الزاوية والسياسة بين الاحتواء والعصيان: موقع الزاوية في منظومة الحكم 1/2 - Marayana - مرايانا
×
×

الزاوية والسياسة بين الاحتواء والعصيان: موقع الزاوية في منظومة الحكم 1/2

التماس بين الزوايا والسياسة يتحدد بموقعها والوظائف التي تقوم بها داخل المجتمع، فالسياسة تدبير للشأن العام وتحديد رؤية لقيادة المجتمع دينيا واجتماعيا واقتصاديا. هريمة يعتبر أن هذه الوظائف، قامت بها الزوايا في التاريخ المغربي.

علاقة الزاوية بالسياسة معقدة، منذ ظهور المد الصوفي بالمغرب. علاقة تأثير وتأثر. في بعض الأحيان، تتأثر الزاوية بالسياسة والسلطة الحاكمة، وأحيانا، تؤثر عليها.

كانت الزوايا إما مؤسسة داعمة للسلطة؛ أي خادمة لها وتابعة لها. وإما كانت خارج نفوذها، وهذا ما حدث مع الزاوية الدلائية التي عُرفت بتمردها حيث كانت زاوية معارضة للسلطة الحاكمة. إلا أن القاسم المشترك هو الفعل السياسي للزاوية وعلاقة هذه الأخيرة بالسياسة والسلطة والمخزن.

صراع الثابت والمتحول

يشير مقال معنون بـ “الزاوية بين الديني والاجتماعي والسياسي”، العدد 36 دجنبر 2020 لمجلة ليكسوس، وهي دورية متخصصة في التاريخ والعلوم الإنسانية، إلى ما تؤكده مصادر التاريخ التي تصدت للتأريخ للحركة الصوفية بالبلاد، بأن العديد من مكونات الحركة الطرقية انبنت علاقتها بالسلطات الحاكمة على احترام جميع سياساتها الموجهة للزوايا وللفقهاء و”أصحاب النسب الشريف” وغيرهم من أصحاب الحظوة في المجتمع، ولم تنبرِ لمعارضة قراراتها؛ أي أنها، حسب المصدر المذكور، اختارت طريق المهادنة والسلم والمرونة في تعاملها مع الحاكمين، في حدود ضمان مصالحها المادية، وبما يكفل لها الحق في ممارسة طقوسها وشعائرها، بدون قيودٍ تذكر.

مع ذلك، فإن بعض الزوايا عانت كثيرا، وفي العديد من الفترات، من محن وتضييق، خاصة في بعض الفترات التاريخية، التي تأثر خلالها بعض السلاطين بالفكر الوهابي الآتي من الحجاز في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي، وما استتبع ذلك من إجراءات تضييقية على الزوايا في وجودها المادي بالأساس.

ربما يصبح الأمر أكثر إثارة حين نتبين أن العلاقة بين الزوايا والمخزن، كانت في العموم علاقة مهادنة وتبادل خدمات… “باستثناء هذه اللحظة الصدامية مع السلطة في عهد السلطان المولى سليمان”.

من ثمّ، نجد في مقال المجلة أن بعض المصادر التاريخية، تسجل إقدام سلاطين آخرين على إعادة تجديد بعض الأضرحة لكبار الشخصيات الصوفية بالمغرب الأقصى، وإصدار ما يعرف في العرف المخزني بـ “ظهائر التوقير والاحترام”.

بالعودة لظهائر الاحترام، فقد سادت خلال تلك الفترة، وكانت تتيح لشيوخ الزوايا الحماية من أي أذى قد يلحقهم، والاستفادة من بعض الامتيازات، من قبيل رفع “الوظائف” و”الكلف”، مهما كانت طبيعتها، والإعفاء من واجبات الزكاة والأعشار، على أساس أن يقوموا بأنفسهم بتوزيعها على ضعفائهم وفقرائهم.

الباحث في أنثروبولوجيا التدين، أحمد صابر، في تصريح لمرايانا، يقول إن قراءة تاريخ الزوايا في المغرب قراءة لجزء هام من تاريخ وثقافة واقتصاد المغرب، ومن الحركة الاجتماعية بشكل عام. وإذا أردنا تعريفَ الزوايا بالنظر للجانب الرياضي والهندسي، يقول صابر، فهي نقطة لقاء محورين في نقطة معينة، فمعنى الزاوية تأخذه من التقاء النقطة التي يلتقي بها مستقيمان، أو طرفان أو جانبان. من هنا، لعبت الزاوية دورا اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، وكانت مركزا للاجتماع وللالتقاء حامت حوله ودارت حوله في كثير من القضايا ذات الابعاد المتعددة.

في المقابل، يرى يوسف هريمة، “الباحث في الشأن الديني”، أن التماس بين الزوايا والسياسة يتحدد بموقعها والوظائف التي تقوم بها داخل المجتمع، فالسياسة تدبير للشأن العام وتحديد رؤية لقيادة المجتمع دينيا واجتماعيا واقتصاديا. هريمة يعتبر أن هذه الوظائف، قامت بها الزوايا في التاريخ المغربي.

التنافس بين مؤسسة الزاوية وباقي المؤسسات الاجتماعية، كان حادا، خاصة مع مؤسسة السلطان ومؤسسة المسجد ومؤسسة المدرسة ومؤسسة الحكمة.

هل تجاوزت الزاوية دورها الديني؟

كان مجال نفود الزاوية يتجاوز مؤسسات عديدة، وهو ما مكنها من لعب أدوار سياسية مباشرة وغير ومباشرة، تتجاوز مؤسسة المسجد في التربية والتعليم، وتتقاطع من مؤسسة المخزن أو السلطة من حيث النفوذ. هذا ما يتفق حوله الباحثان أحمد صابر ويوسف هريمة، الذي يؤكد أنه على الزاوية أن تقوم بكل الأدوار الاجتماعية، فقد كان مجال نفوذها في بعض الأحيان يتجاوز بعض المؤسسات الأخرى، مما جعل من تعقيدات تركيبتها يتداخل مع مجالات أخرى، كما حدث في علاقة الزوايا بمؤسسة السلطنة إبان الحكم السعدي للمغرب، وبداية الحكم العلوي وعلاقتها بالمسجد والمدرسة خلال الفترة المرينية وبداية القرن العشرين.

حسب يوسف هريمة، فقد لعبت الزاوية أدوارا سياسية، إما بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر في تاريخ المغرب. ومن المعلوم أن الزاوية في الأصل هي مدارس تعليمية، وقد تتسع وتكبر لتتحول الى أبعاد اصلاحية مرتبطة بتغيير أحوال البلاد وأحوال الناس، وبالتالي فهي تصب في دائرة السياسة، وبهذا الشكل يكون لها موقف من السلطة المخزنية إما إيجابيا أو سلبيا في لحظة من اللحظات. يتغير الموقف تبعا للتحولات السياسية، من موقف إيجابي تجاه المخزن إلى موقف سلبي.

يرى أحمد صابر أن موقف الزاوية من المخزن ارتبط بمصالح اجتماعية واقتصادية، وقد يرتبط الأمر بمصلحة الزاوية أو مصلحة السلطة المخزنية، التي ترى أنها تؤدب هذه الزاوية أو تدفعها في اتجاه توسيع نفوذها وفق ما تقتضيه المصلحة السياسية.

زاوية السلطة وسلطة الزاوية

حسب أحمد صابر، المعطى الميثولوجي والإنساني للزوايا أو لثقافة الزاوية، متصل وممتد في المجتمع المغربي. لهذا، إذا كانت الزاوية التي يديرها الشيخ وله أتباع، فقد تجد حتى في سياق التداول السياسي شيئا من هذا المعطى حاضرا عند مجموعة من التجمعات السياسية، ومجموعة من الأحزاب، بالرغم من أنها تتصف بالثقافة التقدمية وبثقافة العصر، إلا أنك قد تجد أن زعيم النقابة وزعيم الحزب له نفس حضور الزعيم في الزاوية.

لا أحد ينكر أن للزوايا وظائف عديدة، على الرغم من الانزياحات الحاصلة عند الطرق الصوفية، إلا أنها كانت تقوم بأدوار كثيرة زمن الاستعمار، وهذا ما يتقاطع مع رأي الباحث يوسف هريمة، حيث اعتبر أن الزاوية مؤسسة تركيبية، قامت وتقوم بوظائف داخل وسطها الاجتماعي.

في حديثه لمرايانا، يقول هريمة إن فعل الصلحاء في المغرب، كان متمثلا في مواجهة المستعمر، والتأسيس لممارسة دينية ينتظم داخلها الأفراد عبر طقوس وأوراد وطرق معينة في التدين. ولأن الأمر الأول لم يعد ممكنا بعد الاستقلال، ستفقد الزاوية أحد أبعاد تأسيسها ومشروعيتها، في حين يبقى الأمر الثاني مستمرا في الزمان والمكان بالرغم من التحولات التي يعرفها المجتمع.

في المقابل، يذهب خالد التوزاني، الباحث في التصوف، إلى أن العلاقة بين الزوايا والسياسة ليست ثابتة، وإنما تتغير تبعاً لتغير موازين القوى: ضعف الدولة في بعض الحقب التاريخية كان ينتج عنه فراغ تملؤه الزوايا، واستعادة الدولة لسلطتها ونفوذها، ينتج عنه انشغال الصوفية بالبعد التربوي؛ تربية المريدين على مكارم الأخلاق وذكر الله ومحبة الخير للجميع.

يرى التوزاني أن هناك بعض الزوايا، لعبت دور المساند والوسيط في العلاقة بالسلطة، فيما زوايا أخرى، اختارت الابتعاد عن الشأن العام، والانعزال في الجبال والقرى، والاكتفاء بتربية المريدين، وهناك زوايا اختارت منافسة السلطة.

هكذا بدا لنا خلال هذا الجزء الدور المحوري للزاوية في علاقتها بالسلطة والتي تجاوزت البُعد الروحي والديني إلى بعد آخر سياسي. في الجزء الثاني سنحاول الكشف عن مآل الزاوية وأدوارها اليوم لنجيب عن سؤال ما وضع الزاوية الآن؟ أهي زاوية اله أم زاوية أم زاوية السلطان.

لقراءة الجزء الثاني: الزاوية والسياسة بالمغرب: السلطان وشيوخ الزوايا – حكاية “الحب المٌعلن” 2/2

مقالات قد تهمك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *