قانون العقوبات البديلة: حلول منتظرة وقضايا في الواجهة
إن قانون العقوبات البديلة سيكون فقط جزءا أو آلية، نتمنى أن تساهم في الحد من ظاهرة الاكتظاظ داخل السجون. لتبقى المعضلة الكبيرة، والتي يجب على المشرع وكل الجهات أن تبحث لها عن حل، هي مُعضلة الاعتقال الاحتياطي
النقاش حول موضوع قانون العقوبات البديلة، الذي صادق عليه البرلمان مؤخراً، أثار تساؤلات كثيرة، وفي اتجاهات عديدة.
علاقة بحماية حقوق النساء، هل سيسهم القانون في الحد من العنف ضد النساء؟ وهل سيحمي القانون حقوق السجناء؟ وكيف سيشمل سجناء على حساب آخرين؟
علاقة بالمؤسسات السجنية، فإن مشكلاً آخر أكثر حدة يطرح نفسه بقوة، وهو الاكتظاظ داخل السجون، وهو ما يدفع للتساؤل حول إسهام القانون في التخفيف من الضغط داخل السجون، وهو تخفيف سيتجه إلى إدماج السجين ليس فقط خارج أسوار السجن بل داخل المجتمع.
حقوق النساء: سؤال الانتصار؟
عتيقة الوزيري، فاعلة حقوقية ومحامية بهيئة الرباط، تعتبر في تصريح لمرايانا أن موضوع العنف ضد النساء هو موضوع شمولي وفق سياسة عمومية.
تقول الحقوقية إن قانون العقوبات البديلة لا يرتبطُ فقط بالعنف ضد النساء، بل جاء ببدائل للعقوبات تتضمن الشق المتعلق بالتخفيف من الضغط على السجون. حسب المتحدثة، فإن هناك بعض الجرائم التي تكون عقوبتها خفيفة؛ بحيث يمكن لإجراء معين أن يؤدي لنتيجة إيحابية ويحقق هدف الزجر بالفعل. بالمقابل، فإن هناك بعض الأفعال الثقيلة على المجتمع، وبالتالي، فإن العقوبة يجب أن تكون داخل السجن وتحت المراقبة لإعادة الإدماج.
وفق الوزيري فإن قانون مكافحة العنف ضد النساء يتضمن، حاليا، الإحالة على القانون الجنائي في علاقة بالعنف ضد النساء، من قبيل الإبعاد عن مكان سكن الضحية على مسافة معينة، إلى جانب العقوبات المالية. إذن، حسب المتحدثة، فهناك مجموعة من العقوبات الواردة الآن، بغض النظر عن مشروع قانون العقوبات البديلة.
حسب الحقوقية، فالإشكال المطروح هو تفعيل تلك الآليات، إذ هناك أحكام قضائية صادرة عن بعض محاكم المملكة، من قبيل الحكم بإبعاد المُعنِّف عن الضحية، وهنا نتحدث عن العنف ضد المرأة بشكل عام؛ داخل بيت الزوجية وخارجه، العمل، الشارع. بالتالي، هاته العقوبات موجودة ومنصوص عليها بالقانون عن طريق الإحالة على القانون الجنائي.
بدائل دامجة
ترى الوزيري أنه من الضروري أن تبقى آليات المراقبة والتنفيذ لتلك العقوبة حتى نضمن عدم تعرض الضحية للخطر، ونضمن نجاعة العقوبة. بعدها، سنتمكن من تقييم تلك العقوبات: هل كانت ناجعة؟ ونحدد الآليات المعينة لتقييم القانون الذي يتغير بتغير المجتمع.
علاقة بحقوق السجناء فإن مشروع القانون جاء بعقوبات بديلة كالسوار الالكتروني أو التعويض المادي أو الغرامة المالية، غير أن هناك من يعتبر الغرامة لا يمكن أن تكون عقوبة بديلة، كما أن النجاعة تكمن في فائدة عامة تعود على المجتمع، على غرار أعمال الصالح العام مثلا. كما أن هذه النوع من العقوبات البديلة يكون له آثار إيجابية على المحكوم نفسه، كالاندماج داخل المجتمع، بدل الاحتكاك بظروف السجن الصعبة، كالاكتظاظ وغيره.
تفاعلاً مع العقوبات البديلة، تتساءل الوزيري عن جدوى السجن؟ هل يؤدي دوره كما يجب؟ وهل يُخفض من عدد السجناء أم أنه ينتج حالات عود وجرائم أخرى؟
تعتقد المتحدثة أنه يمكن للقانون أن تكون له إيجابيات، لأنه كثيرا ما تمت المطالبة بعقوبات بديلة استلهاما لتجارب دولية أبانت عن نجاعة هذه العقوبات؛ خاصة بعض الأفعال غير الإرادية التي يُمكن أن يكون السجن بسببها، أسوء من العقوبات البديلة.
سجون مكتظة
عبد اللطيف رفوع، رئيس المرصد المغربي للسجون، يقول في حديث لمرايانا إن قانون العقوبات البديلة يُمكن اعتباره جزءًا من حل ظاهرة الاكتظاظ داخل المؤسسات السجنية، لأن الحل، حسب المتحدث، يكمنُ في البحث على مجموعة من الآليات الأخرى والقضاء على الجريمة وتتبعها منذ نشأتها، مما يسهم في الحد منها وبالتالي الحد من تدفق عدد من السجناء على السجون.
حسب رفوع، إذا كانت المؤسسة السجنية داخل المغرب الآن، تأوي أكثر من 100 ألف سجين، فنحن أمامَ تصاعد مستمر. إذن، فالارتفاع المهول للسجناء يجب أن يعالج بشكل جذري وربما يجب إعادة النظر في السياسة الجنائية برمتها، وبتتبع الظاهرة الإجرامية في البوادي والمدن، وبالتالي يجب البحث عن آليات أخرى من أجل القضاء على منابع الجريمة.
يشير رفوع إلى أن السجون تضم اليوم فئة تمثل أكثر من 43 في المئة، هي رهن الاعتقال الاحتياطي، والمشكل هنا أن هناك ملفات تحكم بالبراءة وأخرى بالسجن الموقوف التنفيذ. وبالتالي لماذا لا نوظف آليات اخرى عوض الاعتقال الاحتياطي، كالمراقبة القضائية أو إغلاق الحدود، أو الكفالة المالية.
البدائل ليست حلاً
يقول المتحدث: “إن قانون العقوبات البديلة سيكون فقط جزءا أو آلية، نتمنى أن تساهم في الحد من ظاهرة الاكتظاظ داخل السجون. لتبقى المعضلة الكبيرة، والتي يجب على المشرع وكل الجهات أن تبحث لها عن حل، هي مُعضلة الاعتقال الاحتياطي”.
حسب المتحدث هناك آليات جنائية يمكن أن تلتجئ إليها النيابة العامة أو قضاة التحقيق للتعاطي مع الاعتقال الاحتياطي، الذي صار يشكل وضعية تقلق الجميع، كما أنه يعطل الأدوار المتعلقة بإعادة الإدماج داخل المؤسسات السجنية.
يشير رفوع إلى أنه من الضروري فتح نقاش مع رئاسة النيابة العامة والسلطة القضائية والمسؤولين عن السياسة الجنائية، للبحث عن الحلول للإشكاليات التي تعيشها المؤسسات السجنية، والمتمثلة في ظاهرة الاكتظاظ، سواء علاقة بالمعتقلين الاحتياطيين، أو مع المدانين بشكل نهائي.
قانون لا يشمل كل الجرائم
هل هناك جرائم تُستثنى من القانون؟ يجيب رفوع: “في التجارب المقارنة، حتى في بعض الدول التي سبقتنا في العقوبات البديلة، هناك بعض الجرائم التي تستثنى منها، كالقتل والاغتصاب والتخابر والإرهاب؛ إذ لا يمكن الحديث هنا عن عقوبات بديلة”.
تجدر الإشارة إلى أن العقوبات البديلة، تخص بعض المخالفات، كالجنح الضبطية والتأديبية التي لا تتعدى عقوبتها 5 سنوات. وهناك إشارة إلى أن المستفيد منها لا يجب أن يكون في حالة العود، وإلا تبطل إمكانية الاستفادة من عقوبة بديلة.
أسئلة كثيرة مطروحة على هامش حديث الوزيري ورفوع. غير أن السؤال الأكثر تردداً، هو: هل يُمكن أن يكون هذا القانون تجربة تساهم في إدماج مُرتكبي الفعل الجُرمي، خصوصا منهم من قاموا به عن طريق الصدفة وكان للمرة الأولى في حياتهم؟
تبقى الآمال معلقة والانتظارات كثيرة لتؤتي هاته العقوبات البديلة نتائج إيجابية، وهي فرصة تُمنح للمعتقل من أجل الانخراط من جديد في المجتمع وتجاوز الوضعية التي وجد نفسه فيها بارتكابه للجرم.