد الخامس في القمر يتفردون بإنجاز التفوق على القوة الناعمة الأمريكية.. في الأزمة السابقة واللاحقة.
أن تنبعث في قمر.. أعظم بكثير من أن تتحاشى رصاصة غير مركزة!