فرحات حشاد… أيقونة النضال التونسيةصنع بدايات التاريخ النقابي في المنطقة واغتالته منظمة سرية فرنسية...
في هذا البورتريه نتذكر سيرة فرحات حشاد، الرجل الذي يعد واحدا من أبرز رجالات الحركة الوطنية التونسية ورمزا من رموز النضال العمالي في العالم بأسره، على نحو جعل وقتها المستعمر الفرنسي يهابه، فلم يستطع حيال صعود نجمه شيئا… سوى مد أيادي الغدر نحوه.
لم يكن فرحات حشاد مجرد اسم في تاريخ تونس والمنطقة عموما… كان مناضلا بالغ التأثير. من أبرز رجالات الحركة الوطنية التونسية ورمزا من رموز النضال العمالي في العالم بأسره، على نحو جعل المستعمر الفرنسي يهابه، فلم يستطع حيال صعود نجمه شيئا… سوى مد أيادي الغدر نحوه.
في هذا البورتريه، نتذكر سيرة الزعيم التونسي فرحات حشاد.
ولد فرحات حشاد في الثاني من فبراير/شباط 1914، في قرية العباسية، شمال جزيرة قرقنة التونسية… رأى النور في أسرة فقيرة، أبوه كان صياد سمك سرعان ما توفي، ما سيضطره؛ أي فرحات، إلى ترك مقاعد الدراسة.
كانت العصامية عنوان حياة حشاد منذ باكر عمره… بدأ يشتغل ناقل بضائع في شركة للنقل البحري بمدينة سوسة، ثم ما لبث أن انخرط في العمل النقابي عام 1936 من بوابة الكونفدرالية العامة للشغل الفرنسية.
قاد حشاد إضرابا عماليا “ناجحا” بعد سنة، دفع الشركة إلى تنقيله إلى مدينة صفاقس، ثم انتهى به الأمر عام 1939 مطرودا من العمل.
اقرأ أيضا: عمر بن جلون… “شهيد” اليسار المغربي! 2/1
في صفاقس عاد حشاد إلى العمل عام 1943 موظفا عاما، فعاد بذلك ليستأنف نشاطه النقابي في اتحاد عمال صفاقس هذه المرة…
نشط فرحات جاهدا يدعو إلى المساواة بين التونسيين والفرنسيين من العمال، ومنحهم ذات الحقوق المدنية، قبل أن يأخذ في الدعوة إلى ما هو أكبر… الاستقلال عن فرنسا.
لكنه، عاما بعد ذلك، اختلف مع الاتحاد الإقليمي الذي كان تابعا للكونفدرالية الفرنسية، فاستقال من الاتحاد، وأنشأ بالمقابل مع عدد من زملائه، اتحاد النقابات المستقلة بالجنوب.
نشط جاهدا بعد ذاك يدعو إلى المساواة بين التونسيين والفرنسيين من العمال، ومنحهم ذات الحقوق المدنية، قبل أن يأخذ في الدعوة إلى ما هو أكبر… الاستقلال عن فرنسا.
نشاطه النقابي هذا عضده بعد ذلك بعدد من التحركات الوطنية والدولية، تكللت في الـ20 من يناير/ كانون الثاني 1946، بإعلانه إنشاء الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يعتبره البعض اليوم، أول منظمة نقابية في إفريقيا والمنطقة “العربية”.
حشاد انتخب يومها أول أمين عام للاتحاد، وهو بعد في الـ30 من عمره، ويشهد له التاريخ اليوم بتأطيره وتوجيهه لتحركات الشعب التونسي في فترة حرجة من تاريخه.
لا شك أن الاتحاد كمنظمة أسهمت كثيرا، بعد تأسيسها، في صناعة اسم فرحات حشاد، ومنحه توصيف الزعيم الوطني… حتى أن فرنسا لم تستطع حيال نشاطه الوطني شيئا.
اقرأ أيضا: الفرنكفونية في المغرب، لغة أم سلاح؟ 2/1
اعتقال فرنسا لشتى الزعماء والقادة الوطنيين التونسيين، مثل الحبيب بورقيبة، أسهم بقسط وافر في تولي حشاد مسؤولية قيادة المقاومة… هكذا، مع حلول عام 1952، كان قد تحول إلى رمز للحركة الوطنية والنقابات العمالية.
تباهى قاتل فرحات حشاد في فيلم وثائقي بثته قناة الجزيرة عام 2009 بجريمته، وقال إنه قام بأمر شرعي… ولن يتردد في إعادته إذا ما طلب منه ثانية!
غير أن الأمور عند هذا الحد، ستأخذ منحى آخر… فرنسا، التي بدأت تقلق فعليا من نشاطه الواسع وتأثيره البالغ، بعدما رأت أن انتهاج الكفاح المسلح قد صار سيد الموقف لدى التونسيين، وأن حشاد هو الذي يقف وراء ذلك… أخذت تفكر جديا في التخلص منه!
في حديث صحفي لابنه، تذكر الأخير أن أباه قال لعمه حين جاء يحذره من خطر يحدق به نتيجة لنضالاته: “لكي تنال تونس استقلالها، يجب أن أموت أنا، أو صالح بن يوسف، أو الحبيب بورقيبة”… كان حشاد لا يهاب الموت. كان مستعدا ليهب الموت جسده إن كان ذلك سيعجل بنيل بلاده الاستقلال.
أثناء ذلك، كانت منظمة تدعى “اليد الحمراء” تعمل مع الاستعمار الفرنسي، قد شرعت في نشر تهديدات لحياة فرحات حشاد، كما فعلت صحيفة اسمها “باريس” كانت تصدر في شمال إفريقيا، إذ قالت إن حشاد والحبيب بورقيبة هما رأس البلاء، والقضاء عليهما حفظ للكرامة والشرف الفرنسي.
اقرأ أيضا: المهدي بنبركة… من المعارضة والنضال الأممي إلى “الأسطورة”! 1\2
هكذا، صباح الـ5 من دجنبر/كانون الأول 1952، وبينما كان حشاد في طريقه إلى ضاحية رادس في العاصمة تونس، حيث يقطن، تعقبته سيارة حتى أطلقت عليه النار، ثم فرت هاربة…
اعتقال فرنسا لشتى الزعماء والقادة الوطنيين التونسيين، مثل الحبيب بورقيبة، أسهم بقسط وافر في تولي حشاد مسؤولية قيادة المقاومة… حتى تحول مع حلول عام 1952، إلى رمز للحركة الوطنية والنقابات العمالية.
أصيب حشاد في ذراعه وكتفه، وخرج من سيارته… ثم بعد ثوان، اعترضته سيارة أخرى، أجهزت عليه برصاصة في الرأس، لتنهي حياة رجل لا ينتهي تاريخه بالموت!
حين أعلن عن نبأ اغتياله، اجتاحت مظاهرات عارمة مناطق شتى في العالم، بخاصة منها التواقة للحرية، كما حدث في الدار البيضاء بالمغرب، حيث سرى إضراب عام في الـ8 من دجنبر 1952 واندلعت انتفاضة شعبية للتنديد باغتيال أحد أبرز رموز المقاومة في المنطقة.
اقرأ أيضا: محمد الزرقطوني: رجل تجرع السم… ليحيا وطن! 2/1
منذ ذلك الوقت وهذه الجريمة تثير الجدل، بيد أنه عام 1997، نشر عضو في منظمة “اليد الحمراء” يدعى أنطوان ميليرو، كتابا يحمل عنوان “اليد الحمراء: الجيش السري للجمهورية”، اعترف فيه بتنفيذ عملية الاغتيال بأوامر فرنسية.
بل وتباهى ميليرو في فيلم وثائقي بثته قناة الجزيرة عام 2009 بجريمته، وقال إنه قام بأمر شرعي… ولن يتردد في إعادته إذا ما طلب منه ثانية!
رغم الاستياء الكبير الذي خلفته هذه الاعترافات في تونس، والتي جعلت الاتحاد العام التونسي للشغل وعائلة حشاد وكذا منظمات حقوقية، ترفع ضده شكاوى قضائية في فرنسا عام 2010، إلا أنها في الأخير… قوبلت بالرفض!
فرحات حشاد دفن بداية في مسقط رأسه، قبل أن ينقل عام 1955 إلى مدفن آخر رسمي في العاصمة… ليصبح “أسطورة” تونسية تحتفل به اليوم سنويا في ذكرى اغتياله، حتى إنها أنشأت مستشفى جامعي في مدينة سوسة يحمل اسمه.