سعيد ناشيد يكتب – كيف لا تكون أنت: ورشة تطبيقية
مختصر الحكاية من البداية إلى النهاية على منوال المشاهد التالية: المشهد الأول: عليك أن تتزوج. عليك أن تتزوج. عليك أن تتزوج… ثم ينتهي بك الأمر إلى استبطان توقعات الآخرين لتصير …
مختصر الحكاية من البداية إلى النهاية على منوال المشاهد التالية:
المشهد الأول:
عليك أن تتزوج. عليك أن تتزوج. عليك أن تتزوج… ثم ينتهي بك الأمر إلى استبطان توقعات الآخرين لتصير كأنها إرادتك أنت بالذات. بهذا النحو قد تتزوج في الأخير. وهذا مجرّد مثال واحد من بين أمثلة كثيرة، قد تحتاج إلى جذاذات لا يسعها المقام هنا.
المشهد الثاني:
عليك أن تنجب. عليك أن تنجب. عليك أن تنجب… ثم ينتهي بك الأمر إلى استبطان توقعات الآخرين لتصبح كأنها إرادتك أنت بالذات. بهذا النحو قد تنجب في الأخير. وهذا أيضا مثال على نفس المآل والمنوال.
المشهد الثالث:
عليك أن تنجب أخا أو أختا للولد أو للبنت… ولدان؟ سيحتاجان إلى أخت. بنتان؟ تحتاجان إلى أخ… ثم ينتهي بك الأمر إلى استبطان توقعات الآخرين لتصبح كأنها إرادتك أنت بالذات. وبهذا النحو تنجب اثنين، وثلاثة، إلخ.
اقرأ لنفس الكاتب: البطيخ واسم الجلالة
المشهد الرابع:
حين تتلاشى أحلامك وتتحكم طموحاتك، وتطمئن قلوبهم إلى أنك غارق في الوحل لا محالة مثلهم، فإنهم يبتعدون عنك لبعض الوقت قبل أن يعودوا إليك مع بداية أولى التجاعيد، لكي يلوحوا بتوقعاتهم الأخيرة:
لا تخضع وجودك لتوقعات الآخرين. فحين تسقط في الشقاء، لا أحد بوسعه مساعدتك إن لم تساعد نفسك بنفسك.
عليك أن تحج. عليك أن تحج. عليك أن تحج أيها الحاج… ثم تستبطن التوقع ويستهويك اللقب، وتنتشي حينا من الدهر بالمظهر الاجتماعي، لكن، بعد فوات الأوان، تزول النشوة ويظهر السؤال المؤجل: هل كنتُ كما أريد، أم كنت كما أرادني الآخرون أن أكون؟ بمعنى، هل كنت أصلا؟ هل كنت بالفعل؟ هل كنت؟ أم أني لم أكن سوى ظلا لظلال الآخرين؟ انعكاسا تافها للعناتهم؟
اقرأ أيضا: سناء العاجي تكتب: أن تكوني أُمّا… أو أن لا تكوني!
أما بعد، سرعان ما يصبح لقبك الجديد (الحاج) قيد الآخرين عليك، سلطتهم عليك، لعنتهم عليك. حسنا، بوسعك أن تضع مكان الحاج العديد من صفات التمجيد، مثل الشيخ، الفقيه، السيد، القديس، الوالد، الأب، إلخ، لا فرق. وستعلم بعد فوات الأوان أن تاج العوام له ثمن باهظ. وثمنه هذه المرة قيود ثقيلة على النحو التالي: “لا يليق بك أيها الحاج أن تفعل كذا!”. “لا يحق لحاج مثلك أن يفعل كذا!”…
لا تنتظر من الأشياء أن تأتي وفق توقعاتك. فأنت لست مركز العالم.
ثم يصبح حالك بين مآلين أحلاهما محزن: إما أن تستبطن قيود الآخرين وتستسلم بصمت وحزن في انتظار ساعة الرحيل، وإما أن تفعل كما فعل “الحاج قدور”، و”الحاج أبو شعيب”، و”الحاج ناصر”، وغيرهم، بحيث تقلب الطاولة على الوجوه، وتهدم السقف على الرؤوس.
ثم ماذا بعد؟ تعاود الزواج من بنت الجيران الصغيرة “زينب التي لا تزال تلعب”، مثلا، أو تبيع الإرث وتنفقه على الراقصة “نجاة المكتنزة” كمثال آخر، أو ربما “تعتدي” على أطفال القوم، أو أنك تبحث عن الفياغرا أو الأعشاب الموازية، وفي كل الأحوال فأنت لا تتورع عن اقتراف الرذائل الأشد سوءا طالما قررت التمرّد بعد فوات الأوان.
اقرأ أيضا: سناء العاجي: كلكم شركاء في الجريمة…
هذا ما أزعمه: في مثل هذه الحالات ليست الانحرافات الجنسية سوى أعراضا لأعطاب وجودية بالأساس. تماما مثلما أن عقدة الخوف من فقدان الفحولة أو الخصوبة ليست سوى تعويضا “جنسيا” عن عقدة الخوف من فقدان الحياة نفسها. من ثمة لا يمكن أن يكون العلاج إلا في المستوى الوجودي، ما يعني العمل على إصلاح الكينونة.
لا تلبِّ رغباتك على حساب صحتك الجسدية والنفسية والروحية. فالرغبات مثل الأطفال تحتاج إلى رعاية وتوجيه وتهذيب.
المطلوب بادئ الأمر هو الإصغاء إلى دروس فلاسفة الحياة. وهذه خطوط عريضة قد تناسب التمرين، والباقي يُترك للنقاش المفتوح:
خلاصة درس الفلسفة الكلبية (ديوجين): لا تخضع وجودك لتوقعات الآخرين. فحين تسقط في الشقاء، لا أحد بوسعه مساعدتك إن لم تساعد نفسك بنفسك.
خلاصة درس الفلسفة الأبيقورية (أبيقور، لوكريتيوس…): لا تلبِّ رغباتك على حساب صحتك الجسدية والنفسية والروحية. فالرغبات مثل الأطفال تحتاج إلى رعاية وتوجيه وتهذيب.
خلاصة درس الرواقية (زينون، إبيكتيتوس، أوريلوس…): لا تنتظر من الأشياء أن تأتي وفق توقعاتك. فأنت لست مركز العالم.