هل تتجه أزمة التعليم إلى حل؟
الكثير من رجال ونساء التعليم تلقوا الاتفاق بترحيب كبير، لكن مازال الحذر قائماً. هناك انتظارات أكبر لكن المفاوضات لم تكن سهلة، فهي غير مسبوقة في تاريخ قطاع التعليم والأيام المقبلة ستؤكد أن هذا التقدم مهم وأساسي جدا.
لا تزال إضرابات الأساتذة مستمرة بعد توقيع اتفاق يوم الأحد 10 دجنبر 2023، الذي تضمن الزيادة في أجور الأساتذة فضلا عن ملفات فئوية أخرى. ورُغم إعلان طي مشكل التعاقد عقب اجتماع ثان يوم 18 دجنبر 2023، استمر الاحتقان واستمرت معه التنسيقيات في الإضراب ورفض العودة للأقسام.
كانت اللجنة الحكومية قد اجتمعت مع كل من الجامعة الوطنية للتعليم، النقابة الوطنية للتعليم، الجامعة الحرة للتعليم، النقابة الوطنية للتعليم 6 اجتماعات، أفضت إلى توقيع اتفاق يتضمن زيادات في الأجور، فيما استمعت الحكومة للتنسيقيات وطلبت بعدها مهلة للنظر في مطالبها. ثم إعلان نهاية التعاقد مع إجراءات عديدة أعلنت عنها الحكومة في بلاغ لها يوم الإثنين 18 دجنبر 2023.
اللقاءات المذكورة عرفت حضورَ رئيس الحكومة عزيز أخنوش ووزير التعليم شكيب بنموسى، والوزير المنتدب المكلف بالميزانية فوزي لقجع، ووزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات يونس السكوري.
اللقاءات المُنعقدة، لم تَلقَ تفاعلاً ايجابيا منذ الوهلة الأولى، حيث عبرت الأطر التعليمية عن رفضها لمُخرجات الاتفاق ووساطة النقابات، كما عبرت عن رفضها لما أسمته “تراجع الوزارة عن محاورة التنسيقيات” وهو ما يضعنا أمام استمرار هدر الزمن المدرسي للمتعلم الذي وجد نفسه دائما، ضحية خلاف بين الأساتذة والوزارة الوصية.
خلص اتفاق 10 دجنبر إلى نقاط عديدة أبرزها إقرار زيادة عامة في أجور نساء ورجال التعليم، بمبلغ شهري صاف حدد في 1500 درهم، يُصرف على قسطين متساويين ابتداء من فاتح يناير 2024 – فاتح يناير 2025.
على الرغم من اتفاق 10 دجنبر، أصر الأساتذة على إسقاط الوساطة النقابية، وهو ما تكلل باجتماع حضرته اللجنة الحكومية إلى جانب عضوين يمثلان التنسيق الوطني، بحضور الجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي.
هذا اللقاء وعدت فيه اللجنة الوزارية بحل الملفات العالقة وسحب النظام الأساسي واسترجاع الاقتطاعات شريطة العودة للأقسام. غير أن استمرارية الاضراب حالت دون ذلك وتضعنا على المحك مرة أخرى.
وللمرة السادسة، اجتمعت اللجنة الوزارية بالنقابات الأربع؛ وقد خلص اللقاء إلى الاتفاق على الطي النهائي لملف التعاقد وإلحاق أطر الأكاديميات بالوظيفة العمومية. كما تم التنصيص على مصطلح “موظفي وزارة التربية الوطنية” بدلا من مصطلح “الموارد البشرية” في جميع مواد النظام الأساسي.
حسب بلاغ للوزارة، فإنه سيتم تحديد مهام أطر التدريس وحصرها في التدريس والتربية والتقييم، والمشاركة في الامتحانات؛ مع حذف إطار “أستاذ التعليم الثانوي” من مواد النظام الأساسي، وإدماج جميع الأساتذة المنتمين لهذا الإطار، الذين تم توظيفهم منذ سنة 2016، في إطار “أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي”، مع الاستمرار في مزاولة بعضهم لمهامهم بسلك التعليم الثانوي الإعدادي لتغطية الخصاص بهذا السلك، وفتح الحق في المشاركة في الحركة الانتقالية السنوية في وجه المعنيين للعمل في سلك التعليم الثانوي التأهيلي.
وذكر البلاغ أنه تم الاتفاق على مواصلة تعديل مواد النظام الأساسي في أفق نهاية الأسبوع الجاري. فضلا عن مسارعة الوزارة للانتهاء من التعديلات وإخراج نظام أساسي في الأيام المقبلة.
مصادر داخل التنسيقيات قالت إنه يجري النقاش والتفاعل مع مجريات هذا الاتفاق. مبدئيا، ترفض التنسيقيات هذا النقاش وتطالب بالحوار مع من يهمه الأمر؛ مشيرة إلى أن الاتفاق لا يتضمن إدماج الأساتذة في أسلاك الوظيفة العمومية بمناصب مالية تُحدث في الميزانية العامة ضمن ميزانية موظفي الوزارة. فضلا عن مطالب عديدة لم يتم إدراجها وهو ما دفعنا للاستمرار في الإضراب.
هذا يضعنا أمام أزمة يظل المتعلم الحلقة الأضعف فيها، في ظل عدم ثقة التنسيقيات في حوارات الحكومة والنقابات وفي ظل التصعيد وتخوف الآباء من سيناريوهات مُحتملة قد تحمل الأسوأ للمتعلم.
مكتسب تاريخي
ناصر نعناع، عضو المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم، المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، أكَّد لمرايانا أن هناك صعوبات خلالَ المفاوضات الحالية، خصوصاً بعد انفراد الوزارة بإصدار النظام الأساسي، دون أخد بعين الاعتبار، ملاحظات النقابات الموقعة على اتفاق 14 يناير الحامل للمبادئ المؤطرة للنظام الأساسي.
هذا الانفراد سبَّب أزمة غير مسبوقة لأزيد من ثلاثة أشهر. المؤسف، يؤكد المتحدث، أن الحكومة تأخرت في التعاطي الإيجابي. لكن، بعد اللقاءات الأخيرة مع النقابات الأربع، تم التوقيع على اتفاق يهم الجزء الأول من المفاوضات، والمتعلق بتحسين الدخل لدى عموم نساء ورجال التعليم وزيادة 1500 درهم للجميع، ومراجعة لتعويضات مجموعة كبيرة من الفئات التعليمية.
يقول ناصر نعناع: “الكثير من رجال ونساء التعليم تلقوا الاتفاق بترحيب كبير، لكن مازال الحذر قائماً. هناك انتظارات أكبر لكن المفاوضات لم تكن سهلة، فهي غير مسبوقة في تاريخ قطاع التعليم والأيام المقبلة ستؤكد أن هذا التقدم مهم وأساسي جدا”.
نقابات “راكعة” واتفاق غير مرضي
من جهتها، الجامعة الوطنية للتعليم ـــ التوجه الديمقراطي، اعتبرت هذا الاتفاق مفتقراً للمسؤولية، ويحاول تقسيم مطالب الشغيلة التعليمية، وهذا يوضحه لمرايانا، كبير قاشا، عضو مكتبها الوطني.
يقول قاشا: “محضر 10 دجنبر يعبر عن غياب حس المسؤولية بالنسبة للموقعين عنه، فهو مناورة للالتفاف على مطالب الشغيلة التعليمية ومحاولة تقسيمها أكثر، وضرب وحدتها، ومن الضروري سحب هذا النظام الأساسي وإدماج الأساتذة وأطر الدعم في أسلاك الوظيفة العمومية”.
المسؤول النقابي يؤكد أن النقابات المحاورة للحكومة، كانت من وجهة نظره، أكثر اتكالية وانصياعا لتوصيات الحكومة. لذلك، فهي لم تدع لانخراط في أي إضراب، كما أنها لا تحاور، بل تقدم خدمات مجانية من أجل تحوير المعركة.
يقول قاشا: “لا يُمكن الوثوق في النقابات. المعول عليه هو التنسيقيات، أما الموقعون، فهم لا يلزمون الشغيلة، والدليل الأوضح هو أن نضالات الشغيلة التعليمية مستمرة. لا نرفض الرجوع لكن نرفض هاته المخرجات المغشوشة”.
عبد القادر غربي يعتبر في حديثه لمرايانا أن “النقابات لا تمثل التنسيقيات وهي خارج المعادلة، داعيا في الوقت نفسه، إلى ضرورة التراجع عن متابعة الأساتذة والأستاذات بسبب الإضراب، فضلا عن التراجع عن القرارات الإدارية الناتجة عن المجالس التأديبية وسحب كل قرارات التوقيف المؤقت عن العمل و “الاقتطاع من الأجور”.
يبدو أن أزمة الاساتذة لا زالت مستمرة، أزمة يؤدي فيها المتعلم الثمن في الوقت الذي تستمر فيه الدراسة بشكل عادي في مؤسسات التعليم الخصوصي يُحرم أبناء المدرسة العمومية من حقهم في التواجد داخل أسوار المؤسسات التعليمية.
هل ستسعى التنسيقيات لإيجاد حل توافقي مع الوزارة والعودة للأقسام بعد وعد الحكومة بتسوية الملفات العالقة؟ وهل سيحدث انفراج يُغلب مصلحة المتعلم أن استمرار الاضرابات قد يدفع بالحكومة إلى اتخاذ منعرجات أخرى؟