الاستشراق بين التاريخ والمعرفة ونقد الطروحات الاستشراقية - Marayana - مرايانا
×
×

الاستشراق بين التاريخ والمعرفة ونقد الطروحات الاستشراقية

هل لا زال النقاش حول الاستشراق والاستغراب هو ذاته ذاك النقاش المُنطلق من فكرة مركزية الغرب على الشرق؟ وهل الاستشراق ضرورة معرفية أم هو غاية لتحقيق وسائل استعمارية، إذا ما سلَّمنا بالقول إن الاستشراق هو وجه آخر للاستعمار الغربي؟

لماذا يقترن الاستشراق دائما بالأيديولوجيا؟

وهل يُمكن القول إنه، على الرغم من انطلاقه من فكرة مركزية الغرب، يمكن أن يكون الاستشراق موضوعاً علميا، ننطلق منه ونستفيد منه في قراءاتنا لرؤية الغرب للشرق، وفهم أطماع الغرب تجاه الشرق؟

مفاهيم في الاستشراق

حسام الدين درويش، كاتب سوري وباحث بمركز الدراسات المتقدمة في الإنسانيات والعلوم الاجتماعية “علمانيات متعددة” بجامعة لايبزيغ، وأستاذ الفلسفة بجامعة كولونيا، ألمانيا، يقول في حديث لمرايانا إن الاستشراقَ انقسمَ لثلاث معاني. وإذا كان المقصود دراسة الغرب للشرق، فهذه مسألة قديمة، حيث كانت هناك دراسات عن الشرق منذ عهد اليونانيين.

يتجه المتحدث إلى أن الاستشراق بالمعنى الأول، هو دراسة الغرب للشرق. من جهة ثانية، هو رسم صورة نمطية سلبية مشوهة للشرق من قبل الغرب. فالغرب يقوم بتنميطات للشرق، مدعين بأنهم رومانسيون وغيرها من الأحكام والتنميطات سلبية.

هناك معنى ثالث للاستشراق، يواصل حسام الدين درويش، وهو الطرح الذي تبناه إدوارد سعيد، فهو ليس مجرد دراسة أو تنميط، كما أنه ليسَ مجرد معرفة من الغرب عن الشرق، وليس مجرد معرفة فيها تنميط من الغرب للشرق، وإنما هي معرفة يتم فرضها علاقةً بقوة وهيمنة الغرب، ليتم تبنيها من قبل الشرق نفسه.

الاستشراق هنا، وفقَ الباحث، ليسَ تنميطاً يتم فرضُه وجعله مُهيمنا وسائدا بسبب قوة الغرب، فهو ظاهرة قديمة ومعاصرة. في المقابل، يُمكن وصفهُ بكونه فَرضا لصورة نمطية من الغرب عن الشرق، عن طريق تفوُّق الغرب أو قوته، وهو بهذا يكونُ قضية معاصرة.

استشراق الهيمنة والمعرفة

ما يميز الاستشراق المعاصر، حسبَ المُتحدث، أنه يتم من طرف من يمتلك القوة لفرض هذه المعرفة وجعلها معيارا لمحاكمة الشرق من خلالها، وليرى الشرق ذاته نفسه من خلالها.

يقول المتحدث: “بهذا المعنى، يمكن التساؤل هنا، أو التشكيك في إمكانية الرد على هذا الاستشراق المعاصر ومواجهته التي لا يُمكن أن تحصُل معرفيا فقط، لكونه مرتبطا بعلاقات القوة وتوازن القوى وهيمنة الغرب في العالم المعاصر”.

هل الاستشراق خاضع للعلم أم الإيديولوجيا؟

يجيب حسام الدين درويش: “يُمكن أن يكون خاضعاً للعلم أكثر أحيانا، ويمكن أن يكون خاضعا للأيديولوجيا أحيانا. كما يمكن أن يكون خاضعا للإثنين بدرجات متفاوتة”.

في نقد استشراق إدوارد سعيد

يقول حسام الدين درويش: “إن تجربة إدوارد سعيد مع الاستشراق هي مجرد أحكام عامة، رغم أن دراساته محدودة وبمجالات معينة، أو بالأحرى بدراسات في الأدب والشعر أو في الحياة العامة، أكثر مما هي موجودة في الفكر”.

يعتبر المتحدث في هذا السياق أن هذا ظُلم للاستشراق، حيث ينبغي التشديد على قيمته الإيجابية، وقيمة بعض المعارف الاستشراقية التي جعلتنا نتعرف على الغرب من خلال الدراسات التي قام بها المستشرقون، كما مكنتنا من التعرف على التحقيقات للمخطوطات والأطروحات عن حضارتنا.

الاستشراق حسب المتحدث، دراسة معرفية للشرق وللحضارة العربية الإسلامية، له جوانب إيجابية كبيرة، رغم الظلم والحديث عنه بوصفه وصمة. لكنه من الناحية المعرفية، هو معرفة علمية موضوعية أكاديمية قدمت ثمارا معرفية في الشرق.

غير أن الاستشراق، يقول الباحث، يحضُر فيه البعد الأيديولوجي، أي ارتباطه بغايات استعمارية، فهو يقدم لهم هذه المعرفة ويتم توظيفها وتمويلها لغايات استعمارية، ويتم تقديمُ صورة سلبية عن الشرق ليتم تسويغه وإخضاعه واستعماره.

يؤكد الباحث على أن الاستشراق يمكن أن يكون خاضعا للأيديولوجيا أو لمعرفة علمية وموضوعية، خصوصا في المجال الفكري. بالتالي، من الظلم اختزاله في النظرة النمطية التي أسهم فيها إدوارد سعيد تحديداً. غير أن هذه النظرة مُحقة جزئيا من خلال الارتباط بالاستعمار والبُعد الايديولوجي للغرب.

يتجه المتحدث إلى القول بأن هناك معارفا استشراقية مهمة. لكن، هناك إشكاليات في هذه المعرفة، إذ ففي كثير من الأحيان، ليس من السهل أن تكون خارج موضوع ما أو عالم ما، ثم تدرسه من الخارج، فربما تكون هناك أحكام مسبقة وتوجهات أيديولوجية غير واضحة وغير واعية.

فضول الغرب في الشرق

مارك مجدي، كاتب وباحث مصري متخصص في العلوم السياسية، في حديث لمرايانا، يقول إن: “الاستشراق يُمكن مُقاربته انطلاقاً من كونه ظاهرة تاريخية، حيث بدأ في القرن 18 مع الطموح الاستعماري البريطاني لدراسة المستعمرات، وفي مقدمتها الهند. بهذا، يكون الاسشتراق ظاهرة تاريخية في العصر الحديث”.

ارتبط الاستشراق، حسب مجدي، بالاستعمار، فلم يأت الفضول الغربي للشرق إلا لاعتبارات استعمارية، باستثناء مراحل التاريخ القديم، حيث كان يخرج المؤرخون والمستكشفون لأغراض خاصة باستكشاف العالم في العالم القديم، ومعرفة الشعوب الشرقية، لأن هذه الأخيرة كانت أكثر تقدما.

يقول مجدي: “الاستكشافات الجغرافية كانت أساساً لأغراض استعمارية، وكذلك عملية البحث الاستشراقي كان مضمونها الداخلي وفكرتها العامة مرتبطة بالرغبات التوسعية. ربما هذا لا يؤثر بالدرجة الأولى على المستشرقين، كأفراد لهم فضول له طابع بحثي. لكن، لا يمكن فصل هذا الطابع والفضول البحثي عن الاستعمال العام الأداتي”.

الاستشراق والأيديولوجيا: حب أزلي

من زاوية أخرى، يشير مجدي إلى أنه لا يمكن أن يتخلص أي مضمون في العلوم الاجتماعية من الأيديولوجيا، فالحد الفاصل بين العلم والأيديولوجيا ليس كبيرا. هاته الأخيرة تتداخل بدرجة كبيرة في معظم الافتراضات والاستنتاجات البحثية فيما يتعلق بعلوم المجتمع بشكل عام.

الأيديولوجيا، وفق مجدي، تعمل على اللاوعي، والتفكير الأيديولوجي في مضمونه هو تفكير لا يعي أصحابه أنه يفكر من داخل الأيديولوجيا؛ إذ لا توجد افتراضات علمية خالية من الأيديولوجيا، وهذا ينطبق على الاستشراق.

المستشرق، حسب مجدي، يأتي من بلاده محكوما بتصورات نقلها من مجتمعه الغربي عن المجتمع الشرقي. هذه التصورات تنتمي بالضرورة إلى الفضاء الأيديولوجي الحاصل في المجتمع الغربي القادم منه.

يقول المتحدث: بما أن للمستشرق هذا الاحتكاك مع الفضاء الايديولوجي في عالمه، فهو متأثر به. لذلك، إذا أتى المستشرق، قارب الظاهرة الاجتماعية في المجتمع الشرقي وهو متأثر بأيديولوجيا سائدة في مجتمعه.

يضيف مجدي: “المنظور الغربي والاستشراقي لفكرة التقدم والتخلف، هو منظور أيديولوجي يعتبر كثيرا من الظواهر غير الغربية متخلفة بطبعها. هذا لا يجعلنا ننكر أن المجتمع الغربي هو مجتمع متقدم. لكن، ليس كل الظواهر الاجتماعية في المجتمعات الشرقية تنتمي إلى فضاء التخلف”.

كثيرة هي القضايا المطروحة على طاولة النقاش حول مفاهيم الاستشراق. فكما أوردَ حسام الدين درويش ومارك مجدي، أنه موضوع لا يخلو من نزعة أيديلوجية، كما لا يخلو من المعرفة. لأجل ذلك، يبقى الحاصل في النهاية، أن فهم عدد من المفكرين للاستشراق، كان محطَّ خلاف.

لعل الخلاف الأبرز هنا هو ما قدمه مهدي عامل في كتابه “هل القلب للشرق والعقل للغرب؟ ماركس في استشراق إدوارد سعيد”، حيث انتقد عامل نظرة إدوارد سعيد الشمولية للاستشراق، معتبرا أن نقد ادوارد للاستشراق لم ينجح في الإفلات من منطق الفكر الاستشراقي، بل ظل في نقده له، أسيره.

فهل كانت السجالات الفكرية والأيديولوجية استغرابا عن النقاش الثقافي وغربة تدعم طرح الاستشراق الغربي في الشرق؟

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *