كيف نطهر الإسلام من الإرهاب ؟
منذ سقوط بغداد في القرن الثالث عشر الميلادي، انتهت الحضارة الإسلامية كحضارة مهيمنة، وتحول المسلمون إلى تابعين، قبل أن ينتهى أمرهم بشكل نهائي سنة 1924 بانتهاء الخلافة. حينها، دخلوا سردية كونية جديدة هي الحداثة، والآن هم في سردية أخرى جديدة هي العولمة والحضارة الرقمية. فما دور التراث القديم في مسايرة هذا الجبروت الكوني؟
أمام السيرورة التاريخية الجارية أمامنا، باعتبارنا مسلمين ثقافيا وحضاريا، لابد من التفكير في الطريقة التي يمكن بها للإسلام أن يتخلص من الإرهاب الذي يتم اتهامه به كلما وقع تفجير أو قتل أو عملية إرهابية.
الجواب واضح ومباشر ولا يحتاج تشقيق الكلام كما تزعم التيارات الفكرية والإيديولوجية، سواء تلك التي تعتبر الإسلام السبيلَ للنهوض -رغم أن هذه المشاريع متضاربة ومتناقضة ومتعددة إلى حد الملل-؛ أو تلك التي تعتبره أصل الداء والعائق أمام كل تقدم -وهي بدورها متعددة وكثيرة ومتضاربة-.
بعيدا عن هذه الثنائية المزمنة، فإن هناك طريقا ثالثا. نعيد إذن طرح السؤال بصيغة مختلفة: أين تكمن مصلحة الإسلام إن أراد أن يستمر ويساهم في النهضة الحضارية العالمية؟
الجواب واضح وضوح الشمس: هو أن يساير منطق التاريخ، وقانون المصلحة. لذلك، لابد للمسلمين اليوم التخلص من مجموعة من الأمراض التي تسكن الحضارة الإسلامية؛ وحين أقول المسلمين، لا أقصد بهم فقط أصحاب اللحى المتدينين أو الإسلاميين سواء إخوانا أو سلفيين أو شيعة، لكن أقصد بهم كل من ينتمي إلى هذه الحضارة ثقافيا؛ فحتى لو كان المرء ملحدا وغير مؤمن بعقائد الإسلام، فهو مسلم بالمعنى الثقافي للفظ.
لابد للمسلمين إذن أن يتخلصوا من الأمراض التالية:
أولا، النزعة المثالية: الكثير من حاملي المشاريع “الإسلامية” يعتبرون أن كمال التاريخ ونهايته، هو بتأسيس دولة كونية يسودها الإسلام، رغم أن تصور هؤلاء لهذه الدولة مختلف من تيار الى آخر ومن مذهب إلى آخر ومن مدرسة إلى أخرى ومن حزب إلى آخر.
يصل هذا الاختلاف حد التناقض، والدليل هو الصراعات المسلحة التي تنشأ بين الفصائل الجهادية مثلا في بؤر التوتر في الشرق الأوسط.
إذن، فالاعتقاد أنه، بتأسيس دولة إسلامية تطبق فيها شريعة السماء، ستتشكل نهاية التاريخ وكمال التاريخ الكوني هو مجرد طوبى ومثالية، تنفي الواقع نفيا وتذهب في عالم الخيال والاستيهامات والأحلام.
ثانيا، النزعة العالمية: وهي مرتبطة بالنزعة الأولى، وهي الاعتقاد بأن الإسلام دين كوني يجب أن يشمل العالم كله، وأن نحكم بشرع الله، وتعتبر الرسول هو أفضل الخلق، وبالتالي تدخل البشرية جمعاء تحت أجنحة الاسلام، أي القضاء على كل الثقافات والعقائد وتأسيس دولة الله الكونية.
اقرأ أيضا: من اليمن، حسين الوادعي يكتب: في تهافت دعوى “احترام المعتقدات”
ثالثا، النزعة الإرهابية: هذه النزعة مرتبطة بدورها بما سبقها، فالنزعة المثالية تجعل المؤمن يشتغل بعواطفه وخياله الجامح، ويسعى إلى تطبيق تصوره هذا على أرض الواقع. في تلك الحالة، يصبح الشخص في حالة هيجان وحماس يغيب معه العقل والواقعية، وهو ما يجعل الجهاديين مثلا -الذين يعتبرون، بالمناسبة، أصدق تعبير عن روح الإسلام ورسالته، لأنهم يطبقون مقولاته بالحرف، فهم جنود الله المجندة-، (يجعلهم) يرتكبون الفظاعات من قتل وجز للرؤوس وتفجير واستباحة للأرواح، في سعيهم لتطبيق طوباويتهم على الأرض.
كما أن هذه النزعة مرتبطة كذلك بـ “النزعة الكونية” لرسالة الإسلام، أي الرغبة في دك حصون الحضارة الإنسانية وتأسيس حضارة كونية واحدة. ولا أدل على ذلك مثلا إعلان أسامة بن لادن عن الجهاد العالمي وقصفه لأهم عواصم العالم لتطبيق رؤيته المثالية للعالم.
قد يعترض البعض بكون القوى العظمى هي التي صنعت ذلك، وهو اعتراض وجيه، ونحن لا ننفي تلك الفرضية؛ بل أنها قد تكون من صميم الصراع السياسي.
لكن، في نفس الوقت، إن كانت القوى العظمى قد هندست ذلك، فإن المادة الأولية التي وظفتها التيارات المتطرفة، سيكون من الحمق والعته أن ننسبها لـ ” الأمريكان”.
قد تكون الاستخبارات الأمريكية خططت لذلك، لكنها قطعا لم تصنع الأحاديث ولا الآيات الداعية إلى القتل والجهاد ولم تجند إبن تيمية ولا إبن حنبل ليكتبوا ما كتبوه.
زيادة على ذلك، قد نتفق على أن القوى العظمى اليوم توظف الأوراق الرابحة -التي تصب في مصلحتها-. لكن حروب الردة وصراع الخلفاء على السلطة وانقسام المسلمين إلى شيعة وسنة وخوارج، وجهاد المسلمين خارج الجزيرة العربية وأنهار الدم التي سالت في تلك الصراعات… هل نقول، وفقا لهذه النظرة الوسواسية والمؤامراتية للعالم، بأن أمريكا والماسونية هي من صنعتها؟
اقرأ أيضا: أحمد المهداوي يكتب: السلفية بالمغرب… غربة “اختيارية” خارج الزمن
إن هذا الاعتراض باسم المؤامرة هو من صميم فكرتنا، وهي أن أغلب المسلمين لا يضعون الواقع أمامهم ويحسبون حسابات الربح والخسارة، بل ينهلون دائما من حسابات الطوباوية والمثالية.
أخيرا، بعد أن حللنا النزعات المزمنة في الإسلام، لابد من الإشارة إلى أنها، في معظمها، تصب في المشكلة العامة التي تُكَوِّن صميم الإسلام عقيدةً وشريعةً وخلافةً وثقافةً، وهي إنصهار الزمني في الإلهي وإنصهار الأخلاقي في السياسي وإنصهار الفردي في الجماعي وإنصهار الايديولوجي في العقائدي.
إن الحل اليوم هو التخلص من هذه النزعات الثلاثة ونزع الإيديولوجيا عن الإسلام. وهذا ليس معناه أننا نتوفر على ترف الاختيار؛ فالواقع، كما قلنا، هو سيد الموقف. هو المهندس العظيم…
منذ سقوط بغداد في القرن الثالث عشر الميلادي، انتهت الحضارة الإسلامية كحضارة مهيمنة، وتحول المسلمون إلى تابعين، قبل أن ينتهى أمرهم بشكل نهائي سنة 1924 بانتهاء الخلافة. حينها، دخلوا سردية كونية جديدة هي الحداثة، والآن هم في سردية أخرى جديدة هي العولمة والحضارة الرقمية. فما دور التراث القديم في مسايرة هذا الجبروت الكوني؟
لا حظ لهم للأسف، إن لم يفهموا ما يجري أمامهم ويندمجوا في العصر… إنهم في حاجة إلى ما قامت به أوروبا خلال القرن الخامس عشر، وهو إصلاح ديني وثورة فكرية تدك النظرة القديمة والعتيقة للعالم، والإنخراط في العالم الجديد-رغم أننا بقوة الواقع منخرطون-. لكن، لابد أن نكف، كما يقول المفكر المغربي عبد الله العروي “عن الرقص المسعور على الذات المفقودة، فالرقص لن يحييها من رمادها”.
اقرأ أيضا: الإخوان المسلمون: خطّة الإخوان لأسلمة المجتمع والهيمنة عليه