ادريس بن زكري… مهندس العدالة الانتقالية بالمغرب! 2/1
ادريس بن زكري… قاده عمله السري في منظمة “إلى الأمام” إلى قضاء فترة سجن دامت 17 عاما. حين خرج، وجه شراع نضاله نحو المجال الحقوقي، فنذر له ما تبقى من حياته، حتى صار يعرف بـ”مهندس العدالة الانتقالية” بالمغرب، قائدا لهيئة الإنصاف والمصالحة بتعيين من الملك؛ -وإن قوبلت موافقته على المهمة بكثير من التحفظ من قبل البعض-.
مع أن مرض السرطان لم يمهله للعودة إلى العيش بأرض قريته كما كان يحلم، ليترجل عن صهوة نضال حقوقي دام كثيرا، إلا أن تفاصيل حياته التي ناهزت 57 عاما، تؤكد أننا أمام رجل من طينة نادرة. رجل نذر حياته بأدنى تفاصيلها للنضال.
قاده عمله السري في منظمة “إلى الأمام” إلى قضاء فترة سجن دامت 17 عاما. حين خرج، وجه شراع نضاله نحو المجال الحقوقي، فنذر له ما تبقى من حياته، حتى صار يعرف بـ”مهندس العدالة الانتقالية” بالمغرب، قائدا لهيئة الإنصاف والمصالحة بتعيين من الملك؛ -وإن قوبلت موافقته على المهمة بكثير من التحفظ من قبل البعض-.
في هذا البورتريه، نتعرف إلى سيرة رجل مغربي، وهب حياته للنضال من أجل مبادئه ومن أجل حقوق الإنسان.
نشأة مناضل
في قرية آيت واحي بإقليم تيفلت، رأى ادريس بن زكري النور ذات يوم من عام 1950، وهناك درس تعليمه الأولي قبل أن يغادرها بعد بلوغه 15 عاما.
غادر إلى تيفلت نواحي الرباط، وحدث أن صادف هذا الانتقال أحداث 1965 بمدينة الدار البيضاء… أحداث خلفت أثرا عميقا بـ”الظلم” في نفس ابن زكري. في غضون ذلك، تشرب أفكار التنوير وافتتن بالفكر الثوري الذي غدا ظاهرة بين الشباب حينذاك.
اقرأ أيضا: المهدي بنبركة… من المعارضة والنضال الأممي إلى “الأسطورة”! 1\2
تفتقت أفكار ادريس اليسارية حين درس بثانوية الحسن الثاني بالرباط، من خلال أساتذته اليساريين وكذا قراءته لمجلة “أنفاس”، التي تعرف فيها على أعمال عبد اللطيف اللعبي وأبراهام السرفاتي وعبد الكبير الخطيبي وغيرهم ممن كانوا يكتبون بهذه المجلة، ذائعة الصيت، آنذاك.
قضى ادريس بن زكري من فترة السجن المحكوم بها، 17 عاما، قبل أن يعانق الحرية. وقد قال في حديث لصحيفة فرنسية عن فترة سجنه هذه: “نشعر دائما أن الجرح لم يندمل، لكنه ليس شيئا يفسدنا من الداخل. أقول نحن وليس أنا لأن كثرا واجهوا المصير نفسه”.
لم يتأخر ادريس بن زكري كثيرا، حتى انضم إلى المجموعة الطلابية للحزب الشيوعي المغربي، ثم احتك فيما بعد بـ”الماويين”، وهؤلاء كانوا يطمحون إلى “تغيير جذري” في المغرب.
هكذا، مع تأسيس منظمة “إلى الأمام” عام 1970، كان ادريس بن زكري من أوائل من التحقوا بها؛ بل إنه كلف بتشكيل الخلايا الأولى في مناطق زمور والغرب والأطلس المتوسط.
اشتغل ابن زكري طوال سنتين بعد ذلك مع جيل بكامله على إعادة النظر في ما عليه الدولة؛ ذلك أن روح التحرر بدأت تنضج فيه. وجه هؤلاء عملهم نحو اكتساح الجامعات والمركزيات النقابية ووسائل الإعلام.
مرارة السجن
خلال هذه الفترة، بدأ ابن زكري الدراسة في جامعة محمد الخامس بالرباط بشعبة الآداب الفرنسية. في الوقت ذاته، شرعت منظمة “إلى الأمام” في العمل السري للإفلات من الاعتقال، وأيضا لإشاعة الفكر الذي تدعو له.
اقرأ أيضا: مرايانا تستحضر سيرة عبد الرحيم بوعبيد، أحد أبرز المعارضين في تاريخ المغرب الحديث
هكذا، كان ابن زكري يعيش حياتين، إحداهما طالبا عاديا وأخرى لا يخبر بها أحدا. يشهد رفاقه بالدور الكبير الذي لعبه ابن زكري في المنظمة. نتيجة لذلك كان مطلوبا أولا لدى الأمن.
عانى ابن زكري من مشاكل صحية بعد ذلك، خفت بها عمله النضالي، فظل متخفيا في بيت صديقته الجامعية، التي ستصبح فيما بعد زوجة له، سنة كاملة، قبل أن ينتقل إلى الدار البيضاء، ليقيم في شقة كانت مخصصة للمنظمة، داهمتها قوات الأمن صدفة فيما بعد، لتحصل على صيد “ثمين”.
منذ هذه اللحظة، بدأت رحلة تعذيب ادريس بن زكري في درب مولاي الشريف، بجانب رفاقه الذين بلغ عددهم قرابة 105 معتقلا. ثم عام 1977، صدر في حقه حكم بالسجن لمدة ثلاثين سنة.
اقرأ أيضا: عمر بن جلون… “شهيد” اليسار المغربي! 2/1
أخذت أنشطة منظمة “إلى الأمام” تنحسر بسجن جل أعضائها، لكن ابن زكري استمر في نضاله بالسجن، فخاض بجانب رفاقه عدة إضرابات عن الطعام، من أجل الاستفادة من مكتبة وأيضا لمتابعة الدراسة. هكذا، أتم دراسته الجامعية من السجن فحصل على إجازة في الآداب الفرنسية.
قضى ادريس بن زكري من فترة السجن المحكوم بها، 17 عاما، قبل أن يعانق الحرية. وقد قال في حديث لصحيفة فرنسية عن فترة سجنه هذه: “نشعر دائما أن الجرح لم يندمل، لكنه ليس شيئا يفسدنا من الداخل. أقول نحن وليس أنا لأن كثرا واجهوا المصير نفسه”.
في الجزء الثاني، سنسير في دروب النضال الحقوقي التي سار فيها ادريس بن زكري بعد خروجه من السجن، ثم نرسم صورة للإنجازات التي حققها على رأس هيأة الإنصاف والمصالحة، في خطوة عده البعض بها مهندسا للعدالة الانتقالية بالمغرب.
لقراءة الجزء الثاني:ادريس بنزكري… من غياهب سنوات الرصاص إلى قيادة هيئة الإنصاف والمصالحة 2/2