نساء المعتقلات زمن الجمر: تعذيب جنسي واغتصاب داخل السجون… عار ونبذ خارجها
نساء المعتقلات زمن الجمر…
كانوا يتلذذون بتعذيب النساء. تقول سيدة من فكيك إنها، خلال اعتقالها، تم تجريدها من ملابسها بالقوة أمام أخيها، وتركت عارية معه في غرفة واحدة، وتم بدوره تجريده من ملابسه بالقوة؛ وهو ما سبب لها صدمة نفسية عميقة من جراء هذه التجربة، علما أنها تنتمي لعائلة محافظة وكانت محرجة من بقائها في نفس الغرفة مع أخيها العاري.
“على الأقل، كان بإمكان الرجال الذين قضوا فترة في السجن وتعرضوا للتعذيب، تسمية ووصف العنف الذي تعرضوا له. أما نحن فقد سجنا وعذبنا بأساليب لا يمكن تسميتها”. كان هذا حديث إحدى السجينات على خلفية الاعتقال السياسي الذي طال عددا من النساء دون أن يتم إنصافهن، بل إن الأمر تجاوز ذلك ليكون عنفا متعدد الأطراف… عنف الجلاد وعنف المجتمع.
للنساء تجارب مريرة مع الاعتقال ومع الاختطاف، منهن من لم تكن يوما على دراية بما يجري خارج منزلها، ومنهن من سُجنت فقط انتقاما من أحد أطراف أسرتها، والأمثلة كثيرة، القاسم المشترك هو القهر والتعذيب والنسيان في آخر المطاف.
عانت النساء، في فترات الجمر والرصاص والقمع السياسي. العنف في المعتقلات السرية وفي المخافر وغيرها. في أحيان كثيرة، تعرضن للاستهداف كوسيلة لمعاقبة ذويهن من الذكور ولترويع المجتمعات المحلية. تعرضن للعنف والتعذيب والترحيل وأعمال السُّخرة. بالإضافة إلى ذلك، تكون تداعيات العنف على حياة النساء أكثر سوءًا بسبب التمييز الاجتماعي بين الجنسين والأدوار المفروضة عليهن.
النساء أيضًا أكثر عرضة للعنف الجنسي، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى حمل غير مرغوب فيه وتعرضهن للتحقير ووصمهن بالعار داخل الأسرة والمجتمع المحلي في حالة خروجهن من السجن. هي معاناة على شتى الأصعدة تعرضت لها نساء خلال فترات الجمر والقمع الذي ساد حينها، نسردها لكم ونستحضر شهادات لنساء اكتوين بنار التعذيب والقمع… والنسيان.
خلال زمن الصراع مع السلطة والمحاولات الانقلابية والأحداث الصدامية، كان للنساء نصيب من الجمر والرصاص والاعتقال والاختطاف، سواء كن نشطات سياسيات معارضات للنظام، أو قريبات لمعارضين: أمهات، بنات، أخوات، أو كن فقط عابرات لا تربطهن أي علاقة بالنضال السياسي، والأمثلة هنا كثيرة لنسوة في الجبال لا تربطهن بالمركز وما يجري أية علاقة.
سنحاول الكشف عن جوانب من قصص نساء تعرضن للاعتقال، وللمتاعب التي مررن بها، وذلك اعتمادا على الدراسة التي أعدتها الباحثة الأنثرولوجية نادية جسوس والتي تحمل عنوان “النساء والعنف السياسي خلال سنوات الرصاص في المغرب”.
الاعتقال الانتقامي
تقول سيدة من خنيفرة إنها كانت تعيش حياتها الطبيعية. غير أن هاته الحياة الطبيعية ستنقلب بعد اعتقال زوجها سنة 1973، حيث سيتم اعتقالها بعده، لا لشيء إلا انتقاما من زوجها حيث تم احتجازها ومساءلتها.
تؤكد السيدة خلالَ جلسات استماع أجرتها الباحثة: “هذا هو الظلم بعينه. ليست لنا أية علاقة بالأحداث السياسية. كنا ضحايا. نحن نساء لا نخرج من بيوتنا. ماذا فعلنا؟ إذا فعل أزواجنا شيئا، عندئذ يمكنهم متابعتهم ومعاقبتهم. ولكن النساء؟ ماذا فعلن؟ إن معرفتنا لا تتعدى شؤون المنزل. كنا ضحايا وقد عانينا الكثير”.
بالعودة للدراسة التي شملت نساءً من أعمار مختلفة ومناطقَ مختلفة، والتي أنجزت للتأكيد على أنه ليس هناك عنف واحد، بل متعدد، نجد شهادة مؤلمة، تسردها إحدى النساء في منطقة قروية، حيث هجرها زوجها وتزوج زوجة ثانية ضد إرادتها قبل اعتقاله، وقبل وقت قليل من إلقاء القبض عليها، لم تكن تربطها به أي علاقة تذكر.
تقول المتحدثة، إنها، مع ذلك، تعرضت للاعتقال والاستجواب والتعذيب وسرقت منها مقتنياتها، فكون زوجها قد تخلى عنها ليقترن بزوجة ثانية لم يشفع لها لدى سلطات الدولة التي اعتبرتها مشتبها بها بسبب علاقتهما السابقة.
المرأة هنا ضحية على عدة مستويات؛ زوجها الذي تزوج عليها دون موافقتها، ثم ضحية إقحامها في محنة الاعتقال من لدن السلطات، على الرغم من أنها تعلم أنها لم تعد تربطها أية علاقة بزوجها. فضلا عن التمييز الذي عانته من قبل جيرانها.
داخل المعتقلات، قد تحضر المساواة بين النساء والرجال، في التعذيب والاعتقال والاحتجاز، غير أن الواقع يخبرنا بحكاية أخرى… فالرجال عانوا، في النهاية، أقل مما تعانيه النساء من قسوة وتعذيب واعتداء يصل حد الاغتصاب والتعذيب الجنسي.
اغتصاب وتجريد ملابس
تقول سيدة من إملشيل تعرضت للاختطاف والتعذيب: “خلال الفترة التي قضيتها في السجن، كان من عادتهم ضربي وتجريدي من ملابسي، ونادرا جدا ما كان يُسمح لنا بارتداء بعض الملابس الخفيفة، وفي معظم الأرقات كانوا يمنعوننا من ارتداء أي ملابس ويجبروننا على البقاء عاريات”.
…إنهم كانوا يتلذذون بتعذيب النساء. تقول سيدة من فكيك إنها، خلال اعتقالها، تم تجريدها من ملابسها بالقوة أمام أخيها، وتركت عارية معه في غرفة واحدة، وتم بدوره تجريده من ملابسه بالقوة. وهو ما سبب لها صدمة نفسية عميقة من جراء هذه التجربة، علما أنها تنتمي لعائلة محافظة وكانت محرجة من بقائها في نفس الغرفة مع أخيها العاري.
يحضر العنف الجنسي بشكل كبير خلال تجارب الاعتقال السياسي للنساء، حيث تقول امرأة من مراكش، اعتقلت سنة 1973، إن شرطيا حشر وجهها بين ساقيه واستمر بدفعها إلى أسفل مخاطبا إياها “هيا يا كلبة”…
تتذكر السيدة هذا التعذيب بمرارة. تعذيب بلغ استعمال التيار الكهربائي في أعلى فخديها… وقد يكون الأمر تجاوز ذلك إلى مناطق حساسة. عن هذه التجربة البشعة تقول: “جردوني من ملابسي الداخلية وشرعوا في تعذيبي بالكهرباء. كنت أصرخ طالبة العون من الله”.
تورد السيدة: “أجبروني على خلع ملابسي وتركوني عارية كما ولدتني أمي. أذاقوني أصنافا من التعذيب بالكهرباء لا يمكن تخيلها. كنت أنتهي من حصص التعذيب بالكهرباء وأنا غارقة في دمائي. كانوا يتركونني أنزف دماً”.
إجبار النساء على خلع الملابس، قاسم مشترك بين كل المعتقلات. تورد سيدة من العيون أنهم كانوا يجبرون النساء على خلع الملابس، كما كانت هناك عمليات اغتصاب، تقول ذات السيدة في شهادتها: “كل ما يمكنك أن تتخيلينه حدث فعلا”.
بؤس وعار
الحياة بعد الاختطاف والاعتقال والتعذيب الجنسي والقهر، لا تقل صعوبة عن معاناة النساء داخل السجون والمعتقلات السرية وخلال فترات العقوبات التي تعرضن لها، في الغالب، بسبب ما ارتكبه آخرون.
بعد الخروج من السجن، هناك حالات طلَّق فيها بعض الرجال زوجاتهم، بعدما اكتشفوا أنهن تعرضن للاغتصاب، وعاشت نساء أخريات مع سر الاغتصاب مدفونا في صدورهن خجلا وخوفا من وصم العار.
عانت النساء بعد هاته التجارب من الاكتئاب والأمراض النفسية، فضلا عن أمراض ذات طبيعة جنسية خطيرة، نتيجة للعنف والاغتصاب والتعذيب. كان نصيبهن الشقاء داخل السجن وخارجه، هذا دون الحديث عن تجارب الموت داخل السجن التي لم نسمع بأغلبها.
عاشت النساء خلال هاته المرحلة، ما بين 1956 و1999، الويلات؛ وقد سعت الدراسة إلى سرد وتوثيق حالات الاعتداء والاغتصاب، كما أكدت أن النساء لم يكن مجرد ضحايا هذه الحقبة من تاريخ المغرب، ولكن قاومن من أجل الاستمرار في الحياة وساهمن في عملية التغيير.
حسب الباحثة نادية جسوس، فقد أظهرت الدراسة أن العنف السياسي الذي كانت تدعمه الدولة، استهدف النساء بشكل كبير، وقد عاشت معظمهن في المناطق القروية أو شبه القروية المهمشة، وكن يعانين من الفقر والأمية… تمت معاقبتهن عقابا جماعيا من ضمنهن، أمهات وزوجات وأخوات وبنات، ومناضلات أدَّيْن جميعهن، فاتورة الحلم بمغرب أفضل، بثمن مضاعف.