محمد عزيز لحبابي… المفكر المغربي الذي كان ضمن أوائل المرشحين لجائزة نوبل في المنطقة
لنعثر على فيلسوف مغربي قبل محمد عزيز لحبابي، ربما علينا أن نعود حتى ابن خلدون أو ابن رشد… كان أحد السباقين إلى العمل الفلسفي بالمغرب في القرن الماضي، بل وقدم صرحا فلسفيا متكاملا كان به قاب قوسين أو أدنى من نيل جائزة نوبل للآداب عام 1987.
لنعثر على فيلسوف مغربي قبله، ربما علينا أن نعود حتى ابن خلدون أو ابن رشد… كان أحد السباقين إلى العمل الفلسفي بالمغرب في القرن الماضي، بل وقدم صرحا فلسفيا متكاملا، إذ أسس مفهوم “الشخصانية الإسلامية”، فكان بذلك قاب قوسين أو أدنى من نيل جائزة نوبل للآداب عام 1987.
نتحدث عن المفكر المغربي محمد عزيز لحبابي، الذي نفرد له هذا البورتريه، لنتعرف على بعض من أبرز أفكاره ومحطات حياته.
رأى محمد عزيز لحبابي النور في كنف عائلة متعلمة في الـ25 من دجنبر 1922 بفاس. كان والده تاجرا فيما كان جده يدرّس علم التفسير بجامع القرويين بذات المدينة، ناهيك عن علاقة قرابة مع شيخ الإسلام محمد بن العربي العلوي.
منذ باكر عمره، أُلحق لحبابي بالكتّاب ليحفظ القرآن، ثم لاحقا انتقل إلى مدرسة ابتدائية، وبعدها إلى ثانوية مولاي ادريس بفاس.
كانت للحبابي، إسوة بأقرانه من أبناء المغرب حينذاك، ميولات سياسية، نظرا لظرف الاستعمار الذي كان يرخي بظلاله على البلاد. هكذا، انخرط من خلال حزب الشورى والاستقلال في النضال من أجل تحرير بلاده واستقلالها.
لم يكن لحبابي يكتفي في حبه للمعرفة بالاطلاع وحسب، بل إنه نشر عام 1945، وهو الذي كان يبلغ آنذاك 22 عاما فقط، كتابا، بعنوان “مفكرو الإسلام”.
كما هي العادة، للنضال ضريبة دفعها لحبابي من جهته حبسا، أكثر من مرة، بل وتمادى المستعمر في غيه ومنعه من إتمام دراسته عام 1944.
مع كل ما كابده لحبابي، إذ يُروى أنه تعرض لإصابة بليغة في مظاهرة كانت تطالب بالاستقلال، إلا أن علامات حبه للمعرفة، بخاصة الفلسفة، كانت قد بدأت تبزغ… لم يكن في ذلك يكتفي بالاطلاع وحسب، بل إنه نشر عام 1945، وهو الذي كان يبلغ آنذاك 22 عاما فقط، كتابا، بعنوان “مفكرو الإسلام”.
الحقيقة أن لحبابي كان يَأثُر الدراسة عن السياسة. لذلك، بعدما ضايقه الفرنسيون في بلاده، رأى أن يرحل إلى بلادهم لمتابعة دراسته الجامعية، بإيعاز من نصائح أسداها له رفاقه في حزب الشورى والاستقلال.
حط لحبابي الرحال بفرنسا عام 1946، ثم أخذ يحصد الشهادات الجامعية واحدة تلو الأخرى. نال إجازة في الفلسفة من جامعة كان، وأخرى مماثلة من السوربون. ثم حصل على دبلوم المدرسة الوطنية للغات الحية بباريس، ودبلوم الدراسات العليا في الفلسفة من السوربون.
تَوج لحبابي مساره الأكاديمي في فرنسا بالحصول على دكتوراه من السوربون بميزة مشرف جدا. أطروحة سينشرها باللغة الفرنسية، عام 1954، في كتاب يحمل عنوان “من الكائن إلى الشخص… دراسات في الشخصانية الواقعية”.
نظير أعماله الكاملة، ترشح محمد عزيز لحبابي لجائزة نوبل للآداب، كأول مغربي وعربي، عام 1987، ووصل يومها إلى اللائحة القصيرة فيما فاز بالجائزة الشاعر الروسي جوزيف برودسكي.
لحبابي ابتداء من آخر عهده بإنجاز أطروحة الدكتوراه، اشتغل باحثا في المعهد الوطني للبحث العلمي في باريس؛ ثم عام 1959، عاد إلى بلاده المغرب، ليشتغل أستاذا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، التي سيعين بعد عامين من ذلك، عميدا لها.
في غضون ذلك، أسهم لحبابي عام 1961 في تأسيس اتحاد كتاب المغرب، الذي انتخب رئيسا له في المؤتمر الأول. ثم لاحقا أشرف على الجمعية الفلسفية المغربية، كما اشتغل مديرا لمجلتي “تكامل المعرفة” و”دراسات أدبية وفلسفية”.
انتمى لحبابي بالموازاة إلى مجموعة من الهيئات المعرفية، منها أكاديمية المملكة المغربية، المجمع اللغوي بالقاهرة، جمعية رجال الآداب بفرنسا، الأكاديمية المتوسطية بإيطاليا، والفيديرالية الدولية للفلسفة.
اقرأ أيضا: عبد الكبير الخطيبي… “الغريب المحترف”
ألف لحبابي مجموعة من الأعمال مثل “الشخصانية الإسلامية”، “من الحريات إلى التحرر”، “تأملات في اللغو واللغة”… ولم يقتصر على التأليف الفلسفي والمعرفي، إنما نقرأ له أيضا في الشعر “بؤس وضياء” و”يتيم تحت الصفر”، وفي الرواية “جيل الضمأ” و”إكسير الحياة”، وفي القصة القصيرة “العض على الحديد”.
كتب لحبابي باللغتين، العربية والفرنسية، وترجمت أعماله إلى لغات عديدة… نظير أعماله الكاملة، ترشح محمد عزيز لحبابي لجائزة نوبل للآداب، كأول مغربي وعربي، عام 1987، ووصل يومها إلى اللائحة القصيرة فيما فاز بالجائزة الشاعر الروسي جوزيف برودسكي.
ووجهت فلسفة لحبابي بالنقد اللاذع من طرف البعض، مثل محمد عابد الجابري الذي قال إنها لا تنتمي إلى الخطاب العربي المعاصر لأنها، في نظره، كتبت بلغة أجنبية.
يرى المفكر اللبناني موريس أبو ناضر في مقالة له عن لحبابي، أن قارئ مشروع الأخير الفلسفي، سيكتشف أن “فرادة هذا المفكر المغربي تعج بخصائص التفكير الفلسفي الأصيل كالاختلاف، والتفاعل، والمحاورة، وتنم عن فرادة فلسفية تتمثل في جمعه بين التأثير الديني السلفي المتنور، وبين تأثير المفكرين الغربيين أمثال بشلار ومونييه وبرغسون وسارتر”.
ويُلاحظ، وفق أبو ناضر، أن مشروع لحبابي الفلسفي مر بثلاث لحظات أساسية:
اللحظة الأولى هي “الشخصانية الواقعية” التي كانت نتيجة أطروحة الدكتوراه في الفلسفة حصل عليها لحبابي من جامعة السوربون في أوائل الخمسينات، وفيها فسح في المجال لفكرة الشخص والكائن والتشخصن والتعالي والزمان.
ثم اللحظة الثانية؛ أي لحظة تأويل لحبابي للتراث الإسلامي قبل وبعد نشوء الدعوة المحمدية التي جاءت بتصور ديني تنتفي معه القبيلة والعبودية والعشائرية، ومن ثم كرست الشخصانية الواقعية التي أراد صاحبها إظهار عدم تناقضها مع الدين الإسلامي.
اقرأ أيضا: عبد الرحمن بدوي… حين أنجبت مصر فيلسوفا وجوديا!
أما اللحظة الثالثة فهي لحظة بناء الغد بكل ما فيه من طموحات وتطلعات، بعيدا من فوارق العرق والجنس والدين والجهة والواقع، وبذلك يوضع الإنسان فوق كل اعتبار ويتم التطلع إلى استرداد كرامته وحريته.
لا بد بالمقابل أن نشير إلى أن فلسفة لحبابي قد ووجهت بالنقد اللاذع من طرف البعض، مثل محمد عابد الجابري الذي قال إنها لا تنتمي إلى الخطاب العربي المعاصر لأنها، في نظره، كتبت بلغة أجنبية.
رزئ المغرب في محمد عزيز لحبابي في الـ23 من غشت 1993 بالرباط، بيد أن الأخير دون اسمه قبل ذلك كأحد أبرز المفكرين في تاريخه الحديث.