خرافة، ترهيب، وعيد وخطاب عنيف: تفسير ديني لظواهر طبيعية
التفسيرات الدينية تجد لها أتباعا ومريدين، خصوصا أن العاطفة الدينية تغلب على المجتمعات التي يمكن اعتبارها في أواخر قاطرة التقدم في جميع المستويات: سياسيا، اجتماعيا اقتصاديا، دينيا. حتى في الظواهر الطبيعية، قد تجد زعماء تيارات إسلامية يقحمون الدين في أشياء يرفضها المنطق الديني.
لم تكن ردود الأفعال حولَ الزلزال عادية بل إنها، في كثير من الأحيان، أبانت عن الكثير من الانزياحات، منها الأخلاقية والدينية، ومنها اللجوء لما يعتبره البعض “تفسيرات دينية”.
“تفسيرات دينية” انقسم حولها الناس، بين مستنجد بمنطق العودة إلى الله… ومنطق استغلال الكارثة الطبيعية، لممارسة الترهيب والوعيد.
رجعية وتخلُّف
عبد الرحيم أودمجان، الباحث في الدراسات الدينية، يقول في حديث لمرايانا إن التفسيرات الدينية تجد لها أتباعا ومريدين، خصوصا أن العاطفة الدينية تغلب على المجتمعات التي يمكن اعتبارها في أواخر قاطرة التقدم في جميع المستويات: سياسيا، اجتماعيا اقتصاديا، دينيا. حتى في الظواهر الطبيعية، قد تجد زعماء تيارات إسلامية يقحمون الدين في أشياء يرفضها المنطق الديني.
يقول أودمجان: “لنأخذ الزلزال الأخير كمثال: بمجرد وقوعه، تعالت الأصوات بكونه إنذارا من الله. المجتمع يتقبل هاته الأفكار لكون العاطفة الدينية متوغلة في المجتمع، والإنسان بطبعه يرتاح لمثل هذه التفسيرات التي تنهي عليه رحلة البحث عن إجابات علمية دقيقة للظواهر الطبيعية”.
حسب المتحدث، فإن هذه التفسيرات ليست وليدة اللحظة، بل قديمة، حيث إنه، حسب السرديات الدينية، نجد أنه عند موت ابن النبي، إبراهيم، قال الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم، فقام الرسول وصلى بالناس وأطال، ثم خطب فكان مما قال: (إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ولكنهما آيتان من آيات الله يريهما عباده فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة). بالتالي، فالحركات الإسلاموية، التي تدعي الدفاع عن الدين والثقافة الدينية تستغل مثل هذه السرديات، انتصارا لإيديولوجيتها.
يقول أودمجان: “لو كانت الظواهر الطبيعية عقابا إلهيا، لكانت الدولة التي تعيث في إفريقيا فسادا أول الدول التي تصيبها الكوارث الطبيعية بهذا المنطق. غير أن الناس يعشقون التفسيرات الدينية لأنها تمدهم بالراحة النفسية اللازمة. كما أن الخطابات الإسلاماوية ما هي إلا حملات دعائية لنوع جديد من الإسلام، يمكن أن أصفه بإسلام الخوف، أي التخويف والترهيب دون الترغيب والحب الإلهي”.
تطرف وإحسان
في حديث لمرايانا، يؤكد أسامة الطايع، باحث متخصص في خطاب التطرف، أن: “التفسيرات الدينية للظواهر الطبيعية، تكون فرصة أمام الجماعات الإسلاموية ، لتوسيع القاعدة الجماهيرية واستغلالها ضد منافسين، سواء كانت تيارات دينية أو سياسية أو مجتمعية”.
حسب الطايع، هذا الاستغلال يرتبط بحالة الخوف والحاجة إلى دعم نفسي، وأيضا تفسيري للفاجعة الطبيعية. كما أنَّ تحويل الخطاب الديني وتحويره مع ما يلائم أهداف الجماعات الدينية، خصوصا المتطرفة منها، دائما ما يوازيه اشتغالها في الجانب الإحساني، ما يرفع من مخاطر التطرف وعدم التجاوب مع المؤسسات الحكومية، والتي تكون بالأساس تعاني من هشاشة في البنية.
يُشار إلى أنَّ تقارير دولية نبهت وِفق الباحث، لخطورة خطاب المجموعات الدينية لتقوية السيطرة على الأمن الروحي للساكنة المتضررة، وأيضا تقوية جانبها المالي، حيث تعمد إلى السيطرة على جزء من الإعانات المالية”.
حسبَ الباحث، خلال الزلزال، عبر المغرب عن سلوك إيجابي من خلال تدعيم عمل مراكز الدعم النفسي المحلية التي تضم مستشارين نفسيين، كما تم اعتماد خطبة موحدة لصلاة الجمعة، إذ استمرت المؤسسة الدينية في عملها، فضلا عن تركيز الأطر التعليمية على الدعم النفسي؛ خصوصا أساتذة مادة التربية الاسلامية لما لهم من حظوة ومكانة محترمة لدى الساكنة.
خطاب وتواصل عدائي
راجت على مواقع التواصل الاجتماعي خطابات عدائية، وأخرى تحمل تشفياً ووعيدا بأن الزلزال عقاب للناس. خطاب تُغذيه نزعات عدائية، غير أنه يتسرب لمجموعات كبيرة من الناس، وهذا ما يفرض ضرورة التوقف عند الخطاب ودوره في التأثير على وعي العامة.
في هذا الصدد، يقول إسماعيل العمري، الباحث في تحليل الخطاب: “إن تفوق خطاب على خطاب آخر، رهين بمدى توفر القنوات التي تروج لخطاب دون الآخر، وبطبيعة الفئة التي تثق وتروج لخطاب على حساب آخر”.
يعتقد العمري أن ضعف القنوات التي يُمكنها صد الخطاب العدائي قليلة، وهنا مَكْمَنُ الخلل، فمن واجب المدرسة والجامعة والإعلام والمسجد تفسير الظواهر الطبيعية كأنها ظواهر عادية ناتجة عن أسباب جيولوجية ومناخية.
الترويج لخطاب الغضب والسخط الإلهي، والذي وجد له صدى في الخطاب العامي في الفضاء الافتراضي، مردُّه قوة الخطاب الترهيبي الذي أثر على عامة الناس في ظل الفضاء الافتراضي المفتوح الذي يتيح المعلومة للجميع.
يُجمع الباحثون والمتخصصون على أن التفسير الديني للظواهر الطبيعية تقدير خاطئ، خصوصا ذاك التفسير الذي يتجه إلى تخويف وترهيب الإنسان وزرع الرعب في النفوس مما يخدم نزعات التطرف ويغيب استعمال العقل وتدخل الطب لمعالجة الآثار العالقة في نفوس الناس.
لكن…
ربما لم يكن الكثيرون يتوقعون، أن يُخرج الزلزال في المغرب، ليس فقط دعاة الترهيب والوعيد والخرافة…
لم يتوقع الكثيرون، أن يعري الزلزال حقيقة حزب العدالة والتنمية، الذي قدم نفسه دائما كحزب سياسي معتدل، لينضم لجوقة الباحثين عن غنيمة من وسط الخراب… وليستغل جثت الضحايا ودماء الجرحى، بحثا عن انتصار سياسي حتى ولو كان الثمن، الدوس على الجثث وعلى الوطن… وعلى الدين نفسه.