هل تُغيِّر الممارسات السينمائية مدينة ورزازات؟ - Marayana - مرايانا
×
×

هل تُغيِّر الممارسات السينمائية مدينة ورزازات؟

إذا شاركت السينما في تطور حرية الإبداع والتعبير، وإذا كانت تتيح وصولا أسهل للثقافة الجماهير الشعبية، فيمكن، في ظروف معينة، استخدامها لأغراض دعائية. لذلك، نرى أن الممارسات السنيمائية قد تساهم في تطوير سياسات المدينة، ومن هنا تكون هذه الممارسات أحد أبعاد عالم مدينة ورزازات

هذه ثلاث إجابات ممكنة عن السؤال:

أولا: السينما، كفن، هي بمثابة نشاط إبداعي، فهي ليست إنتاجا، إذ ليس المقصود منها تحويل مدينة ورزازات كجزء من العالم إلى مصنع انتاج سينمائي، وهنا تفهم “ورزازات” كمدينة- طبيعة.

ثانيا: السينما كمهنة وكحرف تدين بوجودها للبعد الاجتماعي، نظرا لأن لها منافع اجتماعية مباشرة ولأن لها فوائد تنعكس على صعيد السياسات المحلية للمدينة. زيادة على ذلك، إن “ورزازات” كمدينة، تعني شيئا آخر غير الجانب الواقع الطبيعي الخارجي الخام، إنها “ورزازات” التي تم تعديلها بالفعل بواسطة قوة التقنية. بالتالي، هي مجموع العلاقات التي ننسجها بشكل دائم مع ما ليس “نحن” كمتفاعلين مع هذه المدينة. فهي إذن، مجال لعلاقات متنوعة مع الـ “نحن”. بتعبير آخر، هي “طبيعة” بالمعنى الأول لهذه الكلمة، حيث أن المدينة تشتمل على الجاني الطبيعي، وهي كذلك تحفل بالانسان وبمجموع فعالياته التقنية كالمآثر التاريخية والقيم المحلية واللغة والتقاليد والعادات.

على هذا النحو، فإن الممارسات السينمائية تغير ورزازات لأنها تطور العلاقات النمطية أو تستبدلها بين الانسان ومجاله، بنوع معين مفتوح ناتج عن الخبرة.

ثالثا: بالإضافة إلى ذلك، فإن الممارسات السينمائية داخل ورزازات عينها تخضع لتحولات عبر تاريخ السينما في هذه المدينة، كما تساهم في التأثير على مسارها، أي مسار هذه الممارسات.

أولا\ السينما إبداع:

السينما كفن هي نشاط إبداعي لا يهدف إلى تغيير طبيعة ورزازات وتنمية واقعها اليومي. بتعبير آخر، لا تستهدف الممارسات السينمائية كفن، في المدينة، البحث عن الكفاءة التقنية في الانتاج أو الرفع من الانتاجية في القطاع السينمائي وغيره، وهذا هو سبب عدم اندماجها في صيرورة الشغل الذي ينتج بحد ذاته قيم المنفعة.

يميز أرسطو، في هذا الصدد، الجانب الأول؛ وهو التطبيق العملي، الذي يحيلنا على كلمة “ممارسة”، أي فعل صالح مباشرة للفاعل نفسه، عن الجانب الثاني؛ وهو: صناعة الشعر poiesis من حيث هي إبداع لشيء غير موجود.

معنى أن هذا الشيء غير موجود، هو أننا نصنع شعرا بدون أدنى فكرة مسبقة عن أثره، ومن هنا تتأسس صناعة الشعر على الابداع المتحرر من كل غاية خارجية. على ذلك، يقول كانط: “لا ينبغي على صعيد المبدأ، أن نطلق اسم فن إلا على الانتاج الحر، أي على الابداع الذي ينشأ عن إرادة حرة تجعل من العقل أساسا لأفعالها”.

إذا كان الإبداع السينمائي يطبق تقنيات، فإن ذلك التطبيق لا يقصد منه، كما هو الحال في الشغل والإنتاج، تطوير الطبيعة الخاصة بمدينة ورزازات وتعديلها بإعطائها شكلا منفعيا جديدا، كأن تتحول من شكل اقتصاد عائلي أو غير مهيكل إلى اقتصاد تضامني أو اجتماعي والذي يسمح لساكنتها بإتقان الممارسات السينمائية قدر الإمكان.

في أفلام: “المصارع”  Gladiator و “مملكة في السماء” Kingdom Of Heaven و”بابل” Babel، التي صورت في هذه المدينة، لا نألف تسويقا لمضمون تجاري أو اجتماعي مباشر خاص بها. و من ذلك فإن الممارسات السنيمائية تستهدف تقديم منظور سنيمائي فقط. مثالها المضاد ممكن من خلال التفكير في الزراعة التي تحول جوانب لبعض قرى مدينة ورزازات لصالح الساكنة المحلية، حيث لم أعرف قط أن الزراعة كفن، كانت فنا في وقت معين في هذه المدينة.

ثانيا\ تغير الممارسات السينمائية علاقتنا بورزازات:

من خلال إتاحة إمكانية وجود علاقة مختلفة مع ورزازات، فإن الممارسات السينمائية تغير علاقتنا بها. إنه لا يمكن اختزال ورزازات في الطبيعة أو في واقع خارج أذهاننا. إذا كانت كلمة “الذهن” تشير إلى عدة معاني منها: طرق التفكير والتخيل وإسقاط الذات على الوجود، فإنه لا توجد ورزازات كعالم خارج أذهاننا بشكل مستقل عن العلاقات المختلفة التي ننسجها، بشكل فردي و جماعي، مع الغير ووضعيات العيش ومع الطبيعة.

لنذهب أبعد من ذلك، أليس ما نسميه بشكل غامض “ورزازات” هو النتيجة، المؤقتة دائما، لمجمل علاقات متعددة؛ من بينها: ضعف البحث عن معرفة موضوعية تسمى جغرافيا “ورزازات”؟ فهناك العديد من الأشياء الأخرى، بدءا من العلاقة السنيمائية التي تحدد تفاعلنا مع مكونات المدينة. بهذا المعنى، تغير الممارسات السنيمائية عالم ورزازات من خلال تعديل العلاقات التي نتمتع به، خاصة عندما تجعلنا نكتشف المدينة من جديد. تدفعنا الممارسات السينمائية ليس إلى المحاكاة بل إلى حركة ذهنية نحو اكتشاف الطبيعة التي تختص بها المدينة.

هذا هو بالضبط ما يقوله برغسون عن الفن، معارضا نظرية المحاكاة عند أفلاطون وأرسطو في مقطع من كتابه “الفكر والمتحرك”[1]، حيث يقوم الفنان السنيمائي، الذي يصور داخل المدينة، بوظيفة الكاشف بالمعنى الفوتوغرافي للمصطلح، بعد تحميض الفيلم (النيغاتيف)، ويظهر الأشياء التي لم تصطدم بحواسنا وبضميرنا، يظهرها في طبيعة المدينة و في ذهننا، في داخلنا كما في خارجنا.

بالتالي، فإن المصور الفوتوغرافي، أو المصور السينمائي، يكشف في صورته عن العديد من الجوانب في طبيعة ورزازات التي لم نلاحظها؛ وأن الرسام يرينا في لوحته العديد من الجوانب في ذات الطبيعة التي لم نلاحظها. وبالمثل، و إذا أخذنا بعض شواهد أفلام سينمائية صُوِّرت جزئيا أو كليا في المدينة، من ديكور وأكسسوار ومشاهد و…، وهي تعرض في المتاحف أو في الأستوديو بالمدينة أو تعرض على الشاشة، تكون بمثابة مكونات وقتية تاريخية وجمالية ونفعية، نعيد من خلالها علاقتنا بالمدنية. وهنا نقول، بفضل الممارسات السينمائية نُجري على طبيعة ورزازات تغييرات لم نلاحظها ولم نقصدها ولم يكن لدينا عنها تصميم مسبق. فبرؤية سينمائية معينة لأناس المدينة وأشيائها، تصبح أو ستصبح شغلا جماعيا.

ثالثا\ تساهم السينما بشكل مباشر في تطوير الممارسات:

في هذا الجواب الممكن والثالث عن سؤالنا، سنحاول تسليط الضوء على علاقة الممارسات السنيمائية بذاتها. فعبر توسيع مفهوم الممارسات السنيمائية، تساهم السينما بشكل مباشر في تطوير تلك الممارسات عينها. فلأكثر من قرن بقليل، حقق تصوير الأفلام السنيمائية تطورا ملحوظا في مدينة ورزازات. لم يعد الوصول إلى مهنة السنيما محجوزا للنخبة السينمائية المحترفة. توضيحا لهذا، وحيث يتم توسيع مفهوم الممارسات السنيمائية إلى أنماط استقبال الفاعلين والمهتمين وإلى نشر أعمالهم، يمثل تطوير الدعم التربوي والبدء في إدراج الممارسات السنيمائية دمقرطة حقيقية: لدينا دليل على هذا في كل عام من خلال المبادرات الفردية أو من خلال مهرجانات الأفلام التربوية.

عندما نأخذ في الاعتبار الطابع التراكمي للممارسات الفنية، منها الممارسات السنيمائية، فإن الفاعلين والمهتمين، ولأنهم أنفسهم جزء من عالم ورزازات، على سبيل المثال، يخضعون هم لتنميات، في المقابل، ويحولون الواقع بحد ذاته. يشهد استيراد الصناعة السينمائية إلى ورزازات وتعميم وصولها للجمهور العام على تطويرات تتجاوز نتائجها، إلى حد بعيد، الزيادة البسيطة في عدد المتفرجين المحتملين، إلى حد توسع قاعدة المشتغلين بها سواء كانوا محترفين أو هواة.

إن النتائج المترتبة إيجابية وسلبية على حد سواء، لأنه إذا شاركت السينما في تطور حرية الإبداع والتعبير، وإذا كانت تتيح وصولا أسهل للثقافة الجماهير الشعبية، فيمكن، في ظروف معينة، استخدامها لأغراض دعائية. لذلك، نرى أن الممارسات السنيمائية قد تساهم في تطوير سياسات المدينة، ومن هنا تكون هذه الممارسات أحد أبعاد عالم مدينة ورزازات.

إذا خُلقنا مع الطبيعة، فإنها ليست طبيعة وفقط، فهي كذلك ما نصنع. إنها تستيقظ في ذهننا على الحياة. قال أوسكار وايلد في مقاله “تراجع الكذب”[2]: “إن الأشياء هي لأننا نراها، وما نراه، وكيف نراه، يعتمد على الفنون التي أثرت علينا”.

بعبارة أخرى، عالم ورزازات ليس سوى مجمل تمثلات السنيمائيين وكل الذين تأثروا بالممارسات السنيمائية، تجاه الواقع بناء على خبراتهم. هذه الخبرات تصدر مختلفة على طريقة خاصة، وهي نتيجة علاقة بين الذات والواقع.

لذلك، فإن عالم ورزازات لا يسبق النظرة التي نضعها عليه، بل إنه نتاجها.

هذا هو السبب الذي يكمن وراء أن الممارسات السنيمائية تغيرها.

[1] Henri Bergson. La pensée et le mouvant, (1938). PUF, Quadrige,1990. p.149 à 151.
[2]  Oscar Wilde, The Decay of Lying, First published (1889), republished in Intentions (1891).

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *