مشجعات المنتخب الوطني: تنمر وإقصاء وعنف رقمي
مسلكيات كثيرة تدفعني للاستغراب من هذا التنمر في المقاهي والشوارع، وأحيانا حتى على المشجعات في الملاعب. أتمنى أن نرتقي جميعا لأن المنتخب يمثلنا جميعاً، يمثل المغربيات والمغاربة
“في كثير من الأحيان، أضطر لمشاهدة مباريات المنتخب المغربي في الهاتف. أرغب في تقاسم فرحتي في المقهى أو مكان عام، لكني أتعرض للكثير من التنمر. لست حالة معزولة، لكن الكثير من الفتيات يتعرضن للتنمر خلال متابعة مباريات المنتخب المغربي”. كان هذا حديث يسرى عن مشاهدتها لإحدى مباريات المنتخب الوطني.
حديث يسرى جاء خلال كأس أمم إفريقيا 2024. خلال كل محطة رياضية، يكثر القيل والقال عن مشاهدة النساء لمباريات كرة القدم، سواء المنتخب الوطني أو باقي الفرق المحلية. تنمر وسوء فهم والكثير من العبارات التي تحيل على عنف مبني على النوع.
لا يقتصر العنف الرمزي على المقاهي والمنازل أحياناً، بل يتجاوز ذلك إلى فضاءات التواصل الاجتماعي، التي صارت تعج عقب كل مباراة أو قبل، بمنشورات وتعاليق وصور ونكت، تتضمن تنمراً على متابعة النساء لكرة القدم.
كيف ترى المشجعات هذا العنف الرمزي والتنمر الإلكتروني؟ هل من الضروري الإلمام بقواعد الكرة وحيثياتها لتشجيع المنتخب؟ أم أن تطبيعا مع الشتيمة والتنمر اجتاحنا لنحصد ما يروج اليوم في المقاهي ومواقع التواصل وغيرها؟
حق للجميع دون تمييز
تقول يسرى في حديث لمرايانا إنها كثيرا ما تسمع عبارات “كوزينتك”. “الكرة للرجال”، “آش تا تفهمي ف الكرة؟”، وتتساءل عن سر هذا العنف الذي يمنع النساء من متابعة المباراة.
حسب المتحدثة، ليسَ ضروريا أن تكون مطلعاً جيدا على مستجدات الكرة كي تشاهد مباراة للمنتخب، فالأصل في المنتخب أنه وطني، أي لجميع المواطنين، نفرح لفوزه ونحزن لخسارته، فليس شرطا أن أكون ملمة بالرياضة.
تقول يسرى: “يربط الكثير من المشجعين كرة القدم بالذكور، وهذا في اعتقادي خطأ يجب تجاوزه. الأمر يتعلق بفريق يمثل بلدنا جميعا”.
حسب يسرى، فإن هذا العنف غير المعلن، تسرب للصحافة والإعلام الذي يبدو أن بعضه قد طبّع مع ما يجري في مواقع التواصل الاجتماعي، في الوقت الذي يجب أن تؤثر فيه الصحافة على المجتمع، لا أن تتأثر به وتساهم أحيانا في تكريس عنفه.
تشير المتحدثة إلى ضرورة العمل على جعل الفضاءات المشتركة مفتوحة للجميع، دون تمييز، ودون تنمر، ودون هذا العنف المبني على النوع. مضيفة أنه من حقها متابعة المباراة حتى وإن كانت لا تفقه الكثير في كرة القدم.
تقول يسرى: “قد لا أعرف أسماء اللاعبين، لا أعرف معطيات كثيرة عن المباراة وعن التحكيم وضربات الترجيح وغيرها، لكني أعرف جيدا أن هذا المنتخب يمثلني ويمثل وطني. لذلك، فأنا أتابعه رغم عدم معرفتي الجيدة بكرة القدم”.
تنمر وتطبيع رقمي
زينب متالي، ناشطة مدنية مهتمة بقضايا النوع الاجتماعي، تقول في حديث لمرايانا إنها كلما أتيحت لها الفرصة لمشاهدة مباريات المنتخب المغربي، الذي يمثل الرجال والنساء، والأطفال والكبار والصغار، إلا وواجهتها بعض الممارسات التي تثير مجموعة من التساؤلات الكبرى. إلى أي حد لا زالت مجموعة من السلوكيات المرفوضة، الي تتضمن نوعا من التنمر والعنف، منشرة داخل مجتمعنا؟
تتساءل متالي: “لماذا لا تشاهد النساء مباراة المنتخب بأريحية؟ ألا تتوفر النساء على آليات الفهم والتحليل والمتابعة، أم أنها موضوعة للرجال فقط؟ من بين أكثر المواقف التي ظلت عالقة بذهني، حينما قال أحدهم: “وخا نبدلو ليهم الماتش ولا عطيناهم الماتش ديال شحال هادي ميعيقوش بيه”.
حسب المتحدثة، فإن هذا التعليق، ومواقف أخرى عديدة، تعتبر عنفا معنويا مباشرا. هذا إلى جانب العنف الرقمي على وسائل التواصل الاجتماعي. هذا العنف يستهدف النساء من خلال منشورات وتعاليق تتهكم عليهن وتطالبهن بعدم مشاهدة كرة القدم.
تقول متالي: “مسلكيات كثيرة تدفعني للاستغراب من هذا التنمر في المقاهي والشوارع، وأحيانا حتى على المشجعات في الملاعب. أتمنى أن نرتقي جميعا لأن المنتخب يمثلنا جميعاً، يمثل المغربيات والمغاربة”.
هنا تستحضر المتحدثة عودة المنتخب المغربي من قطر، تتذكر الاستقبال الملكي الذي خصه الملك لأمهات اللاعبين. هاته كانت إشارة رمزية مهمة، خير دليل على أن الكرة للنساء أيضا ولهن فيها نصيب وحظ.
يسرى وزينب نموذج لمجموعة من المشجعات اللواتي تعرضن للإقصاء والتنمر خلال متابعة مباريات المنتخب الوطني. هذا المنتخب الذي يمثل المغاربة جميعا دون تمييز على أساس العرق أو اللون أو الجنس أو الانتماء القبلي.
فكيف أصبحنا نقبل ونصمت أمام هاته الممارسات لتصير أمراً عاديا يمر أمامنا، شأنه شأن باقي الأحداث؟ هل هو تطبيع خفي مع التنمر الرقمي ومع كل ممارسات الإقصاء كيفما كانت سواء في الرياضة أو غيرها؟