عن الفالانتاين، الحب والريلز Reels
عندما سنحب أنفسنا بشكل سوي وسليم، سنكون أكثر قدرة على منح الحب السليم للآخرين.
كل عيد حب، تنتعش صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي والتواصل اليومي بأحاديث ونقاشات عن الحب. ينقسم المتناقشون بين من لا يسعى لمعرفة أصل العيد وسياقه ومصدره، وبالتالي لا يرى بأسا في تخصيص يوم للاحتفال بمن يحب في شكل كلمات أو هدايا. خصوصا وأنه، في بعض الحالات، قد لا تسعف الناسَ دوامةُ الانشغال اليومي ولا الجفاف العاطفي الذي تربى عليه للقيام بذلك بدون يوم يذكره بأهمية التعبير عن حبه لمن يحب؛ وبين من يُحمّل اليوم فوق طاقته إما ساخرا منه أو محرما له مستدعيا كل مفاهيم المؤامرة والتقليد والتبعية وغيرها، وكأن الحب ليس فطرة كونية تحمل جيناته البشرية جمعاء.
بين هؤلاء وأولئك، تظهر فئة أخرى، عملية أكثر، لا تعنيها لا رمزية اليوم/العيد ولا شرعيته، بقدر ما تسخر جهودها لتحقيق أكبر ربح ممكن منه عبر تسويقه في منتوجات /هدايا تجلب بها زبائن موسميين تفتقدهم في رقم معاملاتها اليومي.. فتعرض الحب في واجهات المحلات وبل تستثمره حتى في عروض التخفيضات لتعزز بذلك الحاجة “للتظاهر” الموجودة أصلا فينا، فيصبح الحب مصدر تفاخر وتظاهر كما هي سائر مقتنياتنا المادية.
في نفس السياق، لا يمكننا أن ننكر علاقتنا المرتبكة بالحب التي تجعلنا يا إما ساخرين منه أو مستغلين له، وهي نتيجة طبيعية وحتمية لافتقارنا لثقافة الحب داخل أسرنا ومحيطنا ومجتمعنا. لا أحد ينكر أيضا أن الجفاف العاطفي الذي نشأنا به هو مصدر العديد من عقدنا النفسية وعلاقات حبنا غير السوية، سواء بأنفسنا أو بالآخر.
ما يزيد الأمر سوءا هو أنه، إذا كانت الأجيال السابقة قد دبرت وهذبت جفافها العاطفي، إن صح القول، عبر القراءة، خاصة قراءة الروايات العربية منها والعالمية، وعبر أغاني وقصائد الحب الراقية الجميلة التي بالضرورة أغنت رصيده لحد ما بفهم هذه العاطفة وتنوعها بتنوع أبطال الروايات والقصائد؛ وبالتالي منحت للحب بعدا جميلا في مخيالها، فإن الأجيال الحالية، لسوء حظها ، تستقي معظم معلوماتها عن الحب من مواقع التواصل الاجتماعي.
لقد أمست المعلومة عن الحب تتوفر بنقرة على ريلز reel معين. أصبح الحديث عن الحب لا يحتاج لحبكة وفهم عميقين للنفس الإنسانية وتقلباتها، ولا لقصيدة تترجم أحاسيس لم نكن لنتعرف عليها لولا الإحساس العميق لشاعر ملهم، بل أصبح يحتاج فقط لمجموعة معلومات من هنا وهناك من المواقع، وتجارب شخصية سطحية ينشرها مرتزقة الريلز. ظهرت الفتاوى ووصفات الحب التي أغرقت وسائل التواصل الاجتماعي وأغرقت شعورا إنسانيا نبيلا في مستنقع الابتذال..
أصبحنا محاصرين بعناوين من قبيل: “كيف تجعلينه يفكر بك طوال اليوم؟”، كيف تجعل أي فتاة تحبك وتلاحقك؟”، “سوف تعشقك أكثر إذا تجاهلتها” وعناوين أخرى تبعث على الغثيان أحيانا. كما ظهرت مجموعات ومجموعات مضادة بين الرجال والنساء كلاهما يسعى لنشر أفكار السيطرة على الآخر. ناهيك عن المجموعات التي لا ترى في الحب إلا جنسا.. فكيف يمكن لهذا الجيل أن يعيش الحب ويحتفي به عيدا؟
حتى يكون للحب عيد، وجب علينا التصالح معه أولا، وأول خطوة في التصالح معه هي أن نتصالح مع أنفسنا، أن نذكر أنفسنا أنها جديرة بالحب أولا ثم بحب الآخر ثانيا. عندما سنحب أنفسنا بشكل سوي وسليم، سنكون أكثر قدرة على منح الحب السليم للآخرين. حب لا تغلفه أي عقدة من عقدنا النفسية. حين يكون منسوب حبنا لأنفسنا في مستوى سليم سيكون بوسعنا أن نرفض أي حب لا يحترم حبنا لأنفسنا، حب يجرح كرامتنا أو يهين مشاعرنا أو يستغلها أو حب مشروط يختزلنا في جمال جسد أو جاه.
إلى حين ذلك، فلنحب أنفسنا أكثر حتى نخلق علاقات سوية أكثر ويكون للحب عيد بحق.