عيد الأضحى سُنة أضحت عادة وثقافة سنوية: كيف تحول العيد من سنة إبراهيمية لعادة عُرفية - Marayana - مرايانا
×
×

عيد الأضحى سُنة أضحت عادة وثقافة سنوية: كيف تحول العيد من سنة إبراهيمية لعادة عُرفية

نظرة المغاربة للعيد تغيرت، لم يعد يشكل لهم البُعد الديني أية أهمية. صارت الحكاية، في النهاية، مجرد عادة وعرف دأب عليه المغاربة كل سنة.
القضية أكبر من مجرد سؤال هل العيد سنة؟ هي تتعلق في العمق بآليات المجتمع في التموقع في قلب التاريخ. العيد لا يغدو أن يكون مجرد شكل… وهو شكل مركزي عجز عن دخول التاريخ.

صبر وتقرب، ملامح حزن وأسئلة أكثيرة تخفيها حركات العينين، هذا هو حال إدريس الذي حلَّ صباحا بسوق المواشي بزاوية الشيخ ليبيع أغنامه. يترقب قدوم مشترِ… أو على الأقل عابر أمامه، ويقول “لي ما شرا يتنزه”.

اليوم بادٍ من صباحه: غياب الزبناء، قلة العرض والكثير من مظاهر الأسى بادية على أوجه مرتادي هذا السوق الأسبوعي. يتساءل إدريس كيفَ صار العيد طقسا قارا في الوقت الذي يفترض أن يكون مجرد سنة يحيها المسلمون، لمن استطاعوا، ولا حرج على ذوي العسر منهم.

يقول إدريس إنه، وعلى الرغم من كونه “كسابا”، (مربي أغنام ومتاجر بها) إلا أنه أحيانا يتساءل كيف صار العيد يثقل كاهل المغاربة، سواء كانوا “كسابة” أو زبناء، في الوقت الذي هو في الأصل، “سنة نتقرب بها إلى الله، لا فرض يثقل كاهلنا بالديون”.

محنة اجتماعية

نظرة المغاربة للعيد تغيرت، لم يعد يشكل لهم البُعد الديني أية أهمية. صارت الحكاية، في النهاية، مجرد عادة وعرف دأب عليه المغاربة كل سنة. يشارك في النقاش ياسر الذي قدم مع والدته. بدا أنه يسأل عن الأضاحي… يتقاسم نفسَ الرأي مع إدريس ويقول إن عيد الأضحى صار محنة، تزامنا مع غلاء الأسعار وضنك العيش وقلة المواشي. يقول: “لا يمكن أن نتقرب إلى الله بشعيرة تكون بأسا علينا”.

ياسر شاب مجاز في الدراسات الإسلامية، يعتبر أن “ما نحن عليه الآن من طقوس استعداد، وشراء المعدات ومستلزمات العيد، وما تحتاجه الموائد المغربية، لا يغدو أن يكون مجرد عرف ثقافي تتفاخر به الأسر ليس قربانا وتقربا، وإنما بحثا عن تأكيد مكانة  اجتماعية”.

يؤكد ياسر خلالَ حديثه لمرايانا أن “تمثلاتنا تجاه عيد الأضحى صارت اليومَ عرفية وثقافية قد تتنافى حتى مع الدين، على اعتبار أن هذا الأخير يسر وليس عسرا، وأن الشعيرة تدخل في إطار السنن التي لا يعاقب تاركها. إلا أننا نربطها بالمجتمع. اليوم، الأسر التي لا تستطيع القيام بهذه السنة، تشعر وكأنها خارج الملة، وهذا ما يدفعها للبحث عن معيل أوانتظار الجمعيات التي تقدم الأضاحي كإعانات للأسر، وهذا في حد ذاته يطرح أكثر من مشكل”.

عيد كسائر الأيام

غير بعيد، هناك أسر ميسورة، يمر عندها العيد كسائر الأيام. مروان موظف اتفق مع زوجته منذ ثلاث سنوات على عدم أداء شعيرة العيد، يقول في حديثه لمرايانا إن هذا الموقف لا يلزمه وحده، بل عدد كبير من معارفه اتخذوا نفس القرار”.

يقول مروان: “نحن مسلمون، نصلي صلاة العيد إسوة بالآخرين، إلا أنه عند العودة يمر عندنا اليوم عاديا”. مروان أقنع أبناءه بذلك، مشيرا إلى أنه يفضل مساعدة آخرين في إدخال الفرحة على أسرهم بدل أن يضحي في منزله.

مروان أضاف إن العيد اليوم عائق أكثر من كونه شعيرة دينية. وضعية الكثيرين لا تسمح لهم باقتناء أضحية العيد، إلا أن هذا يضعهم أمام حرج كبير، خصوصا مع أطفالهم، ومع  الجيران والأقارب. “يلزمنا نقاش حقيقي تجاه الموضوع، ويلزمنا وعي مجتمعي وإرادة للقائمين بالشأن الديني (المجلس العلمي الأعلى ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية) ليوضحوا للمغاربة أن العيد سنة شأنه باقي السنن”، يقول مروان.

عودةً للأزمة التي تعيشها البلاد، غلاء الأسعار، قلة الحيلة، يدعو مروان إلى ضرورة الحسم مع اعتبار العيد مناسبة عرفية ثقافية، وإرجاعه لمكانته الطبيعية والتي لا تغدو أن تكون مجرد سنة لا يُعاقب تاركها.

هل هي مسألة أخلاقية؟ يقول مروان، هناك تشبيك بين العرفي والديني والثقافي. طغى العرف على الدين وصار لزاما على الأسر البحث عن أضحية قبل أشهر عديدة من عيد الأضحى، وهنا نجد من يتوجه لاقتراض مالٍ لشراء الأضحية (وهي نقطة نجدها محط نقاش عند الفقهاء). فئة أخرى تحاول استدرار العواطف والفئة الأقل تغلق أبوابها مُدعية السفر أو غيره، حتى لا يشعر الجيران بأنها لم تؤدِّ أضحية العيد.

شعيرة عُرفية

يرى محمد عبد الوهاب رفيقي، الباحث في الدراسات الإسلامية، في حديث لمرايانا، أن عيد الأضحى يجتمع فيه اليوم الديني والعرفي، مُعتقدا أن ما هو ثقافي وما هو عرفي يغلُب على ما هو ديني. كما أن هاجس تطبيق السنة وإقامة الشعيرة يحضر بشكل كبير، حتى أن بعض الناس يعتقدون أنها واجبة ولكن الجانب الثقافي يحضر بشكل أكبر.

حسب رفيقي ما يترجم المحاولات المُستميتة لأداء هذه الشعيرة، رغم صعوبة ظروف العيش أحيانا، هو لجوء بعض الناس إلى الاقتراض رغم أنهم يعرفون أو يسمعون أن الاضحية هي سنة مؤكدة وليست بفريضة واجبة وأنها لمن استطاع اليها سبيلا.

الباحث يرى أن الضغط الاجتماعي يدفع الناس الى تحمُّل كل تلك المشاق من أجل شراء أضحية العيد، خوفا من تعرضِ الأبناء للتنمر من طرف أقرانهم، بسبب عدم شراء الأضحية. فضلاً عن الحرص على أن تكون الفرحة متساوية مع باقي الاقارب وباقي الجيران، كما هو الحال بالنسبة للضغط الذي تمارسه بعض الزوجات على الأزواج بسبب ما يقع من تباهي بين النساء، خصوصا في الأحياء الشعبية، حول الأضحية وقيمتها وشكلها.

كل هذه العوامل يعتبرها رفيقي طقسا اجتماعيا بالأساس، بأصول دينية. وقد وقع تحول في هذا الاتجاه، فإلى عهد قريب لم تكن هاته التمثلات تجاه العيد حاضرة بهذه القوة وإنما حصل ذلك في العقود المتأخرة.

هوس الأضحية

العيد والأضحية هوس؛ فكرة ينطلق منها منير الحجوجي (الكاتب والباحث في علم الاجتماع) إذ يقول في تصريح لمرايانا إن ما نراه اليوم من هوس بـ “الحولي”، يكشف عن منطق الاشتغال الأنثروبولوجي للمجتمع المغربي، والواضح أننا في قلب تصورات شمولية/أصولية لـلبعد “الديني”.

حسب الحجوجي، من الصعب أن يخرج مغربي ويصرح أمام المغاربة بكونه غير معني بهذا الطقس. فالمجتمع يرتاح في إلغاء الفرد لصالح “هوية” جماعية لا تتردد في التحول لأداة مراقبة بوليسية.

يؤكد المتحدث أن الأمر لا يتعلق فقط بطقس الكبش، بل معه الصوم أو الحج أو الجنس أو السياسة. هناك تفسير ممكن لهذا الاشتغال الشمولي. ويشير الحجوجي إلى أن العيد أو الحج أو الصوم هي بناءات في سياق البحث عن استقرارات وهوية ومعنى جماعي داخل التاريخ.

العيد أو الصوم هي المعالم التي يمنح بها المجتمع المغربي، ربما، معنىً لوجوده فوق الأرض. وهي في النهاية معالم قد تمنحه نوعا من التوازن النفسي.

 

 

 

تعليقات

  1. لا شئ

    شكرا……

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *