الكوفية، البـطيـخ، المفتـاح وحنظـلة… رموز تـواجه الطمـس الهويـاتي لفلسطـين
هي رموز تحاولُ مجابهة الإلغاء الثقافي… رموز تعبر عن وجود تاريخي وهوية متجذرة صامدة تجاه الطمس الذي يحاول الاحتلال ممارسته على تاريخ الفلسطينيين وحقوقهم.
لم يعرف الفلسيطنيون المقاومة بالسلاح وحدها… لرُبما السلاح دفاع عن النفس. لكن، للحفاظ على الهوية والتاريخ، لا بد من الرموز، التي تعيش، تتوارث مع الأجيال، وتبين بحق أن للأرض شعبها، والرموز خير دليل.
غالبا ما يكون العلمُ الفلسطيني أو خريطة الدولة الفلسطينية، أول ما يقابلك حين تمُر بتظاهرة داعمة للقضية الفلسطينية، باعتبارهما عنوان القضية، وتذكيرا بأحقية الفلسطينيين بالأرض تاريخيا.
العلم والخريطة، ظلا على الدوام، رمزان يتشبث بهما كُل مناصر للقضية، ليؤكد على أن فلسطين أرضُ وتاريخ وهوية غير قابلة للطمس.
إلى جانب هذين الرمزين، أبدع الفلسطينيون، عبر تاريخ مقاومتهم، رموزا أخرى، لا تقل أهمية عن العلم أو الخريطة. رموز قد تكون مجرد أيقونات أو أشكال تعبير أو تعويض، لكنها لعبت دورا كبيرا في تمثيل الهوية الفلسطينية ومواكبة تاريخ النضال من النكبة إلى الآن، وبذلك، استطاع الفلسطيني عبر الترميز، تجاوز الرقابة التي يفرضها الاحتلال.
البطيخ كرمز للمقاومة:
يرتبط البطيخ بتلك الفاكهة الصيفية المنعشة التي تقاوم حر الصيف والهجير. لكنها، في فلسطين، تصبح رمزا للمقاومة والنضال، وعنوانا لتاريخ من مواجهة القمع والوحشية الصهيونية.
في مقال لها على “الواشنطن بوست”، بعنوان: “Why the watermelon is a symbol for the Palestinian cause” تقول الكاتبة ميريام بيرغر: “بالنسبة للأشخاص الذين يتابعون الحرب بين إسرائيل وغزة، فإن البطيخ ليس مجرد فاكهة”.
… لكن، كيف أصبح البطيخ رمزا للمقاومة؟
يعود توظيف رمز البطيخ كآلية للمقاومة، مباشرة بعد نكسة 1967، حين سيطر جيش الاحتلال على الضفة الغربية وقطاع غزة، وضم القدس الشرقية.
في تلك الفترة، جرمت الحكومة الإسرائيلية رفع العلم الفلسطيني أو عرضه علنا، بل واعتبرته جريمة جنائية. منذ تلك الفترة، والحكومة الإسرائيلية تلجأ إلى صد ومنع كل التظاهرات، حتى الفنية منها، التي يُحملُ فيها العلم الفلسطيني.
احتجاجا على ذلك، وللتحايل على الحظر، بدأ الفلسطينيون في استخدام البطيخ، لكونه يحملُ نفس ألوان العلم الفلسطيني. بذلك، أضحى رمزا سياسيا وثقافيا للمقاومة؛ ليعود إلى الواجهة خلال الفترة الماضية، في ظل محاولات الإفلات من الرقابة على مواقع التواصل الاجتماعي.
… هذا ما تؤكده الكاتبة ميريام بيرغر في مقالها السابق، قائلة: “يخدم رمز البطيخ أيضًا غرضًا خاصًا لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يلجأ مؤيدو القضية الفلسطينية إلى الكلمات الرمزية والرموز والتهجئة الخاصة، لأنها ضرورية لتجنب قمع شركات التكنولوجيا لمنشوراتهم”.
زد على ذلك أن رمز البطيخ تجاوز جغرافيا فلسطين، إلى العالمية، حيثُ اعتمد في كثير من المظاهرات المؤيدة لفلسطين في أوربا كذلك، تجاوزا للمنع أو التضييق الذي قد يواجهه مناصرو القضية من طرف الشرطة، ذلك أن النقاش حول العلم الفلسطيني ما زال حادا في بعض الدول.
الكوفية: رفيقة الفدائي الفلسطيني
بمجرد أن تُذكر الكوفية، تستحضر الذاكرة ذلك الوشاح الأبيض ذو النقوش السوداء الذي يُغطي الرأس. لكن، للكوفية قصة نضال، وترميز لتاريخ وهوية.
لم تكُن الكوفية سوى غطاء للرأس لدى الفلاحين والبدو في بلاد الشام والعراق وشبه الجزيرة العربية، تقيهم حر الصيف والهجير. إلا أن تداولها في فلسطين يعود بالضبط إلى سنة 1936، زمن الاحتلال البريطاني، خلال الثورة الكبرى، حيث كانت تُساعد في إخفاء هوية المقاتلين عَبر لفها على الوجه والرأس، ولم تكُن خاصة للرجال فقط، بل ارتدتها النساءُ كذلك، وصارت وسيلة تمويه لتفادي وصول الجيش الإنجليزي إلى الفدائيين. منذُ ذلك الوقت، أضحت الكوفية رمزا للفدائي الفلسطيني.
بعدها، ستأخذ الكوفية طابعا عالميا، إبان ظهور الزعيم الراحل ياسر عرفات وهو يتوشحها عند دخوله مقر الأمم المتحدة، وقد كان يترديها غالبا على شكل خريطة فلسطين.
أضحت الكوفية تُوظَّف للتعبير عن التضامن الأممي مع الفلسطينين، وأضحت جزءا من الذاكرة الجماعية المرتبطة بنضال الشعب الفلسطيني؛ زد على ذلك أنها أصبحت رمزا سياسيا دالا على الاحتجاج، إذ يتوشحها مناصرو القضية في المظاهرات الاحتجاجية، حتى إن لم يكُن لها علاقة بالفلسطينيين.
المفتـاح وحق العودة:
كثيرا ما تُتداول صور “المفتاح” على وسائط التواصل الاجتماعي، تعبيرا على أن المفتاح الفلسطيني أقدمُ من وجود الكيان الصهيوني.
في مقال منشور على موقع الجزيرة نت، يروي أحد الفلسطينيين أنه عاش أسبوعين بين الأشجار في محيط قريته، ثم تسلل إليها قبل تدميرها، وأخذ معه مفتاح بيته أملا في العودة. ضمن كتاب آخرين، رضوى عاشور، في روايتها “الطنطورية”، تعود بدورها لحكاية المفتاح وكيف تحتفظ به الأمهات معلقا في صدورهن… بأمل العوزة يوما ما.
“مفتاحُ العودة” لا يعبر فقط عن أمل الرجوع، إنما عن حق الفلسطينيين في أراضيهم، هو رمز ودلالة على الأحقية التاريخية للأرض.
يشير “مفتاح العودة” إلى حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى منازلهم وقُراهم، خصوصا أولئك الذين هجروا خلال النكبة عام 1948. لكن…
المفتاح لم يعُد خاصا بلاجئي 48 فقط، بل صار رفيق كل الفلسطينيين، خصوصا مع النهج الذي يتبعه الكَيان الصهيوني، ما جعله يأخذ طابع القداسة، دلالة على التمسك بالأرض وبحق العودة، ورمزا للمقاومة وهوية الشعب الفلسطيني.
حنظلة: طفل ناجي العلي الذي يلخص الحكاية:
ولد حنظلة في العاشرة في عمره وسيظل دائما في العاشرة من عمره، ففي تلك السن غادر فلسطين وحين يعود حنظلة إلى فلسطين سيكون بعد في العاشرة ثم يبدأ في الكبر… قوانين الطبيعة لا تنطبق عليه، لأنه استثناء، كما هو فقدان الوطن استثناء!
أما تكتيف يده بعد حرب أكتوبر 1973، فلأن المنطقة كانت تشهد عملية تطويع وتطبيع شاملة، وهنا كان تكتيف الطفل دلالة على رفضه المشاركة في حلول التسوية الأمريكية في المنطقة.؛ لأنه ثائر وليس مطبعا.
عندما سُئل ناجي العلي عن موعد رؤية وجه حنظلة، أجاب: عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة، وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته.
يعبر حنظلة عن ناجي العلي، الرسام الذي عاش بين المخيمات في لبنان وعمره لم يتجاوز العشر سنوات.
اشتهرت رسومات ناجي العلي التي كان حنظلة دائما حاضرا فيها، بانتقاداتها الحادة، ولم يقصر هجومه على الاحتلال فقط، بل امتد للعرب وللفلسطينيين أنفسهم. بذلك، يكون حنظلة رمزا للتمرد السياسي أولا، ومعبرا عن المعاناة الإنسانية الفلسطينية ثانيا.
اغتيل ناجي العلي، ومازال الطفل شابكا يديه.
هي رموز تحاولُ مجابهة الإلغاء الثقافي… رموز تعبر عن وجود تاريخي وهوية متجذرة صامدة تجاه الطمس الذي يحاول الاحتلال ممارسته على تاريخ الفلسطينيين وحقوقهم.
لم يعرف الفلسيطنيون المقاومة بالسلاح وحدها… لرُبما السلاح دفاع عن النفس. لكن، للحفاظ على الهوية والتاريخ، لا بد من الرموز، التي تعيش، تتوارث مع الأجيال، وتبين بحق أن للأرض شعبها، والرموز خير دليل.