رق وعبودية وصمت رسمي فظيع: عرس بطعم الاستعباد
هل يعلم رئيس ثاني مؤسسة تشريعية في المغرب بأن زمن العبودية قد انتهى؟ وهل قبلَ فعلا بـ “عبدات/ جواري” وهو يرأس مجلس مؤسسة يُفترض فيه احترامها؟ وهل يعلم أنه في الوقت الذي تهدى “الإماء” في بيته، يسعى المغرب لإقرار حقوق النساء من خلال تعديلات مدونة الأسرة؟
في الوقت الذي ترأس فيه المغرب مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف، رغم مناورات الجزائر وجنوب إفريقيا، كان هناك، في الصحراء المغربية، من يقيم عرسا… قدم فيه دولة المغرب بكاملها، هدية لخصومها، وطبقا مسموما لشعبها.
عرس، أقامه “النعم ميارة”، رئيس مجلس المستشارين بالمغرب، بمناسبة زفاف ابنته، لتتحول عناوين الفرح فيه، إلى صدمة عنيفة للمغاربة، حين انتشر بينهم مقطع فيديو من العرس، يحتفي بالعبودية.
بمقطع فيديو صغير لا يتجاوز 20 ثانية كان كفيلاً بكشف الغطاء عن ما اعتبره الكثيرون، ممارسات سادية في حق النساء.
المقطع، الذي اطلعت عليه مرايانا، أظهر فنانا شعبيا يقول في حفل زفاف ابنة رئيس مجلس المستشارين إن مهر العروس عبارة عن “عبدات”/ جواري، حيث يقول: “صداق لأسماء ابنة النعمة ابن عبداتي هاته الخضريات رفعو اديكم”. فرفعت سيدتان أيديهن. و”الخضريات” في الثقافة الحسانية تعني “الإماء” أو الخدم.
يضيف المتحدث: “ساويهانَّ ولدن وساوينها أهل ميارة ساويينها لنساب”، فيما معناه أنه “يستحق ذلك إبننا (الزوج) وأهل ميارة الأصهار”.
قد يبدو من الوهلة الأولى أن الفيديو عائد من الماضي، لكنه في الحقيقة، لعرس ابنة مسؤول سياسي وحكومي يفترض فيه أن يكونَ من المدافعين عن حقوق الإنسان وحقوق النساء، وأن يكون مُسايرا لتوجهات المغرب في مسار إقرار حقوق النساء، لا أن يعرقل هذا المسار، فما بالك بأن يعود للوراء لزمن الرجعية والعبودية.
استكار ومطالب بالتحقيق
بشرى عبده، فاعلة حقوقية ومديرة تنفيذية لجمعية التحدي للمساواة والمواطنة تتفاعل في حديث لمرايانا مع الحكاية، معتبرة أننا اليوم في المغرب لا يمكن أن نتحدث قطعاً عن “العبيد” أو “الجواري”، فهي أشياء تجاوزناها منذ آلاف السنين.
تقول المتحدثة إن الحركة الحقوقية ناضلت من أجل الحرية منذ سنوات، ولدينا اتفاقيات تناهض الرق والعبودية. اليوم، نحن بحاجة لفتح تحقيق نزيه ومسؤول لمعرفة حيثيات وتفاصيل هذا الحادث.
حسب بشرى عبده، “اليوم نحن نعيش في ظل دستور متقدم، نتحدث فيه عن القيم الإنسانية الكونية. لذلك، لا يُمكن أن نتحدث عن الرق والاستعباد، ولن نقبل أن يمارسه أي كان. لذلك، من الضروري الوقوف على هاته الإشكالات ومعرفة خبايا وحقيقة هذا العرس وحقيقة ما جرى”.
رفض إنساني وحقوقي
ليسَ ضروريا أن تكون حقوقيا كي تدلي بدلوك في هذا الموضوع الشائك. يكفي أن تكون إنساناً كي تُدينَ وتستنكر الاستعباد والرق وتستنكر العودة إلى زمن قد ولى.
هذا ما تتجه له الفاعلة الحقوقية سميرة تناني في حديث لمرايانا، مشددة على أن ما حدث في عرس نجلة رئيس مجلس المستشارين سلوك مرفوض ومدان إنسانيا وحقوقياً، فقد قطعنا مع عهد الألف ليلة وليلة وعصر الطغيان.
حسب المتحدثة، هذا النقاش يعيدنا للوراء في الوقت الذي يجب أن نكون قد تقدمنا في النقاش حول حقوق النساء ومحاربة العنف المبني على النوع والتمييز العنصري وغيره. إلا أن هذا النقاش يجعلنا نعود للوراء للمطالبة بإلغاء العبودية.
تقول تناني: “اليوم، يجب أن نطرح سؤال أين وصل المغرب في مسار القطع مع هاته الممارسات؟ وهذا يطرح سؤال المحاسبة، لأن العرس ليسَ عرس مواطن عاد بل، هو يعود لمسؤول سياسي يدبر غرفة مجلس المستشارين بالبرلمان”.
تنبه المتحدثة إلى أنه، في ظل الأزمة التي يعيشها المغرب من غلاء للأسعار واحتجاجات وأزمة التعليم وغيرها من القضايا العالقة، هناك من يعيش في عالم آخر بدون رقيب ولا حسيب وهذا ما يجب التنبيه له والتنديد به.
الصحراء: صمت ومنطقة معتمة
محمد يوسفي، صحفي وناشط حقوقي بالأقاليم الجنوبية، استنكر خلال حديث لمرايانا ما جرى خلال عرس نجلة رئيس مجلس المستشارين، مشددا على أن الوضع تجل لاستعباد النساء وهو سلوك مرفوض، غير أنه ليس بجديد.
يقول يوسفي: “هاته العبودية لا تتوافق مع التقدم الذي عرفه المغرب في مجال حقوق الإنسان. بالعودة للعرس موضوع الجدل، فالعريس قادم من موريتانيا وظاهرة الرق منتشرة في موريتانيا”.
حسب يوسفي، فقد تم استقدام ما يسمى بـ “الخضريات” إلى جانب مهر العروسة، وقد جرى توثيقه بالصوت والصورة، وكان من أول ما تم تقديمه، وكان بداية الإعلان عما يتضمنه الصداق، ليتم تقديم الذهب والجِمال وغيرها”.
يشدد المتحدث على أن هاته الفئات لا تستحضر بعد حقوق الإنسان، وإذا ما استحضرته، فإنه يحضر لديها فقط كأجندات سياسية وخطاب يتم استغلاله واللعب عليه. في حين أن مظاهر العبودية منتشرة، وربما هي من بين القضايا المسكوت عنها في الصحراء.
يقول يوسفي: “هناك صمت حقوقي في الصحراء تجاه القضية التي هزت الرأي العام الحقوقي. لا توجد أي جهة حقوقية نددت بالاستعباد أو قامت بإدانة هذا السلوك. والأمر نفسه بالنسبة للإعلام بالمنطقة، الذي لم يتفاعل مع الحادث، مع استثناءات طفيفة”.
حسب الناشط الحقوقي، هذا الصمت يؤشر على استفحال الظاهرة، وهو ما يطرح تساؤلات عديدة حول الصمت الحقوقي والسياسي. ما حدث يجب أن يعيد إلى الواجهة، نقاش مظاهر الرق في الثقافة الحسانية والصحراوية.
تشير “مرايانا” هنا، إلى أنه، رغم كون موريطانيا كانت آخر دولة في العالم تلغي العبودية سنة 1981، إلا أن الكثير من التقارير الدولية، لازالت تؤكد وجود الرق والاستعباد وسط الآلاف من الأشخاص، ومنها تقرير لمنظمة العفو الدولية، صدر في 2016، أشار إلى أن 43 ألف شخص، أي حوالي واحد في المائة من الشعب الموريتاني، كانوا يرزحون تحت وطأة الممارسات الاستعبادية.
… موريتانيا، بادرت سنة 2015، إلى اعتماد قانون يعتبر “العبودية” جريمة ضد الإنسانية، إلا أن تقارير دولية مختلفة، لازالت تتحدث عن وجود هذه الجريمة في البلاد.
لا توجد إحصائيات دقيقة ورسمية حول عدد “المستعبدين” في موريتانيا، لكن، وفقا لأحدث معطيات “مؤشر للعبودية العالمي” (Global Slavery Index)، وهو تقرير صادر عن المنظمة الأسترالية غير الحكومية “Walk Free” والذي يقيس أشكال العبودية المعاصرة، مثل العمل القسري والزواج القسري، تشير التقديرات إلى أن حوالي مائة ألف شخص من أصل 4 ملايين موريتاني، يعيشون في العبودية.
تنديد في البرلمان
يوم 25 سبتمبر 1926، كان يوماً مشهوداً، حيث قطع العالم مع الرق والعبودية، حين وُقعت في جنيف الاتفاقية الخاصة بالرق، ودخلت حيز التنفيذ في 9 مارس 1927 لضمان القضاء الكامل على الرق بجميع صوره وعلى الاتجار بالرقيق في البر وفي البحر.
قطع العالم أشواطا عديدة مع الرق والعبودية، غير أنَّ مظاهرها تطفو على السطح من حين لآخر. من جهتها، فإن الجهات المعنية بالأمر لم تقم بأية مبادرة رسمية لتوضيح صحة أو بطلان الاتهامات، ولم تخرج بأي نفي أو تأكيد، وسط تنديد وغضب شعبي وصل صداه البرلمان.
فاطمة التامني، نائبة برلمانية عن حزب فدرالية اليسار الديمقراطي، وجهت سؤالاً كتابيا لوزير العدل عبد اللطيف وهبي، نددت من خلاله بالعبودية والتمييز وانتهاك قيم الإنسانية، متسائلة في ذات السياق عن التدابير التي يفترض أن تتخذها الوزارة اتجاه هاته الممارسات.
من جهتها، فإن فدرالية رابطة حقوق النساء، طالبت من خلال بيان لها، بفتح تحقيق نزيه ومستعجل واتخاذ الإجراءات الفورية في حق المتورطين في الواقعة.
كما اعتبر ذات البيان هذه الممارسة، إهانة للقيم الإنسانية، وانتهاكا صارخا لمبادئ حقوق الإنسان ولدستور البلاد، ولكل الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب.
الفدرالية شددت على ضرورة التصدي وبحزم إلى كل بقايا الممارسات التمييزية المنتهكة لحقوق الإنسان والتي تحن إلى إعادة إنتاج علاقات العبيد و الأسياد.
تساؤلات عالقة
الحري بالإشارة إلى أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ينص في مادته الرابعة على أنه “لا يجوز استرقاق أحد أو استعباده، ويُحظر الرق والاتجار بالرقيق بجميع صورهما”.
السؤال المطروح هنا هو: هل يعلم رئيس ثاني مؤسسة تشريعية في المغرب بأن زمن العبودية قد انتهى؟ وهل قبلَ فعلا بـ “عبدات/ جواري” وهو يرأس مجلس مؤسسة يُفترض فيه احترامها؟ وهل يعلم أنه في الوقت الذي تهدى “الإماء” في بيته، يسعى المغرب لإقرار حقوق النساء من خلال تعديلات مدونة الأسرة؟
كيف تتعالى الأصوات فرحا بالعبودية والرق؟ أليس في العُرس رجل حكيم؟ أليست هناك سيدة حكيمة تقول إن المرأة ليست للبيع؟
طبعا، تشير مرايانا هنا، إلى أن سيدتين موريتانيتين، هناك شكوك قوية حول تقديمهما هديةً في عرس ابنة رئيس الغرفة الثانية بالمغرب، خرجتا في تصريحات للإعلام، تنفيان الأمر.
السيدتان الموريتانيتان نددتا بما اعتبرتاه حملة تشهير استهدفتهما، وأكدتا أنهما تتمتعان بكامل حريتهما وتجمعهما “علاقة اجتماعية خاصة مع أهل العريس”.
مرايانا في النهاية… تطرح فقط سؤالا واحدا:
ما معنى الكلام الذي قاله الفنان الشعبي خلال العرس، والذي وثقه مقطع فيديو؟
ما معنى ما قاله الفنان الشعبي:
“صداق لأسماء ابنة النعمة ابن عبداتي هاته الخضريات رفعو اديكم”.
وما معنى قوله، احتفاء بهذا “الصداق”:
“ساويهانَّ ولدن وساوينها أهل ميارة ساويينها لنساب”، فيما معناه أنه “يستحق ذلك إبننا (الزوج) وأهل ميارة الأصهار”؟؟؟