هل أقصت وزارة التربية الوطنية بعض التلاميذ من الدخول المدرسي؟فاعلة جمعوية: "لست أدري إن كانت الوزارة تهتم بهؤلاء الأطفال، أم أنه لا حل لديها فآثرت الصمت"
هناك، في الدواوير النائية، حيث يرغب آباء عديدون في متابعة أبنائهم للدراسة ويبعثون بهم إلى مراكز من قبيل الداخليات ودور الطلبة وما إليها، تعيش معظم الأسر أسئلة حارقة حول تمدرس أبنائهم وبناتهم.
دخول مدرسي مثير للجدل ذاك الذي نشهده هذه السنة، بعدما تفاقمت وضعية وباء كورونا في المغرب خلال شهر غشت على نحو يطرح الكثير من الأسئلة حيال شمولية الصيغة التي تنتهجها وزارة التربية الوطنية لبدء الموسم الدراسي.
على أنه، إذا كان بعض الآباء مشغولين بسؤال المفاضلة بين التعليم الحضوري والتعليم عن بعد لأبنائهم، أو النظر في البلاغ الذي رأى فيه بعضهم تملصا للوزارة من المسؤولية، فإن آخرين يعيشون إشكالا أعقد.
هناك، في الدواوير النائية، حيث يرغب آباء عديدون في متابعة أبنائهم للدراسة ويبعثون بهم إلى مراكز من قبيل الداخليات ودور الطلبة وما إليها، تعيش معظم الأسر أسئلة حارقة حول تمدرس أبنائهم وبناتهم.
الوزارة أصدرت مذكرة تقع في نحو ستين صفحة حول الدخول المدرسي، إلا أنها لم تشر سوى في سطر قصير إلى احترام المعايير في الداخليات، دون إيراد أي تفاصيل.
كل الجهود التي بذلت في السنوات الأخيرة لمحاربة الهدر المدرسي صارت على مرمى هاوية. هذه المراكز، على ما يظهر، لا تتوفر فيها أدنى الشروط الصحية التي تسمح بمتابعة الدراسة في زمن كورونا، بينما تغط الوزارة في سبات يبعدها عن إيجاد حل.
اقرأ أيضا: لا تبيعوا الوهم للمغاربة! التعليم عن بعد…. لا زال بعيدا كل البعد
رئيسة لجنة تمدرس الفتيات القرويات، نعيمة الصنهاجي، تأسفت لعدم أخذ الوزارة بعين الاعتبار لوضعية هؤلاء الأطفال.
في حديث مع “مرايانا”، قالت نعيمة الصنهاجي إن الوزارة أصدرت مذكرة تقع في نحو ستين صفحة حول الدخول المدرسي، إلا أنها لم تشر سوى في سطر قصير إلى احترام المعايير في الداخليات، دون إيراد أي تفاصيل.
وتساءلت رئيسة الجمعية التي يقع مقرها بالرباط، وتشتغل مع الجمعيات المحلية في الجهة، عن الطريقة التي يمكن بها احترام هذه المعايير، مشددة على أن أول إشكال تطرحه متابعة الدراسة حضوريا في هذا الصدد، يتعلق باحترام تدبير التباعد الاجتماعي/الجسدي.
المتحدثة ذاتها أكدت أن هذه المراكز التي تشمل الداخليات ودور الطلبة وما إليها، يمكنها توفير المعقمات والمطهرات الكحولية والكمامات الواقية، غير أن طبيعة بنائها وتجهيزها تقف عائقا أمام احترام هذا التدبير.
وتابعت موضحة أن كل هذه المراكز تتوفر على أَسِرّة بطابقين تفصلهن مسافة دولاب صغير، مضيفة أن قاعات الأكل والمطالعة هي أيضا صغيرة؛ لا تسمح باحترام شرط التباعد.
واستغربت الفاعلة الجمعوية عدم تفكير الوزارة في هذه الإشكالية مع علمها بطبيعة هذه المراكز واستحالة ضمان المسافة الآمنة صحيا بين كل تلميذ وآخر، مؤكدة أن الأمر لا يتعلق بمائة أو مائتي تلميذ إنما بالآلاف منهم.
“ألا يشعر المسؤولون بهؤلاء الأطفال؟ أم أن لا حل لديهم، ففضلوا الصمت؟”، تتساءل الصنهاجي في حديثها مع “مرايانا”، مشيرة إلى أنها لا تمتلك أي حل سحري في هذا الصدد وأن التعليم في آخر المطاف مسؤولية في عاتق الدولة.
“في منطقة نواحي إملشيل مثلا، حيث لدينا مركز ترتاده الفتيات من دواوير أنأى، لا يملكون ربطا بالكهرباء حتى فكيف بالأنترنت!”.
وأفصحت أنها صارت تشعر بالحرج لأنها لا تعرف إن كانت هذه المراكز ستفتح أم لا، مؤكدة أنها لن تقوم بفتح أي مركز تديره دون رخصة من السلطات المحلية بما فيها الصحية، إضافة إلى موافقة الآباء والأمهات، مشيرة إلى أنها لا ترغب في تحمل مسؤولية إصابة أي فتاة بمرض “كوفيد-19”.
اقرأ أيضا: سياسة التعليم بالباذنجان
وتابعت أن اللجنة التي تترأسها تُدبر عملية استشارية مع الآباء والأمهات حاليا، غير أن الإشكال المتعلق بانعدام شرط التباعد الاجتماعي/الجسدي يبقى حاضرا: “إذا اختاروا جميعهم التعليم الحضوري لبناتهم، لا يمكنني المفاضلة بينهن. سأقترح عليهم توقيعا يعفيني من المسؤولية في حال إصابة إحداهن”.
أما إذا اختاروا التعليم عن بعد، فيبدو أنه ثمة إشكالات أخرى لا تقل تعقيدا عن إشكالات التعليم الحضوري.
نعيمة الصنهاجي، رئيسة لجنة دعم تمدرس الفتيات القرويات، روت لـ”مرايانا” بعضا من التجربة التي عاشتها بعد تعليق الدراسة الحضورية إثر الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية، وقالت إن اللجنة قامت بما في وسعها لتواكب الفتيات تعليمهن عن بعد.
اقرأ أيضا: من نيويورك، هشام الرميلي يكتب: حمار التعليم وبردعة المنياري
لكن اللجنة، إذ لم تجد أي مشكل لمساعدة الآباء والتلاميذ في بعض المناطق، واجهت في أخرى غياب أبسط الشروط لإنجاح العملية.
“في منطقة نواحي إملشيل مثلا، حيث لدينا مركز ترتاده الفتيات من دواوير أنأى، لا يملكون ربطا بالكهرباء حتى فكيف بالأنترنت!”، تقول الفاعلة الجمعوية، مُعددّة إشكالات أخرى تتعلق بمنسوب الوعي لدى الآباء، مشيرة إلى أن المستوى التعليمي لبعضهم لا يسمح بمراجعة الدروس مع أبنائهم.
هذه المراكز التي تشمل الداخليات ودور الطلبة وما إليها، يمكنها توفير المعقمات والمطهرات الكحولية والكمامات الواقية، غير أن طبيعة بنائها وتجهيزها تقف عائقا أمام احترام تدبير التباعد الاجتماعي/الجسدي.
وتابعت: “بعضهم لا يستسيغ أن يكون ابنه جالسا أمام الهاتف ويدرس. أو في غياب المدرسة، يحثون أبناءهم على مصاحبتهم إلى السوق أو المساعدة في أعمال منزلية”، مؤكدة أن المجتمع المدني رافق عملية التعليم عن بعد بكثير من التوعية.
الصنهاجي خلصت في حديثها مع “مرايانا”، إلى أن “إشكالية متابعة الدارسة في هذه المؤسسات معقدة، وما من حل شامل سوى حلول تتماشى مع كل حالة ومنطقة على حدة”.
اقرأ أيضا: أطفال مغرب اليوم… لكل زمن بيئته ولكل بيئة سلوكاتها! 2/1
وشددت على ضرورة الاهتمام بهذه الشريحة، مشيرة إلى أنها “واجهت صعوبات جمة في خضم الجائحة لمواكبة تلميذات؛ آباؤهن حصلوا على 800 درهما لكي تعيش أسرة بأكملها!”.
استغربت الفاعلة الجمعوية عدم تفكير الوزارة في هذه الإشكالية مع علمها بطبيعة هذه المراكز واستحالة ضمان المسافة الآمنة صحيا بين كل تلميذ وآخر.
لكن الوزارة، بحسب المتحدثة ذاتها، نأت بنفسها عن إشراك المجتمع المدني في إيجاد حلول: “تمتلك جمعيتنا صفة المنفعة العامة، إلا أن الوزارة لم تشركنا والمجتمع المدني كافة في الخطة الوطنية لمحاربة هذا الوباء”.
“لا نُشرَك في اتخاذ القرار، مع أنه إشراك دستوري… لا يتواصلون معنا إلا حين يرغبون في توعية المواطنين”.
الفاعلة الجمعوية تعتبر أن التعليم في آخر المطاف مسؤولية في عاتق الدولة، وأن المجتمع المدني عليه أن يواكب فقط… وتأمل ألا تكون هناك حاجة للجمعيات مثل جمعيتها في المستقبل، وأن تمكّن الدولة كل الأطفال من ظروف تعليم جيد.
شكرا لكم على المقال الرائع