زيارة وزير الخارجية الفرنسي: صفح وعلاقات جديدة ومكاسب مغربية في الأفق
زيارة وزير الخارجية الفرنسي خلفت ردود أفعال كثيرة، خصوصا مع تزايد الحديث عن زيارة مرتقبة لماكرون إلى المغرب.
بين مطالب الكشف عن الموقف الواضح من مغربية الصحراء، وبين طرح انتظار ما ستكشفه قرارات باريس المحتملة، يبقى الترقب سيد الموقف.
عرفت العلاقات الديبلوماسية المغربية الفرنسية شذا وجذباً في الآونة الأخيرة، وهو ما وُصف بالفتور الديبلوماسي. هذا الفتور بدأت معالمه تتراجع، لتحل محله صفحة جديدة، ربما، من العلاقات بين الطرفين.
يوم 26 فبراير، كان موعدا لمد جسور التواصل بين المغرب وفرنسا، حيث حل وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورني في زيارة رسمية استقبله خلالها نظيره المغربي ناصر بوريطة.
سيجورني أكد خلال كلمة له على الروابط القديمة بين البلدين، وكذا المصالح المستقبلية المشتركة، كما أكد على دعم فرنسا لمقترح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب، مشيرا إلى أن موضوع الصحراء المغربية هو أبرز نقطة في زيارته للمغرب.
من جهته، أشار وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، إلى أنهما تطرقا خلال مباحثاتهما إلى “كيفية العمل بشكل منسق في القارة الإفريقية”، مضيفاً إلى أن “المرحلة الحالية من العلاقات في تجدد ونمو وتطور، سواء على مستوى الفاعلين أو المقاربات، حتى تساير المتغيرات التي يعرفها البلدان”.
بوريطة أكد أن “العلاقات الفرنسية يجب أن تتجدد وفق مبادئ الاحترام المتبادل، والتنسيق، في ظل رعاية رئيسي البلدين”.
صفح بعد القطيعة
عبد الحميد بنخطاب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس، ورئيس الجمعية المغربية للعلوم السياسية، يقرأ لمرايانا زيارة وزير الخارجية الفرنسي، موضحا أنها تأتي بعد فتور في العلاقات الثنائية بين البلدين منذ أزيد من سنتين.
حسب بنخطاب، فإن هذه الزيارة هدفها الأساسي هو إحياء جسور الثقة بين دولتين صديقتين، وصداقتهما متجذرة ولها تابع استراتيجي بالدرجة الأولى، فالرئيس الفرنسي، حاول منذ أزيد من ثلاث أشهر إعطاء بعض الاشارات على إرادته القوية في اعادة الدفء الى هذه العلاقات.
يقول بنخطاب: “أعتقد أن وزير الخارجية الفرنسي، عندما جاء إلى المغرب، كان هدفه الأساسي إحياء العلاقة من جهة، واضفاء الدفء عليها من جهة أخرى. ثم إبداء حسن نيته إزاء المملكة المغربية، خصوصا بعد تصريحاته السابقة ضد المصالح المغربية”.
الحري بالإشارة أن وزير الخارجية الفرنسي كان من أكثر المتشددين ومن أكثر المتصلبين تجاه مغربية الصحراء، وتجاه المملكة المغربية، خصوصا فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان.
تكفير عن الخطيئة
حسب بنخطاب، فإن الزيارة هي تكفير عمَّا بدر منه سابقا فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية بين البلدين، خصوصا وأنه انتقل من مجرد فاعل سياسي إلى مسؤول يتحمل مسؤولية الدبلوماسية الفرنسية.
حسب المحلل السياسي، فالمسائل الدبلوماسية والسياسات الخارجية للدول، لا تتغير بتغير الأشخاص. بمعنى أن وزير الخارجية، بالرغم مما قد يكنه للمغرب من سوء نية ربما، أو سوء فهم، فهذا لا يغير شيئا. فالسياسة الخارجية الفرنسية تظل قائمة مستقرة في الزمن.
نفهم من حديث بنخطاب أن وزير الخارجية قد يتغير، غير أن السياسة الخارجية لا تتغير مع الزمن، كما أن الشراكة المغربية الفرنسية، هي شراكة متأصلة تتجاوز الخلافات الشخصية للأفراد، سواء كانوا رؤساء للدول أو أيضا مسؤولين قطاعيين في وزارات معينة.
حسب بنخطاب، فإن هناك مسألة أساسية في العلاقة الثنائية بين فرنسا ودول المغرب الكبير، بما فيها المغرب والجزائر، ففرنسا في وضعية لا تحسد عليها، لأنها لا يمكن أن تجهر وتقر بأنها مع المغرب كلية، لأن ذلك من شأنه أن يمس بعلاقتها الثنائية مع الجزائر، كما لا يمكن لها أن تنحاز الى الجزائر، لأن هذا قد يضر بشراكتها الاستراتيجية مع المغرب.
يتجه بنخطاب إلى أن ما تقوم به فرنسا الآن هو لعب على الكلمات، وفي بعض الأحيان إبداء حسن النية. لأنها تقليديا مع الحكم الذاتي، لكنها ليس باستطاعتها أن تجهر بذلك في المحافل الدولية، علما أنها تظل مع الجانب المغربي، حتى وإن لم يكن هذا الدعم دعما علنيا للحكم الذاتي بالصحراء المغربية.
من جهته، رشيد لزرق، محلل سياسي، وأستاذ العلوم السياسية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، يقول معلقاً لمرايانا عن زيارة وزير الخارجية الفرنسي للمغرب، إن الزيارة تأتي بعد عملية شد وجذب بين البلدين، وكذا بعد اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية.
“لزرق” أشار إلى أن العاهل المغربي وضعَ معادلة هامة، وهي أنَّ المنظار الذي ينظر به المغرب إلى الشركاء الإستراتيجيين، هو منظار الوحدة الترابية، وموقف الشركاء من سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.
حسب المتحدث، فإن الزيارة تصادفت مع تحولات إقليمية لفرنسا، التي لطالما بقيت بعقليتها الاستعمارية، تحاول اللعب على التناقضات المغربية الجزائرية، والاستفادة من هاته التناقضات. والحال أن الشراكة الاستراتيجية معناها أن يحمي كل شريك مصالح شريكه الاستراتيجي.
يشدد لزرق على أن عودة العلاقات عبر زيارة وزير الخارجية للمغرب، هو إعلان بداية تحول في العقلية الفرنسية. هذا التحول أعطى مؤشرات في الاتجاه الصحيح حيث أنه من المرتقب انتظار زيارة أكبر، وهي زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون الى المغرب.
حسب المصدر ذاته، فإن المغرب لازال ينتظر موقف فرنسا الواضح، لأن الخطاب الملكي أكد بشكل واضح أن المغرب لا يمكن أن يُكوّن شراكة استراتيجية، من دون موقف واضح أو من خلال تبني موقف رمادي من أقاليمنا الجنوبية.
يقول لزرق: “كان مأمولا أن تكون فرنسا هي المبادرة، باعتبارها دولة استعمارية وتعرف أدق التفاصيل بكون النزاع نزاعا مفتعلا. فرنسا لطالما حاولت ابتزاز المغرب من خلال افتعال العديد من القضايا، من بينها ما عرف بقضية برنامج بيغاسوس، وتصويت البرلمان الأوروبي، لكن ابتزازها لم ينفع”.
نفهم من حديث لزرق أن الزيارة، على الرغم من ضبابية الموقف، هي خطوة في الاتجاه الصحيح، وهي طريق نحو الاعتراف الواضح بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية. والحال أنه يلزم فرنسا وقت، لأنه من الصعب تغيير العقلية في ضربة واحدة.
يتجه المتحدث إلى أن فرنسا مدعوة لإزالة العقلية الاستعمارية، التي تلعب على التناقض، لأن الوحدة الترابية للمغرب، تعني أن الانفصال دعم للإرهاب. وإذا كانت فرنسا مهتمة بالسلم والأمن في المنطقة، يجب أن يكون لها موقف واضح، وهو حماية الوحدة الترابية للدول، والتعامل في إطار معادلة رابح /رابح.
على الرغم من مساعي فرنسا إلى كسب ود المغرب، غير أن الرأي العام المغربي، والمتتبع للشأن السياسي، لا يزال يعتبر أن فرنسا، بسياساتها القديمة “في إشارة إلى سياساتها الاستعمارية”، مُطالبة بالكشف عن موقف واضح تجاه مغربية الصحراء.
أسئلة كثيرة تظل عالقة حول الزيارة الأخيرة وما سيعقبها من زيارات ومباحثات، غير أن ما يُمكن الإقرار به هو أن الزيارة تندرج في إطار مرحلة إعادة تشكيل سياسة مغربية فرنسية جديدة نحو إفريقيا.