تاريخ الصلاة الإسلامية: من تهجد ما قبل الإسلام إلى الصلوات الخمس
لعل أهم ملاحظة يقف عليها الباحث، هو غياب أي تأريخ للصلاة أو وصف لها في القرآن. برغم الحث الواضح في أكثر من آية على تأديتها، وربطها بفرائض الإيمان وغيرها من وسائل الترغيب، إلا أن النص القرآني لم يوضح صفتها أو مواقيتها أو كيفيتها، ولم يتمكن المفسرون من العثور على أي تلميح في هذا السياق، ما يجعل كثيرا من النقاط المرتبطة بالصلاة مجهولة.
في هذا المقال، تكشف مرايانا عن جزء من تاريخ الصلاة الإسلامية.
“صفة صلاة النبي”، “كيف كان يصلي النبي”، “الصلاة الصحيحة”… عناوين من بين آلاف العناوين تعج بها قنوات اليوتوب والكتيبات التي تباع على أبواب المساجد والمجلدات الفقهية… خلافات مشتدة بين المذاهب حول الإسدال أو القبض، وحول تفاصيل أخرى صغيرة، وصلت بالبعض أحيانا إلى التكفير…
أسئلة وتفاصيل كثيرة جاءت ضمن الكتب الفقهية والتعليمية. لكن السؤال الأساسي عن تاريخ الصلاة لم يتم طرحه: متى فرضت الصلاة؟ كيف كانت؟ ما هي أبرز تطوراتها؟
مناطق ظل كثيرة تحيط بهذا الموضوع، مع الإشارة أنه بالعودة إلى كتب التراث الإسلامي، نجد تضاربا كبيرا في المصادر الإسلامية حول ذات الموضوع. أما عند الباحثين المعاصرين، فلم نجد محاولات لاقتحام الموضوع، باستثناء الكتيب الذي أصدره المؤرخ الموسوعي جواد علي بدعم من جامعة بغداد، والذي سلط الضوء على بعض الفصول من تاريخ الصلاة، والذي نتخذه مرجعا أساسيا لنا في هذا المقال.
تشريع تدريجي وتاريخ مجهول
لعل أهم ملاحظة يقف عليها الباحث، هو غياب أي تأريخ للصلاة أو وصف لها في القرآن. برغم الحث الواضح في أكثر من آية على تأديتها، وربطها بفرائض الإيمان وغيرها من وسائل الترغيب، إلا أن النص القرآني لم يوضح صفتها أو مواقيتها أو كيفيتها، ولم يتمكن المفسرون من العثور على أي تلميح في هذا السياق، ما يجعل كثيرا من النقاط المرتبطة بالصلاة مجهولة.
لم يتفق العلماء على تاريخ فرض الصلاة في صيغتها الحالية، وإن كان المشهور أنها فرضت في ليلة الإسراء والمعراج. هنا، يظهر الاختلاف بينهم في تاريخ وقوعها، بين من يرجعها قبل الهجرة بثلاث سنوات، وبين من يقول إنه كان قبل سنة واحدة، وبين من يقول إنه كان بعد إعلان النبوة بخمسة عشر شهرا.
الأمر نفسه ينطبق على الوضوء، إذ يجهل الوقت الذي فرض فيه، فبينما تذهب بعض الروايات (كابن هشام في سيرته) إلى أن جبريل علم الوضوء للنبي خلال لقائه الأول به، فإن مصادر أخرى تسكت عن الموضوع، ليظل بذلك تاريخ فرضه مبهما.
من التوحيد إلى صلاة الركعتين
بحسب ابن حجر الهيثمي، فإن أول ما فرض على الناس، كان التوحيد فقط؛ ثم أضيفت صلوات الليل الواردة في سورة المزمل، والتي نسخت بالصلوات الخمس، ولم تكثر الفرائض إلا في المدينة.
في جميع الحالات، الأكيد أن الصلاة كانت في مكة، وأن النبي كان يصلي في مكة. حسب سيرة ابن هشام، فإن الرسول كان يصلي بخديجة التي توفيت قبل حادثة الإسراء والمعراج؛ كما أن الأمر بالصلاة لم يتم دفعة واحدة، فالوصول إلى الصيغة الحالية من الصلاة تم على مراحل، فصلاة الرسول في مكة كانت بركعتين، قبل أن تصبح خمس صلوات.
لم يتفق العلماء على تاريخ فرض الصلاة في صيغتها الحالية، وإن كان المشهور أنها فرضت في ليلة الإسراء والمعراج. هنا، يظهر الاختلاف بينهم في تاريخ وقوعها، بين من يرجعها قبل الهجرة بثلاث سنوات، وبين من يقول إنه كان قبل سنة واحدة، وبين من يقول إنه كان بعد إعلان النبوة بخمسة عشر شهرا.
يشير جواد علي إلى ورود الحديث عن الصلاة في سورة العلق: “أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى”، والتي تعرف بأنها أول سورة نزل بها الوحي –حسب أغلب العلماء- تؤكد على أن الرسول كان يصلي من بداية النبوة. كما استند الباحث إلى النقاش الذي ينقله المؤرخون، والذي دار بين النبي وأبي جهل بن هشام، عندما نهى هذا الأخير الرسول أن يصلي عند المقام، وتوعده وهدده، فرد عليه الرسول متوعدا بالآيات من 15 إلى 19 من سورة العلق، والتي ورد فيها: “كلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)”.
يستنتج جواد علي من خلال ما سبق، أن الرسول كان يصلي منذ أول دعوته، وأمام الناس في مكة حتى أصبح الأمر مستفزا لهم.
صلاتان في اليوم بركعتين
أورد صاحب السيرة الحلبية عن “مقاتل بن سليمان”: “فرض الله تعالى في أول الإسلام الصلاة ركعتين بالغداة، وركعتين بالعشي”… كما أورد البلاذري عن الواقدي أنهم كانوا “يصلون الضحى والعصر، ثم نزلت الصلوات الخمس قبل الهجرة.
كانت الصلاة ركعتين ركعتين، ثم نزل إتمامها بالمدينة للمقيم، وبقيت صلاة المسافر ركعتين ركعتين”.
التهجد لم يكن غريبا عن النبي، بل كان استمرارا لما كان يقوم به قبل البعثة، إذ كان يتعبد ويتحنث شهرا أو أقل لوحده بغار حراء، دون أن نتمكن من معرفة كيف كانت تتم العملية، وما هي طقوسه خلال ليالي التهجد هذه.
اتجه أغلب العلماء إذن، إلى القول إن الصلاة كانت عبارة عن صلاة الضحى وصلاة العشى أو العصر، وكل منهما عبارة عن ركعتين، لهذا عرفت بصلاة الركعتين؛ وظلت هي المفروضة طوال حياة أم المؤمنين خديجة، إلى غاية السنة الأولى من الهجرة، فزيد عليها وبقيت صلاة الركعتين لصلاة السفر فقط.
يذهب جواد علي إلى أن الفقهاء يعتبرون أن الصلوات الخمس التي نزل الأمر بفرضها ليلة الإسراء، هي خمس صلوات في اليوم، وكل صلاة بركعتين، وهو مذهب أغلب أهل العلم.
التهجد أول صلاة
يقود البحث في تاريخ الصلاة الإسلامية إلى الوقوف على أن الأصل فيها كان قيام الليل، قبل أن تعوض بالصلوات الخمس، وأن الرسول كان يتهجد الليل. بحسب ما أورد الطبري أنه “لما أنزل الله على نبيه (يا أيها المزمل) مكث النبي (ص) على هذا الحال عشر سنين يقوم الليل كما أمره الله، وكانت طائفة من أصحابه يقومون معه، فأنزل الله عليه بعد عشر سنين: (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وطائفة من الذين معك) إلى قوله: (وأقيموا الصلاة)، فخفف الله عنهم بعد عشر سنين”.
يخلص جواد علي، من خلال مقارنة الروايات الخاصة بتفسير سورة المزمل على اختلاف التفاسير، إلى أن “الأمر بقيام الليل وتلاوة ما تنزل من القرآن إذن، قد نزل في السنين الأولى من سنين نزول الوحي”. ويضيف أن “ما ذكره العلماء من تخفيف قيام الليل، والاقتصار على قراءة ما تيسر من القرآن، يحتم أن يكون نزوله بالمدينة لا بمكة. فآخر المزمل، وهو الآية العشرون من السورة، نزل بيثرب، ويؤيد ورود الزكاة في الآية: “أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة” نزولها بالمدينة. لأن الأمر بالزكاة كان في المدينة لا بمكة، ثم إن في الآية “وآخرون يقاتلون في سبيل الله”، ولم يفرض القتال إلا بالمدينة، فيكون ما ذكروه من أن قيام الليل كان بمكة، ومن أنه كان سنة أو عشر سنين بعد البعثة تناقضا”.
التهجد موروث ما قبل إسلامي
كان النبي، إذن، يمارس التهجد بمكة طرفي الليل والنهار، والتهجد عبادة معروفة في الأديان الأخرى كاليهودية والنصرانية، بل عدت من العبادات التي لها مكانة خاصة، ويقوم بها النساك والرهبان.
كما أن التهجد لم يكن غريبا عن النبي، بل كان استمرارا لما كان يقوم به قبل البعثة، إذ كان يتعبد ويتحنث شهرا أو أقل لوحده بغار حراء، دون أن نتمكن من معرفة كيف كانت تتم العملية، وما هي طقوسه خلال ليالي التهجد هذه.
كما كان هذا الاعتكاف أو التهجد معروفا بمكة من طرف المتدينين قبل الإسلام، ويذهب جواد علي إلى أنه كان من قبيل التفكر والتأمل في خلق السماوات والأرض وأحوال الكون.
كانت هذه بعض فصول من تاريخ واحدة من أهم العبادات الإسلامية، وهي الصلاة، التي ذهب بعض الغلاة إلى حد تكفير تاركها، والتي تحيط بها مناطق ظل كثيرة تتعلق بكيفية فرضها، وتوقيتها، وصفتها… وهو ما يسائل كل ما تقدمه المنظومة الفقهية وتحاول تقديمه على أنه الصلاة النبوية الصحيحة.
مقالات قد تهمك
الإسرائيليات في الثقافة الإسلامية: أصل الحكاية
من وقوف عرفة الى النحر: المناسك الأشد قدسية عند عرب ما قبل الإسلام 3\3
المساواة في الإرث في المغرب: الإرث…التاريخ … القوامة وسقوط العلة 3/3
ارزقنا اللقمة الحلال والحرام