كورونا يُسائل العثماني عن فيروس الرشوة
توهّمتْ كورونا أنّ الأمور صارت واضحة وبيّنة، لكنها أحست بنوع من الانكسار وخيبة الأمل بعد أن اتضح لها أن دار لقمان لازالت على حالها
مرّتْ كورونا أمام المبنى الذي يُرابض ويُقيم فيه السيد سعد الدين العثماني منذ بضع سنين، متوشّحة بغطاء يغطي رأسها بعد أن فطِنتْ أنّ رئيس الحكومة يؤمن وإخوانه في الحزب بأن شعر المرأة من جملة زينتها التي يحرم إبداؤها.
دخلت خلسة من الباب الرئيسي للمبنى وقد التصقت بيد أحد المسؤولين الذي لا يبذل أي جهد في الامتثال لقواعد السلامة المنصوص عليها، وذلك بحكم نفوذه في دواليب هذا المبنى.
وبعد أن التصقت بمزلاج باب مكتب السيد رئيس الحكومة الذي طرقه الموظف، انزلقت على البساط خوفا من أن يتم تعقيم الباب و القضاء عليها.
آنذاك، وبعد أن تأكدت من خُلُوّ المكان، قامتْ بمجهودات كبيرة لمضاعفة حجمها آلاف المرّات، فبدت جليّة للعيان بشكلها التاجي.
سيدي رئيس الحكومة، إن ما يهُمّني اليوم هو أن أعبّر لك عن الحيْف الذي أشعر به لكون الحكومة التي تترأسها تغاضت عن فيروس الرشوة الذي ينخر جسم هذا البلد منذ عقود من الزمن.
جزع رئيس الحكومة وذعر، وشرع في قراءة المعوذتين. اندهشت كورونا من جزعه ووهن جأشه، فحاولت قدر الإمكان طمأنته وإقناعه بأنها ليست من نفر شمهروش ولا هي بشيطان مارد، وأنها فعلا ذاك الفيروس الذي قال عنه السيد العثماني في بداية انتشار الوباء بأن المغرب غير مصاب به وحذّر المغاربة من تصديق الإشاعات.
أخبرته أنها، إن تجرأتْ وتسللّتْ لمكتبه، فلأنها أحسّت بنوع من الحيف لعدم تكثيف نفس الجهود للقضاء على فيروس آخر تعتبره أشدّ خطورة منها على مستقبل البلاد الاقتصادي و السياسي.
وضحت له أنها تعني بذلك فيروس الرشوة الذي ينخر كل القطاعات في بلاده، وكان السبب في حصد الأرواح نتيجة انهيار منازل وعمارات بسبب الغش في مواد البناء.
بصوت فيه نوع من المرارة، صرخت كورونا في وجه السيد العثماني، الذي واصل مذعورا تلاوة التعاويذ غير مُصدّق بأن الماثل أمامه هو فعلا فيروس كورونا التاجي المعروف بكوفيد19:
سيدي رئيس الحكومة، إن ما يهُمّني اليوم هو أن أعبّر لك عن الحيْف الذي أشعر به لكون الحكومة التي تترأسها تغاضت عن فيروس الرشوة الذي ينخر جسم هذا البلد منذ عقود من الزمن.
فيروس الرشوة وأنا توأمان أتيا من بويضتين منفصلتين، نتشابه في بعض الأشياء ونختلف في أخرى، ننتشر في واضحة النهار كما في جنح الظلام… لكن، لا أدنى مسؤولية لديّ في المشاكل المزمنة التي يعاني منها نظام الرعاية الصحية في بلدكم وفي ضعف الخدمات الصحية المقدمة، والتي من شأنها أن تقاوم وتضع حدا لاستشرائي…
ذلك كله نتيجة الاختلالات التي تعرفها الحكامة الصحية في بلادكم. وقد سبق لمنظمات دولية أن اعتبرت أن فيروس الرشوة في قطاع الخدمات الصحية قد تكون حدا بين الحياة والموت.
أما عن البحث العلمي، والذي يعتبر رافعة رئيسية لتقدم الدول والشعوب واحتلال بلدك ذيل المراتب، فهو راجع بالأساس لضعف الميزانيات المخصصة لهذا القطاع وتخصيص مقابل ذلك ميزانيات ضخمة تلتهمها تعويضات البرلمانيين وأجور الوزراء.
فيروس الرشوة وأنا توأمان أتيا من بويضتين منفصلتين، نتشابه في بعض الأشياء ونختلف في أخرى، ننتشر في واضحة النهار كما في جنح الظلام… لكن، لا أدنى مسؤولية لديّ في المشاكل المزمنة التي يعاني منها نظام الرعاية الصحية في بلدكم وفي ضعف الخدمات الصحية المقدمة، والتي من شأنها أن تقاوم وتضع حدا لاستشرائي
إنني، السيد رئيس الحكومة، ورغم طرق العدوى التي أتميز بها، فلست انتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان ولا نقيضا لها كما هو الحال بالنسبة لفيروس الرشوة الذي يقوض مقومات الديمقراطية ودولة الحق والقانون. ولقد ذهلت ووجلت بسبب التدابير الصارمة سواء الاحترازية أو الاستشفائية التي بادر المغرب إلى اتخاذها لمواجهتي كيفروس، وتساءلت بأسى عميق وبنوع من الغبن عن ضعف الالتزام السياسي للسلطات العمومية في مجال مكافحة فيروس الرشوة وتفشيه في دواليب إداراتكم وما له من انعكاسات على تعميق الفقر والفوارق الاجتماعية.
لقد تناسيتم أن البؤر التي استطعت إحداثها هي في واقع الأمر بؤر تتميز بالهشاشة والفقر المستشري في أوساط هذه الفئات نتيجة الآثار السلبية لفيروس الرشوة في تحقيق تنمية مستدامة حقيقية.
ظننت أنني سأكون وازعا لكي تستخلصوا العبر والدروس من تجليات الواقع الذي ساهمتُ في تعريته ونوع المخاطر التي تهدد بلدكم نتيجة سوء التدبير وضعف الحكامة العمومية، وأنكم ستبادرون للإعلان عن إجراءات صارمة لمواجهة فيروس الرشوة التي تشكل خطرا على الفرد والمجتمع والدولة وستعمدون إلى تحقيق انفراج سياسي بالإفراج عن سجناء الرأي، والكف عن التضييق عن حرية التعبير، واستعادة الثقة بين الدولة وباقي مكونات المجتمع وبث نفس جديد في الحياة السياسية في بلدكم، وتوحيد كل الصفوف والطاقات، ذلك أن أيّ فيروس لا ينتعش إلا في ظل أجواء تفتقد فيها العدالة الاجتماعية والإجماع الوطني.
توهّمتْ كورونا أنّ الأمور صارت واضحة وبيّنة، لكنها أحست بنوع من الانكسار وخيبة الأمل بعد أن اتضح لها أن دار لقمان لازالت على حالها. آنذاك، استرجعت حجمها الميكروسكوبي وولّتْ من حيث أتت تاركة سي العثماني وهو يُبسْمل ويتعوّذُ جهرا.
اقرأ أيضا: المغرب ومحاربة الرشوة: إجراءات عدة… لا تأتي أكلها في الواقع والتصنيفات العالمية!