الزاوية والسياسة بالمغرب: السلطان وشيوخ الزوايا – حكاية “الحب المٌعلن” 2/2

تابعنا في الجزء الأول كيف تموقعت الزوايا سياسياً، وكيف لعبت أدوار عديدة داخل النسق السياسي وكيف كانت المصلحة في الغالب، عنوان العلاقة مع المخزن.

في الجزء الثاني، نتوقف عند التحولات التي عرفها المشهد الطُرقي، ونجيب عن سؤال مآل الزاوية اليوم، في علاقتها بالسياسة، وهل خرجت الزاوية من عباءة السلطان أم أنها بقيت داخلها.

زاوية السلطان

يعتبر خالد التوزاني، الباحث في التصوف، أن الزوايا في وقتنا الحالي تقتصر على حماية المكون الأخلاقي بتربية المريدين على الفضائل، والدعوة إلى المحبة، والرحمة، والتسامح، والإخاء؛ مشيرا إلى أن علاقة هذه الأخيرة بالسياسة أو السلطة، هي نفسها العلاقة القائمة بين عموم المغاربة والسلطة، لأن الزاوية هي مجموعة من المريدين يقودهم شيخ مربي، يجتمعون تحت إمارة المؤمنين التي تجمعُ بين تدبير الدين والدنيا، عبر عقد البيعة الشرعية، أي السلطة السياسية العليا التي تجمع بين الدين والدنيا.

اشتهرت الزوايا بالبُعد الروحاني؛ حديث يؤكده خالد التوزاني حيث يتجه إلى كون الزوايا لا تتجه ضد إرادة الدولة، بل وتخدم السلطة والسلطان، حيث إن علاقة الزاوية بالسياسة تكون بالقدر الذي يفيد وحدة الوطن ودفع المحتل ونصرة السلطان الشرعي.

هل الزاوية اليوم تقوم بما يقوم به الحزب؟ سؤال يجيب عنه يوسف هريمة، مؤكدا أن دور الزاوية في بعدها الأنثروبولوجي هو ذاته الدور الذي يقوم به الحزب المعاصر في علاقتهما بالسلطة. ويضيف أن الزوايا ليست مجالا محصورا في الصراع، فهذا الأمر يتحدد بطبيعة الوظائف التي قامت بها، كما يتحدد بالظروف التي تعمل في إطارها الزوايا، فالمغرب يعتمد في تركيبته، ثلاثية المذهب المالكي، والأشعرية، والتصوف الجنيدي، بمعنى أن من استراتيجيات نظامه التصوف أو الإسلام الطرقي.

هل فقدت الزاوية هيبتها؟

لم تعد الزوايا كما كانت، رأي يجمع عليه الكثير؛ باحثون في التاريخ، ومهتمون بالطرق الصوفية وغيرهم.

أصبحت الزاوية اليوم، بحسب الكثيرين، نقطة الالتقاء وإقامة الطقوس الطُرقية والمواسم وغيرها. وهذا ما يتفق عليه أحمد صابر ويوسف هريمة.

خالد التوزاني يذهب، بدوره، إلى أن الزاوية اليوم تعمل على تهذيب السلوك والأخلاق، وهي تسير وفق توجهات الدولة لا عكسها. في هذا الصدد، يشرح التوزاني أن القول بأن ثمة علاقة متوترة أو معقدة، لا يوجد إلا في مقالات بعض الباحثين الذين لم يدرسوا الهوية المغربية، ولم ينهلوا من تاريخ المغرب الروحي، فالبعد الروحي في المغرب من صميم اختصاص مؤسسة “إمارة المؤمنين”.

في هذا السياق، يقول أحمد صابر، لم يتبق من الزوايا إلا الآثار، وما له صلة بطقوس قد ولت وانتهت. لم يعد للزاوية في المغرب، في الوقت الحاضر، دور محوري وأساسي، اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا. لم يتبق من الزاوية الآن إلا شكل من الأشكال والتمظهرات التي تدور في دائرة الشكل منفصلة بشكل أكبر عن أي مضمون أو أية رسالة واضحة المعالم… أو أي هدف متصل بثقافة العصر وصيرورة المحيط الذي نحن فيه.

يرى أحمد صابر أن الزوايا، خاصة ما بعد القرن السابع عشر والثامن عشر، دخلت في نوع من الركود، باتخاذ زعماء الزوايا مرجعا في كل شيء، وهنا، يقول أحمد صابر، “نحن أمام الجمود الذي لا يقبل التجديد ولا يقبل إعادة النظر في قضايا الناس وفي المحيط الاجتماعي. فضلا على أن المحيط الاجتماعي في القرن العشرين، عرف تحولات كبيرة على المستوى العلمي والسياسي والاجتماعي”.

حضور الزاوية أو دورها الآن في المجتمع المغربي، هو حضور متصل بمناسبات وأعياد ومواسم ولحظات عابرة.

يمكن أن نُجمل العلاقة بين الزاوية والسياسة انطلاقا مما كتبه نور الدين الزاهي في “كتابه المقدس والمجتمع”، انطلاقا من ثلاث استراتيجيات.

أولا: استراتيجية الإسلام النبوي أو الإسلام المعياري؛ الإسلام في صيغته الطهرانية.

ثانيا: استراتيجية الجماعة الدينية السياسية: ويشرحها يوسف هريمة، أننا هنا يمكن أن نتحدث عن عدم وجود حدود فاصلة بين الديني والسياسي. هناك تماس وقرب، وهذه الاستراتيجية لها أيضا مقومات وأشكال تعبر عنها، ولعل أهمها، تنفيذ الأمر الإلهي على لسان شيخ أو مرشد أو داعية، وهنا تصبح قضية التضحية كفعل مقدس، بمثابة شهادة أو موت أو قتل مقدس.

ثالثا: استراتيجية الإسلام الطرقي: وهناك من يطلق على هذا النوع، الإسلام الصوفي أو الشعبي، وترتكز هذه الاستراتيجية على نقطة جوهرية، هي الإظهار والمسرحة التأويلية، فالتضحية هنا مجرد طقوس رمزية، كما هو حال الكثير من الطقوس المصاحبة لبعض الطرق الصوفية كالرقص أو الذبيحة وغير ذلك.

ختاما، يمكن القول إن الزاوية من خلال حبها المُعلن مع السلطة سعت إلى الحفاظ عى التوازن وتماسك دعامات السلطة. غير أنها متجاوزة الآن بالنظر إلى التحولات الطارئة التي حدَّت من طقوس الزاوية وقلصت علاقتها مع الحزب ومع السياسة لتبقى محافظة على ما تبقى من بُعدها الروحي والإنساني.

لقراءة الجزء الأول: الزاوية والسياسة بين الاحتواء والعصيان: موقع الزاوية في منظومة الحكم 1/2

مقالات قد تهمك:

• رابعة العدوية… “سيدة العاشقين” التي أسست مذهب الحب الإلهي في التصوف الإسلامي
• بداية التصوف في الإسلام: أن تعتكف… دون مناصرة القاتل ولا القتيل! 1\3
• هذه حكاية التصوف في المغرب… بلاد الأولياء والصالحين!