المدير العام لجمعية ECPM: “القتل المقنّن” لم يعد له مكانٌ في عصرنا، والمغرب يقترب من إلغاء عقوبة الإعدام
على هامش المؤتمر العالمي الثامن لمناهضة عقوبة الإعدام، الذي احتضنه العاصمة الألمانية برلين من 15 إلى 18 نونبر 2022، حاورت مرايانا رافايل شينويل هازان، المدير العام للجمعية الفرنسية “جميعا ضد عقوبة الإعدام” ECPM المنظمة للمؤتمر.
في هذا الحوار، يوضح هازان لماذا يعتبر طرح الإلغاء الشامل لعقوبة الإعدام مسألة حاسمة، وكيف أن نبذ العقوبة السالبة للحياة آخذ في التصاعد؛ بينما الأصوات الأخرى المناهضة لخيار الإلغاء باتت تنحصر بلا رجعة.
هازان أكد، خلال هذا الاستجواب، على أنّ المملكة المغربية، المشاركة بثقل في المؤتمر، تقترب شيئا فشيئا من قرار الإلغاء الرسمي، وتشريع هذا الإلغاء ليسقط من القانون الجنائي للمملكة، في أفق ملاءمة القوانين الوطنية مع مبادئ الدستور المغربي ومع القانون الدولي والاتفاقيات التي صادق عليها المغرب.
- رافايل شينويل هازان، أنت هو المدير العام لجمعية جميعا ضد عقوبة الإعدام ECPM. كيف بدأ انشدادك لخيار إلغاء عقوبة الإعدام في العالم؟
دعني أؤكد بداية أنّ انشدادي لهذا الموضوع ليس جديداً، فأنا أشغل منصب المدير العام للمنظمة الفرنسية “جميعا ضد عقوبة الإعدام”، ECPM منذ سنة 2009؛ كما أنني أيضا مؤسس ورئيس المنصة الفرنسية لحقوق الإنسان (PDH). أشتغل كمحامي متخصص في حقوق الإنسان، وفي مكافحة عقوبة الإعدام على وجه أخصّ.
ربّما أعدّ كذلك من الوجوه البارزة في حركة الإلغاء القانوني والفعلي لعقوبة الإعدام في جميع أنحاء العالم، إذ كنت أمينا عاما للتحالف العالمي ضد عقوبة الإعدام حتى سنة 2012، وشغلت منصب نائب الرئيس حتى عام 2017. أضف إلى ذلك أنني عضو في المجلس التنفيذي لشبكة تأثير إيران. أعدّ الآن وصيا على مبادرة ماريان لدعم المدافعين عن حقوق الإنسان ابتداء من سنة 2022، كما ساهمت في العام الماضي، في تأليف كتاب عن شروط “خلق بيئة داعمة للمجتمع المدني”، لفائدة المجلس الوطني الفرنسي للتنمية والتضامن الدولي CNDSI، وقمنا بالتركيز على محاربة تقلص أدوار المجتمع المدني في جميع أنحاء العالم.
هذه التوطئة ضرورية، لأبين أنّ الانخراط في النضال من أجل حقوق الإنسان يعتمد عندي على الالتزام الفعلي، وعلى التفاني والتمسّك التام بمشروعية حقوق الإنسان كونيًّا. لهذا، فاهتمامي ينصبّ على الفئات الأكثر تعرضا للعزلة والتهميش والإقصاء؛ أو كما قال الكاتب ألبير كامو: “يمكنك الحكم على مجتمع ما، من خلال كيفية معاملتهم للأشخاص الأكثر ضعفا في المجتمع”. بالنسبة لي، السجناء والمحكومون بالإعدام يقعون في خانة الحلقات الأضعف داخل أي مجتمع… كيفما كان!
يمكنني، أيضا، تعريف نفسي كمعارض لتجمعات الغوغاء الداعية إلى المزيد من القتل باسم القانون، أو بدونه. وأكثر من ذلك، أعتبرُ مناهضة الظلم باسم العدالة عقيدة عندي، أو لنقل العدالة المسرحيّة التي تدعي، يقينا، أنها “عدالة”. شاهدت عمليات إعدام تمت خارج نطاق القانون وداخله، وشاهدت الجلد العلنيّ في بلدان معينة، وكلّ هذه الفظَاعات تؤدي إلى تعميق إيماني بعدالة الشرط الذي أدافع عنه أنا وبقية زملائي، أي أنها تعمقّ جدا التزامي… حتى النهاية!
- نحن الآن نشهد اختتام المؤتمر العالمي الثامن لمناهضة عقوبة الإعدام؛ هناك أصوات “داعمة لطرح الإعدام” قد تتساءل عن جدوى تأكيد خيار الإلغاء أو لنقل عن الرّهان وراء المؤتمر، الذي ينظم كل ثلاث سنوات. كيف تردّ؟
في هذا العصر الحديث كليًّا، أجد أنّ التساؤل عن جدوى إلغاء عقوبة الإعدام هو بمثابة اعتبار العبودية أو التعذيب أمورا ممكنة في هذا الزمن. الإعدام لم يعد له مكان بيننا أو في أفقنا ونحن في القرن الحادي والعشرين. العالم أكثر أنسنة حاليا؛ والإنسان هو الكائن الذي يجب أن يحظى بحقوقه كاملة دون نقصان ودون تجزيء. هذا لا يقبل الخصوصية. لذلك، فاليوم، أرى أنه لا مفرّ من الإلغاء. العالم أصبح أكثر إدراكا بأن الإعدام ليس حلا، والجريمة لم تتوقف بتطبيقه مرارا؛ وأنه مجرد تكريس لفكرة الانتقام باسم القانون، فقط.
ليس ثمّة نظام عدالة يتسم بالكمال إطلاقاً، ويمكن أن يتم إعدام أشخاص أبرياء، وقد حدث هذا مرارا. لهذا، فالمؤتمر ينظم كل ثلاث سنوات، ليذكر بضرورة التعجيل، لأن الرهان أن نرى في غضون العقد أو العقدين القادمين كحد أقصى، عالما خاليا من عقوبة الإعدام… وأصلاً، وفي الواقع، ثلثا العالم ألغيا هذه العقوبة المتوحّشة، عمليًّا، في القانون والممارسة.
- لكن، بعد كلّ نسخة من المؤتمر، هل ثمّة من نتائج للإلغاء على أرض الواقع أم أنكم ترصدون استمرارا في إصدار أحكام الإعدام أو تطبيقها؟
كما رأيتَ خلال هذا المؤتمر، كان لدينا 3 دول مشاركة: زامبيا، سيراليون، ملاوي. هذه الدول جاءت للإعلان عن إلغاء عقوبة الإعدام، أو عن رغبتها في تقديم مشروع قانون إلى البرلمان. أعلنت جمهورية الكونغو التصديق على البروتوكول الاختياري الثاني للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وتشيلي تعلن أيضا أنها ستنهي عقوبة الإعدام بالنسبة لجميع الجرائم، بما في ذلك تلك المنصوص عليها في قانون العقوبات العسكري. أليست هذه نتائج ملموسة وقوية علينا دعمها لتحقيق الهدف الأسمى: الإلغاء الشامل لعقوبة الإعدام في جميع أنحاء العالم؟
المؤتمر العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام ليس ترفا تنظيميا، بل هو بالتأكيد الحدث الأكبر في العالم، الذي يسعى إلى التذكير بالهدف المشترك لكافة الحركات الحقوقية في العالم؛ وأن يتمّ تضمين ذلك في جدول الأعمال الدولي لدعم إلغاء عقوبة الإعدام. أدرك أنه في الوقت الحاضر، لازالت هناك صعوبات في فهم الإلغاء، وهناك حاجة إلى تصحيح الأفهام الخاطئة. لكن المؤتمر يمنح الصوت لأكثر الفئات صمتا أو إسكاتاً؛ بما في ذلك في أسوأ الأنظمة التي تعدم بشكل دوريّ. لاحظنا أنّ معظم هذه الأنظمة أدركت أنه من الصعب أكثر فأكثر تبرير موقفها في تنفيذ عقوبة الإعدام على الساحة الدولية.
- على ذكر بعض البلدان الأفريقية، لوحظَ أنّ حضور المغرب كان لافتا هذه الدورة أيضا؛ هل ترى أنّ المملكة المغربية يمكن أن تأتي للمؤتمر القادم وهي تحمل بدورها قرار إلغاء عقوبة الإعدام كنبأ للمنتظم الدولي؟
المغرب يشكل حالة خاصة جدا في هذا الموضوع، فهو لم يعدم أحداً منذ 30 عاما تقريبا. الدستور المغربي أيضا ينصّ على الحق في الحياة؛ ولنتذكر خطاب نونبر 2014 الذي وجهه الملك إلى المنتدى الدولي لحقوق الإنسان بمراكش، والذي أكد فيه الملك محمد السادس على كونية هذا الحقّ، حيث قال: “نشيد بالنقاش الدائر حول عقوبة الإعدام، بمبادرة من المجتمع المدني، والعديد من البرلمانيين ورجال القانون. وسيمكن هذا النقاش من إنضاج وتعميق النظر في هذه الإشكالية”.
هناك زخم حقوقيّ أيضا يتمثل في تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة، ويمكن أن ينطلق منه المغرب؛ إضافة إلى غنى وتنوع الحركة الحقوقيّة بالمغرب بشكل فريد ومدهش، إذ نعتبرها الأكثر تنوّعا ونشاطا في العالم، فهناك الجمعية المغربية لحقوق الإنسان AMDH، والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان OMDH وكذلك المرصد المغربي للسجون OMP، إلخ. كلهم يتّحدون ضمن الائتلاف المغربي لإلغاء عقوبة الإعدام.
هناك أيضا العديد من الشبكات التي تحارب عقوبة الإعدام بالمملكة المغربية، على غرار شبكة البرلمانيين ضد عقوبة الإعدام، التي يمثلها أكثر من 250 عضوا من الغرفتين؛ وكذلك شبكة الصحفيين وشبكة رواد الأعمال والعديد من الشّبكات الأخرى (الأساتذة والأطباء والفنانين…)، ولعلّ كلّ هذا يكشف عن إرادة عامة تناهض عقوبة الإعدام. هذه الإرادة محمولة على أكتاف المغاربة والقوى السياسية والجمعوية، وتنتظر فقط أن تترجم في القانون.
لو تأملنا وضع المغرب، فيبدو أن الأرضية خصبة للغاية، لأنه يعيش، بالفعل، في وضع إلغاء لعقوبة الإعدام، فهي لا تطبّق. الرهان الحقيقي الآن أنه ينبغي للمغرب أن يتقدم خطوة إلى الأمام، وأن يلغي رسميا عقوبة الإعدام وأن يزيلها من القانون الجنائي، لتجنب أي خطوة إلى الوراء في المستقبل. المغرب في إفريقيا وسيسعى إلى الانضمام لإفريقيا دائما، ومعظم بلدان القارة ألغت الإعدام كما هو الأمر أيضا في العديد من دول أمريكا الجنوبية وأوروبا.
شخصيا، متفائل جدا، وآمل حقا أن يصوت المغرب لصالح قرار الوقف في الجمعية العامة للأمم المتحدة في دجنبر المقبل، مثل العديد من الدول المجاورة الأخرى كالجزائر وتونس ولبنان. المغرب أكثر ارتباطًا من حيث القيم بأفريقيا وأوروبا، منه ببلدان مثل إيران أو المملكة العربية السعودية أو الصين، إلخ.
- في هذه النسخة من المؤتمر، كان التركيز أيضا على مشاركة الشباب (AbolitionNowTour)؛ وتم تأطير هذا الشباب ليحمل المشعل. برأيك، كيف يمكن أن يكون صوت الشباب وسيلة للضغط على الفاعلين السياسيين من أجل التوجه الفعلي نحو الإلغاء الشامل لعقوبة الإعدام؟
صدقني، لقد تأثرت بشدّة بالدينامية والطاقة التي أعرب عنها كل هؤلاء الشباب القادمون من مختلف بقاع العالم؛ من المغرب ولبنان وولاية تكساس الأمريكية وإندونيسيا وكينيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
إنّ #AbolitonNowTour هي مبادرة أطلقتها جمعيتنا ECPM، وتم التهييء لشروطها قبل سنة، وذلك لتسهيل الربط بين الأجيال لكي تحمل الأجيال المقبلة المشعل. أنا متأكد من أن عقيدة الإلغاء ستنتشر إلى العديد من القادة الشباب الآخرين في جميع أنحاء العالم عبر هذه الوفود المتحمسة لدعم الحقّ في الحياة. الشباب هو المستقبل ببساطة. وهو قادر قطعا على وقف عقوبة الإعدام!
- المعركة الحقيقية، إذن، بين مختلف الأجيال المؤمنة بحقوق الإنسان هي تحقيق عالم حيث لا يمكن أن يُنتَزعَ من أي شخص حقه في الحياة ظلما أو باسم القانون. كيف تتصور الانتصار، أو ربما عالما بدون عقوبة الإعدام؟
سيكون عالما مدهشا ينتصر فقط لإنسانية الإنسان وحقوقه وكرامته. سيكون العالم حينها كما نريده وكما نتخيله؛ أو قل العالم الذي نناضل دائما من أجله. لا يمكنك أن تتخيل مدى اقترابنا من يوم الإلغاء الشامل لعقوبة الإعدام في الجزء الصغير المتبقي من العالم. وأنتم في المغرب، كشعب، عليكم أن تدركوا فقط أن السؤال الحقيقي ليس: هل سيلغي بلدكم الإعدام أم لا؟ المغرب أكثر جدية اليوم تجاه طرح الإلغاء؛ لذلك، عليكم أن تتساءلوا، ونحن معكم، فقط: متى سيتخذ بلدكم الخطوة؟ وهي قريبة جدا في ظنّي. الشروط موجودة كما قلت.
دعني أؤكد لك أنه، كلّما كان ذلك مبكرا كان أفضل، وخاصة أنّ المغرب لم يعد بعيدا جدا عن القيم الكونية التي تقدّس الكرامة الإنسانية وتحترم الحقّ في الحياة كمدخل طبيعي لممارسة كافّة الحقوق الأخرى.
مقالات قد تثير اهتمامك:
- الإنسان بين “إعدام” الوباء وإعدام القانون… هل حان الوقتُ لإلغاء عقوبة الإعدام بالمطلق؟ 1\3
- في اليوم العالمي لمنع الانتحار: لماذا ينتحر المغاربة؟ 2/2
- بوبكر لركو: النقاش حول إلغاء عقوبة الإعدام سيبقى مفتوحا
- بعض من كلام: المساواة في تونس… إنهم يغتالون الإسلام!
- لا أحد يعذر بجهله للقانون… فهل أنت مثقف قانونيا؟
- منظمة العفو الدولية: عمليات الإعدام في العالم تراجعت عام 2018 وهذا ما ندعو إليه الحكومة المغربية