الماركسية والتراث العربي الإسلامي: هل يُنقذ المتجاوز متجاوزا آخر؟ 2/2 - Marayana - مرايانا
×
×

الماركسية والتراث العربي الإسلامي: هل يُنقذ المتجاوز متجاوزا آخر؟ 2/2

الماركسية والتراث، سجال قديم متحدد. أي قراءة وأي تحليل تقوم به الماركسية لخلخة نقيضها التراث. من عامل إلى أركون إلى التزيني سجالات فكرية وطروحات جديدة بين القطيعة والمادية الجدلية وصراع البقاء.

تابعنا في الجزء الأول من هذا الملف، محاولة إدريس هاني لطرح مفهوم الاستيعابية والعبر-مناهجية، وهي محاولة منه لتجاوز الطرح الكلاسيكي للحداثة، كما اتجهنا لفهم منطق التراث انطلاقا من محمد عابد الجابري وعبد الله العروي ومحمد أركون.

في هذا الجزء الثاني، سنحاول الكشف عن فكرة طالما كانت تتردد على مسامع الكثيرين، وهي أن الماركسية حل لتجاوز الأزمة.

الماركسية وجدلية التجاوز

علاقة بقراءة المشاريع الماركسية للتراث، يشير نبيل فازيو، الكاتب والأستاذ الجامعي المتخصص في قضايا الفلسفة، في حديث لمرايانا، أنه من الصعب على من يقرأ اليوم حسين مروة أو طيب تيزني، أن يدرك مظاهر الجدة التي حملتها قراءاتهما للتراث العربي في طياتها. وذلك لسبب رئيسي: أننا نقرؤهم على ضوء مشاريع نقدية لاحقة لهم، لاسيما مشروع محمد عابد الجابري ومحمد أركون.

حسب نبيل فازيو، فقد حاول الماركسيون العرب التنبيه إلى أهمية المنهجية الماركسية في خلخلة فهمنا التقليدي للتراث، كما للتاريخ العربي الإسلامي، وما كان صدفة أن يطبق تيزيني المقاربة الماركسية على التاريخ الإسلامي منذ أولى لحظات الدعوة المحمدية، وأن يقرأ الفلسفة الإسلامية – مثلا- في ظلّ مَفاهيم ماركسية كالطبقة، والصراع الطبقي، والاستيلاب، والمثقف، والثورة، إلخ.

وِفقَ فازيو، فقد بدت هذه الخطوة، بالنسبة إلى رجل مسكون بالهاجس المنهجي كمحمد أركون، غير كافية، وتنتسب إلى منظومة معرفية متجاوزة، وما دعوته إلى التجديد المنهجي في قراءة التراث إلا نتيجة لقناعته تلكَ.

يمكن اعتبار العدة المفاهيمية التي ينضح بها مشروع نقد العقل العربي للجابري تجاوزا للأفق المفاهيمي الماركسي. يتساءل فازيو: هل هذا التجاوز يلغي أهمية المساهمة التي قدمها الماركسيون العرب في قراءة التراث العربي الإسلامي؟

لا يبدو الأمر كذلك بالنسبة لفازيو الذي يقول: “ينبغي التذكير بأن كتابات تيزيني كانت تُقرأ على نطاق واسع جداً، وأن منظورنا إلى التراث تغيّر بعد أن قدم قراءته التقدمية له، فصرنا أمام منظور ينافس الرؤية التقليدية، ويحول دون احتكارها “حقيقة”، كما كان عليه الوضع في الماضي.

لقد كشفت الرؤية الماركسية عن قوة الإيديولوجي في تاريخ الفكر الإسلامي العربي، ومعها بات من الممكن أن نقرأ ما يخفيه النص التراثي، الديني أو الفلسفي أو الكلامي أو التاريخي والأدبي، من رهانات”.

يُشدد فازيو على أن هذا بدوره عبَّد الطريق للوعي بالحاجة إلى منهجية جديدة، غير المنهجية التقليدية، القائمة على تقديس التراث وتحنيطه. يقول فازيو: “لا أحد ينكر أنَّ المقاربة الماركسية تضمنت كثيرا من مظاهر الشطط في الحكم، غير أن ذلك لا ينفي مفعولها في وعي الفكر العربي المعاصر بالتراث وأسئلته”.

الماركسية ليست حلاَّ

الكاتب والباحث ادريس هاني يفكك من جهته علاقة المقاربة الماركسية بنقد وتحليل التراث، مشيرا لمرايانا أن المُشكل كامن في المُقاربة الصلبة، فهذه المقاربات كانت مفيدة سابقاً وهي التي مكنت من نشأة نوع من الاختلاف والمواقف النقدية التي تفاعلت في حيز جغرافي معرفي اُنتجت فيه أفكار ومشاريع.

يعتقد هاني أن هناك تجاوزاً للمقاربات الكلاسيكية، وحصل التطور. يقول هاني: “سابقاً كنا نتحدث عن المقاربة الماركسية مع حسين مروة، الذي باشر هذا النقد، والطيب التيزيني ثم مهدي عامل.

في المقابل، هناك من استفاد من البعد التاريخاني في الماركسية، واعتبره الأفضل، كعبد الله العروي، وهنا يقوم بعملية تجزيء وانتقاء. العروي أشار إلى أنه يمكن اختيار ما يفيد من الحداثة، والجابري أشار إلى الاستفادة من التراث وفقَ ما يفيدنا، وكلاهما سقط في الانتقاء”.

الانتقاء سهل، حسبَ هاني، الذي يوضح أنه يُتيح رسم تخوم معينة. غير أنَّ العبر-مناهجية تقبل ببعض الأشكال من الماركسية، ليس للانتقاء بل لإعادة قراءة التراث والاستفادة منه. وهنا يجب أن تحصل الاستفادة من المقاربات الحداثية في نقد الحداثة الكلاسيكية.

هل الماركسية مُعضلة جديدة؟

هل التحيزات أمر مُخيف؟

يجيب إدريس هاني: “المخيف هو الانطلاق من التحيزات مهما كانت هذه التحيزات، ومهما كانت تستطيع أن تعطينا فكرة أو تغري القارئ غير الملم بأدوات النقد العلمي للظواهر”.

حسب المتحدث، أصبحنا أمام معضلة الإيديولوجيا والمركزية؛ وهي، في الحقيقة، لا تهدد المعرفة والحقيقة، بل هي مشكلة انطولوجية. فأي مقاربة للتراث إذا لم تستطع أن تحل المعضلة الانسانية؟

يقول هاني: “اليوم، العالم كله يعيش على إيقاع المعضلة الأنطولوجية. كيف نأتي إلى التراث ونحمله كل هذه الأوزار؟ علما أنه حتى في موضوعات الحرية، نلاحظ أن هناك تقييدا للحرية.

فالحداثة نفسها جاءت بشكل معين من الحرية، ولكن حاصرت أشكال كثيرة من مستويات الحرية التي كان يمارسها الإنسان ما قبل الحديث”.

يضيف المتحدث: “نحن نعيش ما أسميه عصر الإنسان الذي يعيش وضعية “أنطوميتغيك”، أي الكائن القياسي، وهو الإنسان الذي يُعَدُّ ليؤدي وظيفة محددة علاقة بمتطلبات الاقتصاد السياسي، ولكن كل مؤسسات الحداثة وقيمها غير معنية بالأسئلة الأخرى التي تتعلق بحاجات الانسان الأنطولوجية”.

في الختم، يمكن القول إن السجال القائم حول قراءة التراث وسؤال الماركسية، والتراث بين طرح تيزيني أو عامل وأركون، هو طرح متجاوز، فيما هناك اتجاه يعتبر أن الماركسية في حد ذاتها طرحا متجاوزا، كما هو الحال بالنسبة للمادية الجدلية في العلاقة بتحليل الواقع. فهل يصح القول إن مواجهة تراث بتراث آخر ليس حلاًّ؟

 

لقراءة الجزء الأول: الحداثة ونقد التراث: القطيعة… أم التجاوز؟ 2/1

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *