محمد عبد الوهاب رفيقي: لسنا ملزمين بحصر القراءة التأويلية فيما كانت عليه المذاهب الأربعة
المذاهب في نظري مدارس نظرية تعطي لطالبها الأدوات والآليات التي يصاغ بها الحكم، أما الحكم حقيقة، فمن الصعب حصره في المذهب؛ لأن أمورا أخرى ستتدخل في صياغته ومن أهمها الواقع وحيثياته وظروفه
محمد عبد الوهاب رفيقي، أو أبو حفص، اسمان لشخص واحد بات في السنوات الأخيرة من أبرز الوجوه التي تشكل واجهة المشهد الديني بالمغرب، فبعد تسع سنوات قضاها بالسجن على خلفية الأحداث الإرهابية التي ضربت الدار البيضاء سنة 2003، خرج أبو حفص شخصا آخر نقيضا لما كان عليه من قبل، وهو التغير الذي يعتبره طبيعيا. كما أنه صار يدعو إلى فتح نقاش في عدد من المواضيع “الحساسة” دينيا، الأمر الذي جر عليه انتقادات كثيرة من طرف أقرانه السابقين، وبالمقابل ترحيبا أكبر من الآخرين.
في الجزء الأول من هذا الحوار، يطلعنا محمد عبد الوهاب رفيقي عن رأيه في المذاهب الدينية وعما إذا كانت هناك إمكانية لتصور الإسلام دون مذاهب. رئيس مركز الميزان للوساطة والدراسات والإعلام، يشدد على أنه قد حان الوقت لاستدعاء مختلف جهود التنوير وإعمال العقل التي عرفها التاريخ الإسلامي، مضيفا أن المذاهب الأربعة لم تعد تساير عصرنا اليوم.
- كتبتَ سابقا في تدوينة فيسبوكية ما فهم منها، حسب بعض المواقع الإلكترونية، أنها دعوة إلى تبني المذهب الحنفي في المغرب، هل يمكن أن تقدم لنا إيضاحات أكثر عن ذلك؟
في الحقيقة، تدوينتي ليست دعوة إلى تبني المذهب الحنفي، كما أني ذكرت فيها المذهب المالكي أيضا، المقصود بأبي حنيفة فيما ذكرته ليس المذهب الفقهي الذي انتحله وتبعه من تبعه عليه من تلاميذه إلى أن أصبح مذهبا كبيرا بل أصبح هو المذهب الغالب اليوم في العالم الإسلامي، ولكن المقصود به جهود التنوير وإعمال العقل أو الرأي _كما كان يسمى وقتذاك_ واستعمال العقل النقدي وتوجيه الاتهام إلى بعض الثقافات الدينية التي كانت سائدة في ذلك الوقت.
كل هذا بدأ مع أبي حنيفة، ولهذا نجد أن الفقهاء قد حاربوا أبا حنيفة سواء في حياته أو بعد مماته، كما وَوُوجه بعنف شديد، والعبارات التي تركها التاريخ والمذكورة في حق أبي حنيفة من طرف غالب فقهاء عصره كانت قاسية في حقه. السبب في هذا يرجع بالنسبة لي إلى كون أولى محاولات التنوير في التاريخ الإسلامي بدأت مع أبي حنيفة،
لهذا قلت إنه يجب إحياء كل الجهود التنويرية التي عرفها التاريخ الإسلامي والتي خالف فيها أصحابها النمط السائد في عصرهم مثل أبي حنيفة وابن حزم وابن رشد وغيرهم من العلماء الذين كانت لهم جهود تنويرية في عصرهم، كما دعوت أيضا إلى الاستفادة من المذهب المالكي بخصوص توسعه وانفتاحه في الأخذ بالمصلحة بما يضمن التعامل السلس مع كل المعطيات التي يعرفها الواقع اليوم.
- الدولة نقضت المذهب المالكي في مسائل عدة كما في مدونة الأسرة مثلا، هل يمكن القول إن الأخذ بهذا المذهب لوحده يقوض من إمكانات مسايرة العصر دينيا؟
من الطبيعي جدا أن فروع المذهب المالكي أو غيره من المذاهب، لن تساير العصر الذي نعيشه لسبب واضح وبسيط، هو أن هذا الفقه قد صيغ في عصر غير العصر الذي نعيش فيه، وكان يلبي حاجيات غير الحاجيات التي نعرفها اليوم، واحتك بظروف وحيثيات غير الظروف والحيثيات التي نعيشها اليوم، ولذلك من الطبيعي أن كثيرا من فروع هذا الفقه لا تصلح اليوم، لكن ما يمكن استفادته من هذه المذاهب، هي الأصول التي بنيت عليها.
حين نتحدث عن المصلحة المرسلة ومذهب الاستصلاح في المذهب المالكي، فهذا باب واسع وواسع جدا نستطيع أن نكيف به كثيرا من الوقائع التي نعيشها اليوم، وألا نشدد على الناس، بل بالعكس. بمثل هذه الأصول، نستطيع أن نرفع عن الناس كثيرا من الحرج ونستطيع أن نستنبط كثيرا من الفتاوى أو الأحكام التي تتناسب تناسبا مطلقا مع ما نعيشه اليوم من متغيرات ومن وقائع.
- طيب، ألا يمكن تصور الإسلام خارج المذاهب؟
المذاهب في رأيي مساعدة فقط ومعينة على التخريج الفقهي لكثير من النوازل التي يعرفها العالم ويعرفها الواقع، والتي يبحث فيها الناس عادة عن أحكام دينية.
بالنسبة لي، هذا ليس ليس أمرا مطلوبا. لكن عادة الناس، نظرا للثقافة التي تربوا عليها، أن يلتجئوا إلى البحث عن الحكم الديني في كل مسألة. لذلك، جاءت المذاهب لتساعد على صياغة هذه الأحكام، وإلا فرأيي الشخصي أننا لسنا ملزمين بحصر القراءة التأويلية فيما كانت عليه المذاهب الأربعة.
أكثر من ذلك، فالقوانين المعمول بها اليوم لا في المغرب ولا في غيره، عند اصطدامها بالواقع، تضطر أحيانا إلى تبني اختيارات خارج هذه المذاهب. المغرب مثلا، ورغم أنه رسميا يتبنى المذهب المالكي، إلا أنه في اختياراته حتى في بعض القوانين المستمدة من الشريعة، كقانون الأسرة مثلا، اضطر إلى أن يجتهد خارج المذهب المالكي، نظرا لأن الواقع يلزم بذلك.
المذاهب في نظري مدارس نظرية تعطي لطالبها الأدوات والآليات التي يصاغ بها الحكم، أما الحكم حقيقة، فمن الصعب حصره في المذهب؛ لأن أمورا أخرى ستتدخل في صياغته ومن أهمها الواقع وحيثياته وظروفه، وبالتالي، فالفقيه سيضطر، شاء أم أبى، للخروج عن هذه المذاهب في كثير من الحالات.