مقترح قانون مكافحة العنف الرقمي: أي أفق لحقوق النساء في الفضاء الرقمي والعمومي؟
لا يستقيم الحديث عن العنف ضد النساء دون الحديث عن العنف الرقمي الذي يواجه النساء في غرف الدردشة ومواقع التواصل الاجتماعي وهو النقاش الذي يجب أن يكونَ مطروحا اليوم.
أي موقع يأخذ النقاش حول العنف الرقمي ضد النساء؟ وأي أفق لحقوق النساء في ظل التحولات التي ستشهدها البلاد؟
لا يزال موضوع العنف ضد النساء يعرف نقاشاً واسعا ومقترحات من أجل إقرار حقوق فعلية للنساء. لا يكفي النقاش حول العنف ضد النساء دون إغفال جانب مهم وهو العنف الرقمي، في ظل النزوح نحو فضاءات التواصل الاجتماعي.
في هذا الصدد، تقدَّم الفريق الحركي بمجلس النواب، في 4 يناير 2024، بمقترح قانون يقضي بتتميم المادة الأولى والفصول 444-1 و444-2 و447-1 و447-2 من القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء.
جاء ضمن المقترحات، تتميم المادة الأولى من القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، وذلك بإضافة تعريف العنف الرقمي ضمن التعريفات الواردة في المادة ذاتها، ليصبح العنف الرقمي هو “كل اعتداء أو تهديد بغرض الابتزاز أو التشهير أو الإيذاء المادي أو المعنوي للمرأة بواسطة التقنيات الإلكترونية بمختلف أنواعها”.
المقترح المذكور تضمن معاقبة الأشخاص الذين يقومون بجرائم التهديد من أجل الابتزاز بأي وسيلة كانت، بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، للقيام بالأفعال المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصلين 447-1 و447-2 من القانون ذاته؛ لتسري بذلك العقوبات التي ينص عليها الفصلان على كل “من قام بالتهديد من أجل ابتزاز الأشخاص بأي وسيلة، بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية”.
واقترح المصدر ذاته تتميم الفصلين 444-1 و444-2 من القانون ذاته بالتنصيص على أن جريمة السب والقذف المرتكبة في حق المرأة بسبب جنسها، يمكن أن تتم بأي وسيلة، بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، مع الإبقاء على العقوبة ذاتها.
حسب المقترح، فالطفرة الرقمية التي عرفها المغرب، انتشرت معها على نطاق واسع ظاهرة الجرائم الإلكترونية، أو ما يسمى بالابتزاز الإلكتروني الذي لا يخلو من تبعات وانعكاسات سلبية على النساء بصفة خاصة، وعلى المجتمع المغربي عموما.
العنف الرقمي: تطلعات وانتظارات
بشرى عبده، المديرة التنفيذية لجمعية التحدي للمساواة والمواطنة، تقول في حديث لمرايانا إن النقاش الذي يجب أن يكونَ مطروحا اليوم هو النظر في تفعيل قانون خاص بالعنف الرقمي، وليس فقط تتميم وإضافة فصول تنضاف للقانون الجنائي أو للقانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء.
تقول بشرى عبده: “اليوم، نحن بحاجة لقانون خاص بديباجة تعرف العنف الرقمي مع فصول دقيقة من أجل تشديد العقوبات على الجاني، وكذلك تضمين الإجراءات والتدابير المتخذة من أجل الحماية من العنف الرقمي”.
حسب المتحدثة، فالعنف الرقمي عنف خطير جدا تتعرض له النساء والفتيات بكل أفعاله المتجددة والمبتكرة من طرف المعتدين. هذا الأخير ليس عنفاً عاديا، ليس عنفا جسديا، أو جنسياً، أو نفسيا، أو اقتصاديا أو اجتماعيا، هو عنف يدمر ضحاياه.
إذا كانت الدولة تنهج استراتيجيات من أجل التمكين الاقتصادي للنساء، ومن أجل إخراجهن من دوامه العنف. فالعنف الرقمي يُدخل ضحاياه في دوامة يصعب الخروج منها على الرغم من التمكين الاقتصادي للمرأة.
علاقة بالعنف التقليدي، فإن المتحدثة تشير إلى أنه يمكن مساعدة النساء ليصبحن ناجيات منه. أما العنف الرقمي، فضحيته قد تكون ضحية إلى الأبد، لأنه يتجدد في الزمان والمكان ويمكن إعادة نشر ما تم استعماله سابقا وترويجه من جديد.
تخلص عبده إلى أن الحديث عن قانون خاص بمحاربة العنف الرقمي يجب أن يرافقه ترافع قوي، ويجب على الحركة النسائية أن تجعل هذا الترافع من أولوياتها، لأن الجمعيات النسائية قليلا ما تشتغل على قضايا العنف الرقمي.
تقول عبده: “نحن لا نتحدث عن قانون ترقيعي مثل ما حدث مع قانون مكافحة العنف ضد النساء. بل نحتاج لقانون خاص بالعنف الرقمي ضد النساء، يكون منسجما مع تطلعات الحركة الحقوقية النسائية”.
القانون وحده لا يكفي
هل هاته المجهودات كافية؟ وكيف يتم التعامل مع قضايا العنف الرقمي اليوم في ظل مشكل عدم تبليغات ضحايا العنف الرقمي؟
هاته الإشكالات تجيب عنها سميرة موحيا، رئيسة فدرالية رابطة حقوق النساء، معتبرة في حديث لمرايانا أن هناك مجهودات جبارة للحد من العنف ضد النساء والفتيات من خلال القانون 103.13. هذا القانون يجرم حتى العنف الرقمي بواسطة الوسائل الرقمية.
حسب موحيا، فإن عبء إثبات جرائم العنف يقع على عاتق النساء والفتيات. وهذا يحيلنا على نقطة أساسية، وهي عدم تضمين العنف الرقمي ضمن قانون العنف ضد النساء. فلا يتم الحديث عن العنف الرقمي ضد النساء ولا يتم اعتباره انتهاكا وتميزاً ضد النساء. لذلك، يجب تجريم العنف الرقمي واعتباره انتهاكا وتمييزا يجب القضاء عليه.
تقول موحيا: “نحتاج لجهاز متخصص في قضايا العنف وقضايا الأسرة، لأنه من الممكن أن يكون سوء فهم بين المشتكية ورجال الأمن في ظل غياب هذا الجهاز لدى الشرطة أو الدرك؛ خصوصا في ظل غياب ضرر مادي أو معنوي مباشر”.
تضيف المتحدثة: “نحتاج لإرادة حقيقية، سياسيا وحقوقيا، من أجل القضاء على العنف الرقمي والتوعية الحقيقية بأهمية التبليغ عن التحرش الرقمي، الذي يسبب أحياناً مشاكل نفسية وربما انقطاعا عن الدراسة أو العمل، وهذا قد يسبب مشاكل نفسية تعاني منها المرأة في صمت”.
حسب موحيا، يجب أن نفكر في مقاربة شمولية للقضاء على العنف، ليس فقط العنف الرقمي. هاته المقاربة تشمل العديد من المتدخلين، من خلال تعريف أكثر وضوحا للعنف ومن ثم المرور لفروعه، كالعنف الرقمي، في ظل تطور المجتمع وانفتاحه على فضاءات التواصل وما وصلت إليه التكنولوجيات الحديثة التي ساهمت في انتشار أنواع جديدة من المضايقات والابتزازات والتحرشات وغيرها.
في سياق متصل، كشفت المندوبية السامية للتخطيط بالمغرب في دراسة لها، أن قرابة مليون ونصف امرأة مغربية تقع ضحية للعنف الرقمي، بمعدل انتشار يصل إلى 13.8 %، أغلبهن بالوسط الحضري.
حسب المصدر ذاته، فإن حدة العنف الرقمي تزداد بين الشابات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و24 سنة، وذوات التعليم العالي، والعازبات والتلميذات والطالبات، وذلك بسبب الاستخدام المتكرر والمتزايد لتكنولوجيا الاتصالات والشبكات الاجتماعية من طرف هذه الفئة.
البحث المذكور أفاد أن مرتكبي العنف الرقمي هم في الغالب رجال بنسبة 86.2 %، ولا سيما المجهولون منهم بنسبة 72.6 %.
وكان التقرير الأول للجنة الوطنية للتكفل بالنساء ضحايا العنف قد تحدث عن وجود ارتفاع في عدد الشكايات المتعلّقة بالعنف ضدّ النساء والفتيات، المرتكب بواسطة وسائل التكنولوجيا الحديثة؛ ففي سنة 2019، سجلت 622 شكاية منها 476 تتعلق بضحية راشدة، و147 تتعلق بقاصر، وارتفع عدد الشكايات المسجلة سنة 2020 إلى 761 شكاية، منها 659 تهم راشدات، و109 تهم قاصرات.
… لكن، هل يكفي إضافة مواد إلى قانون مكافحة العنف ضد النساء في ظل الاستعمال المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعي دون تقديم مقترحات فعالة للحد من العنف الرقمي، فضلا عن أساليب الوقاية والحماية من العنف الرقمي في حالة وقوعه؟