الأدب ”الجريء” في المغرب… نقد خلاق أم مجابهة لمجتمع غارق في التقليدانية؟ 2/2 - Marayana - مرايانا
×
×

الأدب ”الجريء” في المغرب… نقد خلاق أم مجابهة لمجتمع غارق في التقليدانية؟ 2/2

”ليس بين الكتب كتب أخلاقية وكتب منافية للأخلاق. فالكتب إما جميلة الـتأليف وإما رديئة. تلك هي خلاصة القول”، هكذا رد الكاتب الإيرلندي الشهير أوسكار وايلد على من انتقدوا ما وصفوه ”خلاعة” روايته ”صورة دوريان غراي” وعرضوها لمقصلة الرقابة.
في مجتمع مغربي مازالت شرائح واسعة منه غارقة في بعض مظاهر التقليد والمحافظة، كان من الطبيعي-ربما- أن يواجه هذا النوع من الأدب انتقادات لاذعة وأن يُتهم بالإسفاف، والانزياح عن عمق الأدب وشاعريته.

تابعنا في الجزء الأول من هذا الملف، نموذجين لروايتين مغربيتين، بصم من خلالها كل من محمد شكري ومحمد زفزاف على نهاية الهدنة المفترضة مع أدب يتعالى عن “النزول” إلى مدننا السفلية، ليختبر غواية الغوص في ندوب المسكوت عنه.

في هذا الجزء الثاني، نواصل اقتفاء أثر هذه النوعية من الروايات المغربية، من خلال “الحي الخطير” لمحمد بنميلود.

”الحي الخطير”..مغرب الأحياء الهامشية والأحلام الموؤودة.

فليمسكوا بقضيبي الذي سينتصب كمطرقة القاضي داخل فرج هذه الزنزانة المثيرة”، استعان محمد بنميلود بهذه اللغة ”الشارعية” القاسية، وبنفس ”ديستوبياوي” عميق، لينسف أسطورة ”الرباط..عاصمة الأنوار”، ويقدم رواية، صدرت قبل ثلاث سنوات، عن الأحياء الهامشية في العاصمة المغربية…أحياء ”الداخل مفقود والخارج مولود”.

كان مراد بطلا للرواية…

محمد بنميلود

عندما اعتقلوا خاله وقتلوه لتوجهاته الماركسية الانقلابية، اختار طريق الصعلكة والإجرام، وكأنه خلاصه الأخير للانتقام من المجتمع والعالم. ودع كتب خاله المتخمة بالأفكار الثورية التي كان يقرؤها دائما، وحلمه أن يصير مهندسا، لينخرط في عصابة إجرامية مع صديقيه رشيد وعبد الرحمان.

”اضطررنا إلى قتل شخصين، هاجمانا في طريقنا ذات مرة ونحن عائدين من عكراش بعد تسلمنا بضاعة حشيش”، كان بنميلود يسرد مغامرات الإجرام ب”استسهال”، وكأنه يصف مشهدا لشروق الشمس، لينغمس القارئ مع مرور الفصول في عالم سوداوي؛ يصبح كل فيه كل شيء مباحا.

اقرأ أيضا: ابن باجة… فيلسوفٌ ظُلِمَ حياً وميتاً

 في ”الحي الخطير”، استفحل كل ما يعارض القانون؛ القوادة وتجارة الخمور والحشيش والخيانة الزوجية وحرب العصابات. ما يعاب على الرواية هو الاسهاب في وصف بعض الشخصيات، هذا الوصف لم يخدم الحبكة وكاد يُسقطها في الحشو، حيث خصص الكاتب مثلا العديد من الصفحات لسرد جرائم الحرق والقتل المقترفة من”العربي الفرناطشي”.

”من يمت وهو يحاول أن يهرب من سجن صغير كهذا أو من سجن العالم أو الأرض الكبير فهو حر”، ختم الروائي والشاعر المغربي روايته بتيمة الهروب. مراد عاش وطأة الاعتقال السياسي والنشأة في حي خطير، وانتهى به الحال خلف القضبان، لذلك فقد استبدت به فكرة الهروب من السجن، ومن الحياة، ومن نفسه، ومن كل شيء…

الأدب ”الجريء”… نقد خلاق أم مجابهة لمجتمع غارق في التقليدانية؟

”ليس بين الكتب كتب أخلاقية وكتب منافية للأخلاق. فالكتب إما جميلة الـتأليف وإما رديئة. تلك هي خلاصة القول”، هكذا رد الكاتب الإيرلندي الشهير أوسكار وايلد على من انتقدوا ما وصفوه ”خلاعة” روايته الوحيدة ”صورة دوريان غراي” وعرضوها لمقصلة الرقابة.

الأدب رؤية واسعة للحياة، لذلك لا يمكن أن نجابه جموحه وإمكاناته الإبداعية بفزاعة ”الأخلاق” وخطره المفترض على قيم المجتمع.

اقرأ أيضا: الخبز الحافي… نقطة التحول الفارقة في حياة محمد شكري 2/2

في مجتمع مغربي مازالت شرائح واسعة منه غارقة في بعض مظاهر التقليد والمحافظة، كان من الطبيعي-ربما- أن يواجه هذا النوع من الأدب انتقادات لاذعة وأن يُتهم بالإسفاف، والانزياح عن عمق الأدب وشاعريته.

لم يسلم الروائيون المغاربة من اتهامات ”الغربنة”، بفعل تأثرهم بالأدب الغربي، فقبل أن تحقق القارة الأوربية الازدهار الذي ترفل فيه اليوم، عكَس الأدب الأوربي تردي الأوضاع الاجتماعية في القارة العجوز خلال القرنين 19 و20. هذا ما يعضد فرضية أن أدب العوالم السفلية المغربية كان محاكاة للأدب الغربي.

ردًا على هذا الطرح، يرى الروائي المغربي عبد المجيد سباطة إن ”الأدب المغربي لم ينطلق في صورته الحديثة إلا بعد الاستقلال، وبدا متأثرا إلى حد بعيد بالمدارس الأدبية الغربية والمشرقية، وذلك في سعيه الدؤوب للبحث عن هويته ومكانته الخاصة، ولكن تردي الأوضاع الاجتماعية في المغرب طوال السنوات التي أعقبت الاستقلال، مع تعثر معظم مبادرات التنمية، أمر شديد الوضوح، ولا يحتاج إلى استنساخ حرفي لما مرت منه أوروبا، وبالتالي فإن مناقشته وتسليط الضوء على مظاهره أدبيا، مسألة حيوية وشديدة الأهمية، كما أنها كفيلة بتحريك عجلة الإبداع المغربي وردم الهوة بينه وبين القارئ”.

لاشك أن النجاح الباهر لروايات ”الخبز الحافي” و”محاولة عيش”، أثار مسألة أخلاقية تتمثل في شبهة محاولة روائيين مغاربة محاكاة هذا الجنس الروائي، دون توجسِ من الرقابة، وذلك بحثا عن مآرب تجارية.

اقرأ أيضا: محمد زفزاف… دوستويفسكي الأدب المغربي!

عن هذه المعضلة، أكد الحائز على جائزة المغرب للكتاب في صنف السرد  سنة 2018، في تصريح لـ”مرايانا” أن”لردة الفعل هذه مفعولا عكسيا، فقد حاولت بعض الأعمال الأدبية المغربية التركيز على التيمات المتناولة في “محاولة عيش”، سعيا من مؤلفيها إلى خلق جدل تستفيد منها مقروئية هذه الأعمال. ربما أفلحت بعضها في ذلك، لكن معظمها سقطت في فخ النمطية والتكرار، وافتقدت ربما للأصالة التي ميزت رواية زفزاف، التي يعلم كل من عايش نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات في مدينة القنيطرة، بأن ما ورد فيها من تفاصيل، خصوصا ما يتعلق بفترة التواجد العسكري الأمريكي، هي مرتبطة بتفاصيل واقعية تماما”.

 

المصادر والمراجع:

1-أوسكار وايلد، صورة دوريان غراي، تعريب لويس عوض، دار التنوير.

2-محمد بنميلود، الحي الخطير، دار الساقي.

 

لقراءة الجزء الأول: بين”الخبز الحافي” و”محاولة عيش”.. أدب مغربي لم يُهادن بؤس الواقع وانتصر للمسحوقين. (1/2)

تعليقات

  1. سعيد المعنويات

    تحليلك وتعاطيك للموضوع في الجزء الاول من خلال اختيار روايتي “الخبز الحافي” لمحمد شكري ومحاولة عيش” لمحمد الزفاف كان موفقا بشكل كبير تحليل عميق وجميل حاول وضع القارئ في الصورة الحقيقية والتناقضات المرتبطة بالموضوع.
    تناقضات تعكس بلا شك صراع العقليات داخل المجتمع بين المحافظ والمتفتح.
    اما في الجزء التاني فرواية الحي الخطير خدمت الفكرة العامة بشكل جيد واعطى الرغبة والحماس في متابعة الموضوع
    اظن ان الأدب الجرئ في المغرب لا زال محتشما كما…..وشكلا….
    اتمنى لك التوفيق في قادم الأعمال. وشكرا على هذا التحليل الجميل والممتع…..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *