من الأردن، بشار حداد يكتب: نحن أيضا اكتشفنا المؤامرة… مع السلامة
هل كان “الربيع العربي” (كما يحلو للآلات الإعلامية الكبرى تسميته)، ربيعا كما تعنيه الكلمة وكما يفهمه من يسمع بهذه التسمية؟ هل كان فعلا ربيعا سياسياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً حمل …
هل كان “الربيع العربي” (كما يحلو للآلات الإعلامية الكبرى تسميته)، ربيعا كما تعنيه الكلمة وكما يفهمه من يسمع بهذه التسمية؟ هل كان فعلا ربيعا سياسياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً حمل التغيير الإيجابي لتلك الدول؟ هل كانت هزيمة الأنظمة السادية والفاشية بداية ربيع حقيقي لبناءٍ فكر إنسان جديد ليكون هو حجر الأساس في بناء دولة المواطنة والقانون؟ أم أن الذي حدث كان عبارة عن كارثة حقيقية بمسمى كاذب قصد به عكس ما يعنيه المصطلح؟ والنتيجة هي أنْ حلَّت اللعنة الكبرى على حاضر ومستقبل هذه الدول وهذه الشعوب المنهكة والمتهالكة أصلاً والتي أرادت بهذا “الربيع” أن تخرج من قمقم الديكتاتورية والظلم والتضييق؛ فوصلت عن عِلمٍ أو جهل لقماقم أشد اسودادا وأكثر ظلماً، عنوانها الطائفية المقيتة والحروب الأهلية التي لم ترحم لا صغيرا ولا كبيرا.
تحولت منطقتنا وشعوبها الى منطقة “جهنم أرضية”، لا يمكن لأحد تنبؤ موعد إنطفائها أو استقرارها.
هل يٌعقَل أن تكون” نتائج الربيع” هذا، بأن يصبح القتل و الدم و الكراهية و العنصرية و قطع الرؤوس هي العلامة الفارقة في هذه الثورات ….؟ أم نبوءة وتحليل العلامة ابن خلدون صحّت حينما قال قبل أكثر من ستمائة عام إنه “أينما حَلَّ العرب حلَّ الدمار والخراب”
الإجابة دون أي مجاملة أو تجميل حول مصطلح “الربيع العربي”: لا بالتأكيد! لم يكن ربيعا ولا حتى جزءً يسيراً من ربيع. فما رأيناه ونراه ليومنا هذا ليس فقط دمار حجر وبشر، بل هو “نقمة انشطارية” قل مثيلها في التاريخ، إلا لدى صٌنّاع ومطوري أسلحة التدمير الذاتي في تجاربهم؛ فتحولت منطقتنا وشعوبها إلى منطقة “جهنم أرضية”، لا يمكن لأحد تنبؤ موعد إنطفائها او استقرارها.
لا أخفيكم قولا إذا قلت إنه لم تقنعني مئات، بل آلاف المقالات والتحليلات عن المستقبل الأفضل لتلك البلدان؛ بل كانت قناعتي دوما أن هذه التسمية المقصودة لم تتعدّ الاستغلال المقيت لما يسمى الرومانسية اللغوية للمعاني. رومانسية لغوية داعبت وما زالت تداعب عقول و قلوب كثير من أبناء هذه المنطقة، المتعبين بحياتهم و بوفرة مقدرات بلدانهم، لكن أيضا بوفرة سارقيها و قاتليها من أبناء نفس جلدتهم.
وللتوضيح، فقد أتاح لي العمل كناشط بمؤسسات المجتمع المدني على مستوى المنطقة الناطقة باللغة العربية، لقاء عدد كبير من الناشطين المدنيين والناشطين السياسيين من مختلف البلدان ومن مختلف التوجهات الفكرية و السياسية؛ وأخصٌ بالذكر هنا نشطاء بلدان ما يسمى بـ “ثورات الربيع العربي”: تونس، سوريا، مصر، ليبيا، اليمن، وأضيف لها العراق المنهك تاريخيا بكل ما مر عليه من كوارث إنسانية وسياسية واجتماعية واقتصادية، أوصلت هذا البلد صاحب الإرث الحضاري والثقافي الكبير، ليكون مع أغلب تلك الدول في أسفل قوائم التصنيف الدولي لأغلب المؤشرات الحضارية.
خلال عملي الميداني إذن، كانت تترسخ لدي القناعة أكثر وأكثر، مع كل لقاء أو مؤتمر أو زيارة لإحدى هذه البلدان، أن ما حدث خلال السبع سنين ونيف الماضية لم يكن بشيء من الربيع، بل كان عبارة عن شتاء دموي طويل قتل الكثير من بوادر الامل لدى شباب وشيّاب هذه البلدان باللحاق بركب الحضارة الانسانية المتسارعة، التي تضمن أبسط حقوق الإنسان بالحرية والعدالة الاجتماعية والرفاه الاقتصادي والعيش الكريم.
للأسف، أصبح القتل في معظم هذه البلدان قائما على الهوية أو العرق أو الدين أو المذهب، وأصبحت السرقة والنفاق والجهل والتخلف دستور حياة جديد للعديد من هذه الشعوب؛ بل وأصبحت بعض هذه الشعوب تعيش كقطعان مٌسَيَّرة تتبع راعيها الذي تعلم يقيناً أنه يرعاها مؤقتا، لينتهي الأمر بها آجلا أم عاجلا كأضحية تباع أو تسلخ، ليقتات على لحمها ودمها ورائحة شوائها في أمسياته الماجنة.
ما حدث خلال السبع سنين ونيف الماضية لم يكن بشيء من الربيع، بل كان عبارة عن شتاء دموي طويل قتل الكثير من بوادر الامل لدى شباب وشيّاب هذه البلدان
الأكثر إيلاما في بلدان “الربيع” المذكور، أن قيم الحرية و التعبير عن الرأي أصبحت من الممنوعات في ظل هكذا أنظمة عصاباتية استولت على مقدرات شعوب و بلدان كانت، على الأقل، تتمتع في عهود الأنظمة السابقة أو ما تبقى منها بهيبة و هوية واستقرار. أما اليوم، فقد أصبحت هذه الشعوب عبارة عن مجموعة من التكتلات البشرية ضمن جغرافيا مهدمة سياسياً وإنسانيا وحضاريا. تقبع دون اكتراث في أسفل قوائم التصنيف الدولية على مستوى الأمن و الاقتصاد و مؤشرات الفساد وعدم الاستقرار…
قد يكون من المؤسف سماع هذا من ناشط مدني؛ ولعل الكثير من النشطاء في مختلف دول المنطقة سيهاجمون هذا الطرح، بحجة أن هناك شهداء المكان و الزمان والكلمة، الذين سالت دماؤهم في شوارع البلاد وساحات الأنظمة القمعية. لكني أجدني أقرب لتوصيف الواقع خارج الشعارات الرومانسية، وذلك بعد ما شاهدته بأم عيني وبعد مرور أكثر من سبع سنوات عجاف.
سبع سنوات أثبتت النتائج فيها أن الموضوع كان أكبر من تحشيد ضد الذات أو استغلال غضب أغلبية من شعوب مقهورة قتلها الضيق والتضييق، فتنادت ككتل بشرية مقسمة يجمعها شيء أقل بكثير من قيم الانسانية الحقَّة. على إثر ذلك، قامت دويلات فاسدة وأحزاب فاسدة و تكتلات بشرية فاسدة تنبني إما على وحدانية العرق أو اللون أو الإيدلوجيا أو الطائفة أو المصلحة، وأصبحت جميعها تتسابق في القتل عمداً لكل ما هو آخر مختلف. نَسَوا أو تناسَوا أن الآخر هو هم أنفسهم، اذا ما رأوا ذاتهم بأعين الآخرين. ومما زاد الصورة الدموية قتامةً، ما قام ويقوم به إعلام التجييش و التطرّف من كل حدب، فجمّل القاتل وأخفى المقتول وأصبحت بلدان هذه المنطقة في أعين الآخرين ساحة للجهل و التخلف و اللاإنسانية.
هل يٌعقَل أن تكون” نتائج الربيع” هذا، بأن يصبح القتل و الدم و الكراهية و العنصرية و قطع الرؤوس هي العلامة الفارقة في هذه الثورات ….؟
انطلاقا من هنا، أجد من واجبي كناشط مدني دعوة أبناء منطقتنا و ناشطيها من دول الشرق الاوسط وشمال إفريقيا إلى البحث بعقلية تصالحية جديدة تقدّر الحياة وتستبعد شهية الموت بغرض الانتقام. عقلية تؤمن بقيام نظام مدني تعددي يضمن حقوق الأقليات قبل المطالبة بحكم الأغلبيات. نظام يقوم على قبول الاخر حتى لو كان في أقصى التطرّف الفكري لما نؤمن به، طالما يُؤْمِن بالتعبير السلمي وبالتغيير السلمي. نظام يقوم على احترام معتقد الآخر بغض النظر عن وجهة نظر معتقدنا به. نظام يعتمد مبدأ حرية الفرد المسؤول ولا يستند لقوة القطيع. نظام يقوم على إصلاح الذات والعائلة أولا، لتنطلق بعدها مرحلة إصلاح الحي والقرية والمدينة والدولة التي نسكن بها، عسى أن نصل بأبنائنا وأحفادنا لواقع جديد خلال الثلاثين عاما القادمة. واقع يٌصحح معنى مصطلح الربيع الكاذب الذي عايشناه، ويبدأ بزراعة المبادئ الإنسانية الحقة وسمو حقوق الانسان. ففي النهاية، يبقى الإنسان وكرامته وأمانه واستقراره هم أنبل أهداف ومقومات الدولة الحضارية التي نسعى لقيامها كناشطين ومحاضرين في مؤتمراتنا و تجمعاتنا، التي كنت وما زلت أعتبرها مدرستي ومنهل شهادتي لتوصيف الحقيقة.
*بشار شتيوي حداد ناشط مدني من الأردن
كلام واقعي وعلى الغيارا من الشباب ان يتكاتفوا لإنهاء أو الحد من تأثير هذا الربيع الذي جلب للمنطقة الدمار والخراب
اصحوا يامثقفين الأمة
شكرًا حداد
مقال رائع ومعبر عن الحقيقة بنسبه كبيره الشعوب التى قامت وثارت تمنت لو لم تقم لان الربيع العربي لم يكن الا مؤامره كبيره هدفها تجهيل الشعوب والسيطره على مقدراتهم
اما كما ذكرت ان هناك دول مثل مصر كانت تعيش في ايّام مبارك بعز وكرامه واحترام حقوق الانسان ووضع اقتصادي ومكانه سياسية أفضل من الْيَوْمَ
الربيع العربي لم يحقق لنا الا الجهل والظلام والفقر وحقق للذين صنعوه ازدهار اقتصادي ببيعهم السلاح وبشري بأخذ كل العقول ألعربيه والامني بأنهم تخلصو من جميع المنحرفين فكريا بان أرسلوهم لنا
انا اؤمن ان التغير يجب ان يبدأ من عندي ليصل للقائد لأننا شعوب فاسده