#ألف_حكاية_وحكاية: ماما حداد… لغات وأطفال وعزوبية
كانت ماما حداد من تنجداد وتعيش في الرباط، مهندسة ديكور عتيدة. تسكن في أكدال بلا زوج ولا أبناء. تجاوزت الأربعين. متصالحة مع ذاتها وخياراتها في الحياة. كانت أخواتها الأربع قد …
كانت ماما حداد من تنجداد وتعيش في الرباط، مهندسة ديكور عتيدة. تسكن في أكدال بلا زوج ولا أبناء. تجاوزت الأربعين. متصالحة مع ذاتها وخياراتها في الحياة. كانت أخواتها الأربع قد تزوجن وأنجبن وكانت تعتني بأطفالهن من حين لآخر.
كانت تقول: “يكفيني أن أرى الأطفال من وقت لآخر. أن أصحبهم إلى المطعم أو البحر. لم أكن لأقدر على تربية طفل. إنها أخطر مسؤولية. أنا امرأة أنانية. لا أفكر إلا في نفسي واحتياجاتي؛ ولو أنجبت، لظلمت الطفل”.
لا تعرف لماذا تستمر في العيش على أرض لا تتحدث لغتها إلا مع البواب والخادمة.
كان لها عشيق فرنسي يأتي عندها من وقت لآخر. كانت تقول إن تلك الزيارات المتباعدة تكفيها، فهي ليست حمل حميمية رجل. لا تريد أن تقتسم حمامها وسريرها ومطبخها. لا تريد العيش مع رجل وتعتبر الزواج مهمة خارقة للعادة.
اقرأ أيضا: سناء العاجي تكتب: أن تكوني أُمّا… أو أن لا تكوني!
كنا نلتقي في مقهى بفال ولد عمير ونتحادث عن أمورنا الشخصية وحال الحركة النسائية. انخرطت ماما في بداية حياتها في الرباط بعد عودتها من باريس في جمعية نسائية وأصيبت بالإحباط من سلوكات المناضلات، التدافع على المراكز والحزازات الشخصية ونرجسية الجميع.
كانت تقول: “لقد خسرنا القضية بسبب النرجسيات المتضخمة للمناضلات”.
لم أكن لأقدر على تربية طفل. إنها أخطر مسؤولية. أنا امرأة أنانية. لا أفكر إلا في نفسي واحتياجاتي؛ ولو أنجبت، لظلمت الطفل”.
لم أكن أوافقها الرأي؛ فقد عرفت مناضلات حقيقيات يضحين بأنفسهن وبحياتهن من أجل القضية.
رغم اختلافنا، كنا نكن الود لبعضنا. نتحادث غالبا بالأمازيغية أو الفرنسية. كانت فرنسية ماما دقيقة وغنية. قراءاتها كلها بالفرنسية، وعملها أيضا. كانت تقول إنها غريبة عن لغة أهل البلد وأنها تحس كما لو أنها لم تعد من باريس.
في بعض الأحيان، تندم على تلك العودة. لا تعرف لماذا تستمر في العيش على أرض لا تتحدث لغتها إلا مع البواب والخادمة.
اقرأ أيضا: سناء العاجي تكتب: إنهن يتزوجن النساء!
كنت أجرها للحديث بالأمازيغية التي لا زالت تذكر منها الكثير. نضحك من لهجتها المتعثرة قليلا. نتحدث بالأمازيغة لنزر يسير من الوقت قبل أن ننقلب إلى الفرنسية لأن هناك أشياء لا نستطيع التعبير عنها بلغة أخرى. كانت الفرنسية تحررنا من الطابوهات التي تحفل بها لغتنا الأم.
كانت ماما تقيم وضعها على أرض الوطن وتقول:
“أنا تائهة لغويا. مشردة. أبكي بالأمازيغية وأنتشي بالعربية وأفكر بالفرنسية”.
كانت وكنت خليطا لغويا يصبو إلى التلاقح دون أن يصل إلى ذلك.
كان في ذلك غربتنا وغنانا على السواء.
اقرأ أيضا: ياسين عدنان: أنا لغاتي