رأس السنة الأمازيغية…. عيد رسمي يصالح المغاربة مع بلدهم
مصطفى القادري: الأيديولوجيات “الخبيثة” تراجعت في الواقع، لكن هناك من لازال مؤمنا بها ولازالت أنظمة تستفيد منها وتدعمها، ولو كان ذلك على حساب الثقافة الأمازيغية المغربية. لكن ما يهمّ الآن هو تثمين هذا القرار، ونتمنى أن يكون مرجعا لقرارات أخرى تصب في صالح الهوية المغربية.
بعد نضال طويل ومستمر للحقوقيين والديمقراطيين ومعهم الحركة الأمازيغية المغربية، أعلن بلاغ للديوان الملكي، الأربعاء 3 ماي 2022، أن الملك محمد السادس أقرّ رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية في المغرب؛ مع التأكيد أن الملك أمر بجعل هذه العطلة مؤدى عنها؛ على غرار فاتح محرم من السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية.
بلاغ الديوان الملكي، جاء فيه أيضا أنّ الملك محمد السادس أصدر توجيهاته إلى رئيس الحكومة قصد اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل هذا القرار الملكي السامي.
وحسب الديوان الملكي، فإن هذا القرار يأتي “تجسيدا للعناية التي ما فتئ يوليها الملك محمد السادس للأمازيغية باعتبارها مكونا رئيسيا للهوية المغربية الأصيلة الغنية بتعدد روافدها، ورصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء. كما يندرج في إطار التكريس الدستوري للأمازيغية كلغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية”.
قرار كان لابد سيأتي
أمام هذا القرار، علق الناشط الأمازيغي، الحسن باكريم، أنّ هذه الخطوة كانت منتظرة، وتمثل انتصاراً حقيقيًّا للنضال الأمازيغيّ وإقراراً لحقّ ظل مهضوما لعقود طويلة. لقد كانت كلّ المؤشّرات، يقول باكريم، تصبّ في اتجاه أن المغرب سيقر رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا وعطلة مؤدى عنها.
بالنسبة لباكريم، فإنّ الخيوط بدأت تتضح منذ إقرار الدستور المغربي بأن اللغة الأمازيغيّة لغة رسميّة، وإحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وتدريس اللغة الأمازيغية، وخلق القناة الأمازيغية، وقانون تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، إلخ.
الحكومتان السابقتين، حسب باكريم، ضيعتا عقداً من الزمن دون أية خطوة في هذا الاتجاه، لكن من الواضح أن منحى الانتصار للتاريخ بموضوعية وبعيداً عن الأيديولوجيا، كان سيد الموقف.
حسب ما قاله باكريم لمرايانا، فإنّ المغاربة بمختلف مرجعياتهم كانوا دائما يحتفلون برأس السنة الأمازيغية، وطبع ذلك جو من التعايش والإخاء والمحبة والتّصالح مع التّاريخ، وهو ما أدى دائماً إلى تحجيم الخطابات الشاردة التي تحرّم الاحتفال بِـ”إيض يناير”.
بالنسبة للمتحدث، فإنّ الاحتفال برأس السّنة الأمازيغيّة صار يبلغ مستويات مهمّة من الناحية المجتمعيّة، لكن أن يتمّ إعلانه عيداً وطنيًّا فهذا قرار تاريخيّ بامتياز.
الآن، يعتبر الناشط الأمازيغي أنّ “الوقت قد حان، لكي يتم النهوض بالإعلام الأمازيغي وبتدريس اللغة الأمازيغيّة”، داعيّا إلى وضع استراتيجيّة لحملة وطنيّة حول ترسيم اللغة الأمازيغية أكثر وأن يتم النهوض بأوضاعها بإنصاف ومعقولية.
تصالح مع الذات
الباحث في التاريخ، مصطفى القادري، يرى من جهته، أن هذه الخطوة تأخرت بسبب الحصار الأيديولوجي الذي فرضته بعض المرجعيات “السامة” و”الهدّامة”، التي كانت دوما دخيلة على البيئة المغربية الصرفة.
القادري أوضح في تصريحه لمرايانا، أنّ هذه الخطوة كانت ستتمتع بطرافتها أكثر لو تمت غداة الاستقلال مباشرة، لكنّ الأيديولوجيات القومية والسلفية التي انتعشت حينها، فرضت مسارا آخر للثقافة الأمازيغية عامّة”. لهذا، يضيف المتحدث، أنّ استدعاء عبارة “الإنصاف والمصالحة” سيكون ذا قيمة في هذا السياق، لأنها تبين تصالحاً مع الذات ومع الأرض ومع الواقع، وعودة التاريخ إلى مساره الطبيعي.
المغاربة، حسب القادري، يعرفون جيدا السّنة الأمازيغيّة، ولو كان ذلك بتسميّات مختلفة كالسنة الفلاحية أو “حاكوزة”، إلخ؛ بالتالي لم تكن هناك جدوى لهذه المماطلة وهذا التعنت، الذي طال لزمن طويل منذ خطاب أجدير (17 أكتوبر 2001).
الأيديولوجيات “الخبيثة”، يجمل المتحدث، تراجعت في الواقع، لكن هناك من لازال مؤمنا بها ولازالت أنظمة تستفيد منها وتدعمها، ولو كان ذلك على حساب الثقافة الأمازيغية المغربية. لكن ما يهمّ الآن هو تثمين هذا القرار، ونتمنى أن يكون مرجعا لقرارات أخرى تصب في صالح الهوية المغربية.