ورقة بن نوفل: مبشر الرسول - Marayana - مرايانا
×
×

ورقة بن نوفل: مبشر الرسول

ورقة بن نوقل اسم ارتبط بنزول الوحي وفقَ ما تحكيه السرديات المؤرخة للمرحلة غير أن هذا المسار تحوم حوله إشكاليات تاريخية شأنه شأن سرديات تاريخية عديدة تتداخل فيها الآراء والمواقف.

ورقة بن نوفل، اسم ارتبط بحكاية بداية نزول الوحي على الرسول. ارتبط أكثّر، بصعوبة اللحظة التي عاشها الرسول، غيَّر أن هناكَ تهويلات كثيرة تحوم حول هاته الشخصية.

هل فعلاً كان ورقة دليل الرسول في الوحي والنبوة، أم أنَّ سيرته لا تتجاوز سيرة مليئة بالسرديات المتضاربة؟

البحث في الشخصيات التاريخية، سواء قبلَ الإسلام أو خلاله، يكون محفوفا بالسرديات المختلفة، وأحيانا، أغلب ما يروج يكون مجانبا للصواب.

في قضية ورقة بن نوفل، يقود البحث إلى أن جلَّ المصادر التي أرخت للشخصية هي مصادر إسلامية، ثم إن جلًّ ما كتب، سواء على لسان المستشرقين أو غيرهم، هو صلته بالوحي وارتباطه بمعلم النبي، وفي كل الحالات هي روايات بنظرة واحدة.

هل كان ورقة ابن نوفل مسيحيا؟

جاء في حديث بداية الوحي بغار حراء، “أن النبي رجع إلى خديجة، وفؤاده يرتجف، فأخبرها، فانطلقت به حتى أتت ورقة بن نوفل “وكان شيخاً كبيراً قد عمي”، فأخبرته بما رأى فبشرها أنه سيكون نبي هذه الأمة وأنه سيؤذى ويُكذَّب، وقال: “هذا الناموس الذي نزل الله على موسى، يا ليتني فيها جـذع! ليتني أكـون حياً إذ يخرجـك قومك؛ فقال رسول الله: أو مخرجيّ هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني لأنصرن الله نصراً يعلمه”.

روى أبو القاسم الطبراني عن سعيد بن زيد قال في كتابه “المعجم الكبير” (روى): خرج ورقة بن نوفل وزيد بن عمرو يطلبان الدين حتى مرا بالشام فأما ورقة فتنصًّر، وأما زيد فقيل له: إن الذي تطلب أمامك، فانطلق حتى أتى الموصل، فإذا هو براهب فقال: من أين أقبل صاحب الرحلة؟ قال: من بيت إبراهيم. قال: ما تطلب؟ قال: الدين فعرض عليه النصرانية فأبى أن يقبل.

أما ابن إسحاق، فقد قال في كتابه “السيرة النبوية” إن قريشا اجتمعت يوما في عيد لهم عند صنم من أصنامهم، فخلص منهم أربعة نفر نجيا ثم قال بعضهم لبعض: تصادقوا وليكتم بعضكم على بعض، قالوا: أجل، وهم: ورقة بن نوفل، وعبيد الله بن جحش، وعثمان بن الحويرث، وزيد بن عمرو بن نفيل، فقال بعضهم لبعض: تعلمون والله ما قومكم على شيء لقد أخطأوا دين أبيهم إبراهيم، ما حجر نطوف به لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع، يا قوم التمسوا لأنفسكم دينا، فإنكم والله ما أنتم على شيء، فتفرقوا في البلدان يلتمسون الحنيفية دين إبراهيم.

أما ورقة بن نوفل، فاستحكم في النصرانية، واتبع الكتب من أهلها حتى علم علما من أهل الكتاب، وأما عبيد الله بن جحش فأقام على ما هو عليه من الالتباس حتى أسلم ثم هاجر مع المسلمين إلى الحبشة، ومعه امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان، فلما قدمها تنصر وفارق الإسلام حتى هلك هناك نصرانيا.

هل كان ورقة من الصحابة؟

كثيرة هي الآراء التي كانت تتجه لكون ورقة بن نوفل من صحابة النبي على الرغم من كون ورقة لم يلبث طويلاً بعد الدعوة المحمدية. في المقابل، روايات مضاضة تُبعد ورقة عن دائرة الصحابة.

إذا ما اتجهنا عند المؤرخ ابن جرير الطبري والحافظ البغوي وابن قانع صاحب معجم الصحابة، فهؤلاء اعتبروا ورقة من صحابة النبي مثلما جاء في الجزء السادس من كتاب الإصابة في تاريخ الصحابة لابن حجر العسقلاني.

أما خير الدين الزركلي في كتاب الأعلام الجزء الثامن، فقد اتجه هو الآخر إلى التأكيد على أن ورقة بن نوفل من الصحابة وتبعهُ في ذلك ابن العثيمين. إلا أن ابن كثير لم يشر إلى أنه كان صحابيا، أما آخرون فقد اختلفوا في إسلامه دون الإشارة إلى كونه صحابيا من عدمها.

هنا يطرح سؤال هل كان صحابيا بدون صحة إسلامه؟

في هذا الصدد، جاء في كتاب عمدة القاري في شرح صحيح البخاري أن: “ورقة لا شك أنه كان مؤمنا بعيسى، وأما الإيمان بنبينا فلم يُعْلَم أن دين عيسى قد نسخ عند وفاته أم لا، ولئن ثبت أنه كان منسوخا في ذلك الوقت، فالأصح أن الإيمان التصديق وهو قد صدقه من غير أن يذكر ما ينافيه”.

في ذات السياق، نتساءل: هل ثبت إسلام ورقة في زمن النبي أم لم يثبت؟ وإذا ما اتجهنا إلى التراث، حيث يقول ورقة إنه الناموس الذي أُنزل على موسى ووعده للنبي بنصرته، هل هو إعلان لإسلامه أم أنه ليسَ تصريحا بإسلامه، وهذا ما ذهبت إليه مصادر دينية كثيرة.

أما الحاكم، فقد روى عن عائشة : ” أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تسبوا ورقة فإني رأيت له الجنة، أو جنتين”. صححه الحاكم.

وفاة ورقة

جاء في صحيح البخاري أن عائشة روت أن: “ورقة فد توفيَّ وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي، ‏فيما بلغنا حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدى له ‏جبريل (رابط)، ‏فقال يا ‏محمد ‏إنك رسول الله حقا، فيسكن لذلك ‏‏جأشه ‏وتقر نفسه فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له‏ ‏جبريل ‏ ‏فقال له مثل ذلك”.

مات ورقة وانقطع الوحي، فهل كان لانقطاع الوحي صلة بورقة؟ وهل صحَّ السؤال الذي طرحناه بداية، وهو أنَّ ورقة كانَ صاحب فضل على النبي فترة، ومعلمهُ قبلَ الوحي؟

كثيرة هي السرديات التي قالت إن القراءة السطحية لحديث فتور الوحي لا يجب أن تُقرأ في ظاهرها ليتم ربطه بتوقف للوحي، فيما أن سرديات أخرى تتجه إلى أن فتور الوحي لا يحتاج لفهم سطحي أو باطني.

السرديات ذاتها انقسمت للقول بأن دورَ ورقة هو ذاته الدور الذي كان قد لعبه بحيرة الراهب خلال لقائه بالرسول في رحلته مع أبي طالب حين كان صغيراً. فكيفَ تغيب هاته الروايات وتبقى أخرى في التراث الديني؟

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *