من نهاية التاريخ إلى نهاية السياسة… فوكوياما التواركي - Marayana - مرايانا
×
×

من نهاية التاريخ إلى نهاية السياسة… فوكوياما التواركي

ليس يهمني تحقيب فكرة مشاركة المعارضة في تدبير الشأن العام، ما يهمني حقيقة، هو هذه القدرة الرهيبة لدى كثير من المشتغلين بالسياسة -ولعل السيد بنكيران أكثرهم إثارة للجدل واغراء بالمتابعة، لما يتميز به من قدرة على اللغو أو بالدارجة على التسنطيح- وعلى لعب كل الأدوار في نفس الوقت وعلى تبني الموقف ونقيضه في نفس الآن. ولعل أبرز هذه التناقضات هي هذه القضية الأخيرة، فكم وجها يملك السيد بنكيران حتى يبرر ما لا يبرر، دون الإشارة طبعا الى اعتباره الزيادات التي حصل عليها الأساتذة الجامعيون رشوة، وهو الذي يحصد معاشا شهريا أثار عليه القيل والقال دون أن يرف له جفن.

نهاية التاريخ هي الأطروحة التي اشتهر بها المفكر الأمريكي ذو الأصول اليابانية فرانسيسكو فوكوياما، التي ضمنها في كتابه “نهاية التاريخ والإنسان الأخير”، والتي حاول من خلالها الدفاع بصيغة ما، عن التصور الأمريكي للعالم والإنسان بعد نهاية الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الامريكية وما كان يسمى سابقا الاتحاد السوفياتي، وانهيار جدار برلين.

مضمون الأطروحة باختصار شديد، هو أن العالم وصل ذروته، وأن الأيديولوجيات بلغت منتهاها، وأن سيادة النظام الرأسمالي واقتصاد السوق هي النظام العالمي الأصلح للإنسانية، رغم أنه تراجع عن هذه الأطروحة في واحد من مؤلفاته الأخيرة، أو لنقل، راجع هذا الموقف في كتاب “مطلب الكرامة وسياسة الضغينة”، أو مطلب الكرامة وسياسة الاستياء ” حسب اختلاف الترجمات.

في الحقيقة ليست تهمني في هذا المقام من أطروحات السيد فوكوياما إلا مسألة واحدة، قد أسميها الروح المنتجة للأفكار حسب السياقات وتبدل الأوضاع، وليس يهمني أمر أكثر من مصطلح النهاية، وما هو بنهاية، خصوصا وأنه راجع الفكرة وتراجع عن الأطروحة.

في بلد نعيش فيه ويعيش فينا، النهاية فيه أمر واقع ولا أحد ينظر. النهايات أمر واقع ولا أحد يدعونا لبداية جديدة. ثار مؤخرا بعض ضجيج، قد يكون الآن صار عابرا (لأننا تعودنا على الضجيج فقط) حول نائب الأمين العام لحزب، يقال عنه “معارِض”، يشغل منصبا لدى رئيس الحكومة “المعارَض”. ليس الأمر بجديد أن يشارك اسم أو أثنين أو أكثر من المعارضة في تدبير الشأن العام، فقد شارك عبد الرحيم بوعبيد، الزعيم الكبير، في الحكومة في ثمانينيات القرن الماضي، رغم أن حزبه، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كان قائد المعارضة عندما كان اسمها معارضة، وكان الحبيب المالكي يهندس مستقبل الشباب في عهد الحسن الثاني، رغم أن الصراع بين الحزب والقصر كان في أقصى مداه، لكن السياق غير السياق (لست هنا مدافعا عن الاتحاد)  فالقضية الوطنية حينها كانت في عنق الزجاجة والمغرب كان تحت رحمة القوى العالمية المتصارعة.(رغم أن الحبيب عاد من جديد بينما كنت قد أنهيت كتابة هذه السطور). مرة أخرى ليس يهمني تحقيب فكرة مشاركة المعارضة في تدبير الشأن العام، ما يهمني حقيقة، هو هذه القدرة الرهيبة لدى كثير من المشتغلين بالسياسة -ولعل السيد بنكيران أكثرهم إثارة للجدل واغراء بالمتابعة، لما يتميز به من قدرة على اللغو أو بالدارجة على التسنطيح- وعلى لعب كل الأدوار في نفس الوقت وعلى تبني الموقف ونقيضه في نفس الآن. ولعل أبرز هذه التناقضات هي هذه القضية الأخيرة، فكم وجها يملك السيد بنكيران حتى يبرر ما لا يبرر، دون الإشارة طبعا الى اعتباره الزيادات التي حصل عليها الأساتذة الجامعيون رشوة، وهو الذي يحصد معاشا شهريا أثار عليه القيل والقال دون أن يرف له جفن.

في تقديري أن الأمر يتجاوز السيد بنكيران وأشباهه من الساسة إلى ما خلفهم. كنت دائما أعتبر أن هناك خلف الشاشة من يمسك بجهاز التحكم عن بعد. للإشارة لست أفهم لماذا يستدعي السيد بنكيران في كل مرة مرحلة طفولته ويصر على ربطها بحي “تواركة”.

إذن لنطرح السؤال مباشرة.

ما السر الكامن في الأمر؟ ما الذي يريد أن يقوله لنا ذاك الذي يجلس خلف طاولة التحكم في مقطورة القيادة؟ ربما يريد أن يرسخ في الأذهان أطروحة نهاية السياسة كما تعارف عليها علماء السياسة.

السياسة، بما هي برامج ومخططات ومشاريع متعارضة متنافسة تحملها أحزاب متعارضة متنافسة تطوف بها في الأزقة والدروب، وتحملها شعارات لتقنع الناس بالاختيار. نهاية السياسة بما هي مشاريع مجتمعية مختلفة، وربما متضاربة، تطرح للمجتمع ليختار وفقا لما يراه مناسبا فيقوم من تم اختياره بتطبيقه، حتى إذا انقضت مدة انتدابه تمت محاسبته عبر صناديق الاقتراع.  نهاية السياسة بما هي تفضيلات بين مشروعين نابعين من تربة المجتمع، يعكسان ما يمور به من نقاش وتجاذب قيمي، هذا يدعو الى ليبرالية وآخر إلى اشتراكية، أو هذا محافظ وذاك حداثي تقدمي، وهلم جرا من مشاريع.

إلى وقت قريب اقترح علينا مشروع حزب أريد له أن يكون حزب الكل في الكل، ولولا حركة عشرين فبراير، ونسمات الربيع التي هبت علينا، رغم أنها استحالت خريفا، لكان في الأمر ما كان. وبعدها بقليل، وفي انتخابات تشريعية، تم تعديل الفكرة فقدم مشروعان مختلفان تماما، مشروع أصولي وآخر حداثي (في وقع الأمر لا الأصولي أصولي ولا الحداثي حداثي) فصالا وجالا فينا إقناعا، حتى ظننا أن مجتمعا حيا أفرز ما به من تجاذب، لكن نهاية الحكاية يعرفها الجميع، فقد تصالحا وتركا المجتمع في خصام وانفصام. قد لا أجانب الصواب إذا جزمت بأن ما يعيشه المجتمع من نقاش حول أي بلد نريد وأي مجتمع نحن لا يجد صداه أبدا في تصورات الأحزاب. لذلك كانت فكرة النموذج التنموي عنوانا لنهاية السياسة. فما الذي يقوله النموذج صراحة؟

إنه يقول لا داعي للتقاطب ولا التجاذب… إنهم يفكرون بدلا عنا ويقترحون. النموذج التنموي يقول لا حاجة لا لليمين ولا لليسار، كل شيء هاهنا جاهز. من منكم مستعد للتنفيذ؟

في بلد الاسثتناء، الأحزاب ومشاريعها لا تعكس ما يعيشه المجتمع وإنما تعتاش على ما يطرحه حامل جهاز التحكم عن بعد. نعم إنهم أو إنه لست أدري، يطبقون نظرية نهاية السياسة. لست أفهم كيف يفسر حزب معارض قبوله دعم سياسة حكومة يعارضها، بل يبني كل مشروعه على مهاجمتها؟ قد أفهم الفكرة في سياق انتقالي كما نظر له الانتقالوجيون، أي في اللحظة التي يقبل فيها عقلاء الطرفين المتصارعين الجلوس إلى طاولة واحدة، ويختارا التوافق لتجنب الصدام الكبير لتحقيق الانتقال. في البلد الذي أعيش فيه تحققت كل الانتقالات. انتقال ديمغرافي كبير (من 11 مليون ونصف سنة1982 إلى ما يزيد عن 37 مليون) وانتقال من الاستعمار الى الاستقلال وانتقال من الصدام الدامي الطويل الى الإجماع الوطني الكبير بعد المسيرة من 1965 إلى1975، وانتقال العرش بين ملكين 1999، وانتقال من هشاشة بنيوية الى تأهيل لا ينكره الا جاحد، فالبنية التحتية التي يتوفر عليها المغرب فعلا تبرز أن الاستثمار في الحجر كان أولوية بدل الاستثمار في البشر، لكن الانتقال الذي انتظره الجميع لم يصل قطاره بعد محطة نهاية السير.

فعلا لقد نجحت الدولة في رعاية النمو لكنها لازالت عاجزة وباعترافها عن تحقيق التنمية.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *