الأويغور… ما حكاية هذه الأقليّة المسلمة في الصين؟ 2/1
تُشير التقارير الدولية في السنوات الأخيرة إلى بلوغ معاناة مسلمي الأويغور في الصين من الاضطهاد الديني ما لم يسبق أن واجهوه، وتحدّثتْ عن معسكرات اعتقال لـ”إعادة التأهيل” يصل عدد من يقبعون بها إلى ما لا يقل عن مليون أويغوري. فما الحكاية إذن؟
92 بالمائة من سكان الصين ينتمون إلى “عرقية الهان”. كل ما عداها أقليات تعترف السلطة بـ55 منها.
بين هؤلاء، نجد من يدين بالإسلام أيضا. تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن عدد المسلمين في البلاد يبلغ 24 مليون نسمة، أي حوالي 1.8 بالمائة من السكان.
أما التقارير غير الرسمية، فتقدّر عددهم بما يربو عن الـ50 مليون نسمة. وتصل تقديرات أخرى بعددهم إلى 100 أو 130 مليون نسمة.
يسكن الأويغور إقليما يُدعى “شينجيانغ”، أو “تركستان الشرقية” قديما. يعني الاسم إذا ترجمناه إلى اللغة العربية، التخوم أو الحدود الجديدة.
مجمل المسلمين في الصين ينتمون إلى قومية تعرف باسم “هوي” أو “خوي”، وهم مزيج عرقي استقر بهم الحال في الصين مع “الفتح الإسلامي“.
هؤلاء يتحدثون باللغة الصينية. مبعثرون في البلاد وموالون سياسيا… إنهم “مواطنون بررة” مثل الهانيين.
خلف الـ”هوي”، تقع هذه الأقلية المُسلمة التي تُدعى “الأويغور”. “الإيغور” أو “الأغاورة” في مصادر أخرى.
اقرأ أيضا: الأكراد… أصدقاء الجبال، المشتّتون، وحلم الدولة الذي تجهضه لعنة التاريخ والجغرافيا 4/1
يسكن الأويغور إقليما يُدعى “شينجيانغ”، أو “تركستان الشرقية” قديما. يعني الاسم إذا ترجمناه إلى اللغة العربية، التخوم أو الحدود الجديدة. أما في الفهم الصيني، فيعني… إعادة الأرض إلى الوطن من جديد.
… وقد يُهيأ لمن لا يعرف الجغرافية الصينية أن الإقليم هذا صغير. لا. إنه بمساحة دول؛ أفغانستان وباكستان معا على سبيل المثال.
أو لنقل 1.6 مليون كلم مربع؛ 17 بالمائة من مساحة الصين؛ تحده ثماني دول؛ وأكبر إقليم ذاتي الحكم في البلاد.
يُجمع معظم المؤرخين على أن الأويغور من الأتراك، وكانوا قديما طائفة كبيرة قُدّر عددها بعشر قبائل، أو تسع في المصادر الصينية.
هذه المنطقة منذ القديم كانت تحظى بأهمية إستراتيجية بالغة. في الماضي، كانت تقع على طريق الحرير، بينما تتوفر في أيامنا هذه على أكبر احتياطي للنفط والغاز في الصين.
تُقدّر الإحصائيات الرسمية سكان الإقليم من الأويغور بنحو 11 مليون نسمة… أي نحو 45 بالمائة.
وهؤلاء يقضون مضجع بكين، على الدوام، لرغبتهم في الانفصال عنها… فما السبب يا تُرى؟ لا غنى، في البحث عن إجابة لسؤال مثل هذا، من العودة إلى التاريخ.
اقرأ أيضا: “التضليلُ أشد أنواعِ القمع”، والذئابُ لا ترعى الغنم…!
دائما ما كان تاريخ الأويغور محل خلاف بينهم والسلطة الصينية. فالأويغور يعودون بتاريخ حضورهم في الإقليم أو تركستان الشرقية إلى أربعة آلاف سنة.
يُجمع معظم المؤرخين على أن الأويغور من الأتراك، وكانوا قديما طائفة كبيرة قُدّر عددها بعشر قبائل، أو تسع في المصادر الصينية.
بالمناسبة، تعني لفظة الأويغور في اللغة التركية الاتحاد والتعاون، وما زالوا يتحدثون بهذه اللغة إلى أيامنا هذه، بجانب الأويغورية التي تكتب بالحروف العربية.
مع تمسكهم بالإسلام، شعر الحزب الشيوعي بالخطر إثر عدم امتثالهم لإيديولوجية السلطة… حينها، تشير المراجع التاريخية، أخذ يُحاول حثيثا “إبادة” هويتهم.
إنما… الذي يفصح عنه التاريخ دون تشكيك، أن الظهور الأول لهؤلاء كان عام 460م، وأنهم عاشوا في حكم “اتحادي” إلى عام 565م قبل أن يخضعوا لشعوب أخرى مثل الهون.
داموا كذلك لنحو قرنين من الزمان، ثم انتفضوا وأسسوا مملكة تمتد من منشوريا شرقا إلى بحر قزوين غربا.
ثم حوالي القرن الـ10م، أخذ الإسلام ينتشر في هذه المنطقة… وكان أن بلغ زعيم الأويغور أيامها، وكان يُدعى “ستوق بغراخان خاقان”.
اقرأ أيضا: لماذا تقدمت اليابان وتخلّف المغرب؟ 3/1
اعتنق خاقان الإسلام، فلحقته عشرات العائلات التي أخذت بدورها تُسهم في نشره… مع القرن الـ17م، كان الأويغور قد تحولوا إلى دين الإسلام بعدما اعتنقوا سابقا ديانات مختلفة مثل البوذية والزراديشتية والمسيحية.
الأويغور اليوم أغلبية سنية حنفية وأقلية شيعية إسماعيلية.
تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن عدد المسلمين في البلاد يبلغ 24 مليون نسمة، أي حوالي 1.8 بالمائة من السكان.
في القرن الـ17م ذاك، 1644م تحديدا، استلمت الحكم في الصين سلالة تشينغ… فطلب منها الأويغور دخول الإقليم (تركستان الشرقية) لتساعدهم على مواجهة المغول.
ولما دحرت جيوش تشينغ المغول… تنادم الأويغور. ذلك أن الصين، منذ ذاك، صارت تعتبر الإقليم تابعا لها.
أخذت الصين تُوطّن عرقيات أخرى في الإقليم وتسعى إلى تهجير الأويغور، وقد استمرت على مدى قرنين تُحاول إخضاعه لحكمها… حتى خضع عام 1875م.
خضع إقليم شينجيانغ إلى غاية القرن العشرين، وبدأ الأويغور يحاولون نهج الثورة على أمل الاستقلال.
اقرأ أيضا: هذه أبرز محطات حياة فلاديمير لينين!
أبرز هذه الثورات حدثت عام 1933م، وعام 1944م الذي أعلن فيه الأويغور تركستان الشرقية دولة مستقلة.
بيد أنّ تحالفا صينيا روسيا بقيادة الزعيم السوفياتي، جوزيف ستالين، لم يدخر جهدا في إجهاض هذا الاستقلال…
انخراط روسيا في هذه العملية، التي يُقدر عدد ضحاياها من الأويغور بنحو 10 آلاف، جاء بحسب بعض المصادر مقابل السماح لها بالتنقيب على النفط في المنطقة.
مع القرن الـ17م، كان الأويغور قد تحولوا إلى دين الإسلام بعدما اعتنقوا سابقا ديانات مختلفة مثل البوذية والزراديشتية والمسيحية.
وعام 1949م، حين أصبحت الصين تحت قيادة الحزب الشيوعي بزعامة ماو تسي تونغ، بدأ تاريخ الأويغور يُدون فصلا جديدا.
فمع تمسكهم بالإسلام، شعر الحزب بالخطر إثر عدم امتثالهم لإيديولوجية السلطة… حينها، تشير المراجع التاريخية، أخذ يُحاول حثيثا “إبادة” هويتهم.
مثل شروع السلطة في تنقيل الأويغور إلى أقاليم أخرى، مقابل المجيء بملايين المستوطنين من عرقية الهان إلى الإقليم.
عرقية الهان، بعدما كانت تُمثّل في القرن الـ20م، 10 بالمائة من سكان الإقليم، باتت اليوم تُمثّل 40 بالمائة، فيما تصل نسبة الأويغور، كما أسلفنا، إلى نحو 45 بالمائة.
في الجزء الثاني نتابع حكاية المعاناة والاضطهاد التي يحياها الأويغور اليوم في الصين.
لقراءة الجزء الثاني: الأويغور… بين حلم الانفصال وسياسة الحديد والنار الصينية 2/2