هشام روزاق يكتب: معنى الجائحة؟ أن تراهن دولة فاشلة على مواطن فاشل!
… طبيعي، في عز الجائحة وأخبار الموت، أن نشعر بالخوف. طبيعي أن نعيد هندسة يومياتنا وأحلامنا، والعالم من حولنا، وفق نموذج عيش طارئ، صارت فيه الحياة بذخا… وصار البقاء (La …
… طبيعي، في عز الجائحة وأخبار الموت، أن نشعر بالخوف. طبيعي أن نعيد هندسة يومياتنا وأحلامنا، والعالم من حولنا، وفق نموذج عيش طارئ، صارت فيه الحياة بذخا… وصار البقاء (La survie) فيه… رهانا وسبب وجود.
لكن… غير الطبيعي في زمن الجائحة، أن يحول البعض هذا الخوف إلى فكرة، وأن يحاول التأسيس لها نظريا، كي يصنع من خوفنا المشترك، وهما جديدا ينضاف لكل أوهام المغرب التي صنعت جائحات يومية لم تبحث قط عن لقاح لوقفها.
في ما يشبه الموضة، يحاول البعض، بكثير من قواميس الدجالين والعرافات، أن يرسم لنا ملامح مغرب ما بعد الجائحة، من خلال قرصنة أفكار جدية يجري النقاش حولها اليوم في العالم، ليقدمها لنا مع كثير من أخطاء الترجمة والنقل، وغير قليل من السطحية والتفاهة، في نسخة مغربية مشوهة.
صناع الأفكار في العالم، يؤسسون لتصورهم للحياة ما بعد الجائحة، انطلاقا من فكر مؤسساتي، صَنع خلال جائحات سابقة، دولا ومواطنين، رسموا بكامل الدقة، حدود التماس بين جغرافيات الحق والواجب، وشيدوا بكثير من مبادئ صلبة، عقيدة… أركانها البشر، وشعيرتها… تقديس الإنسان.
احتاجت الدولة لتعليم، فراهنت على تعليمها العمومي الذي خربته لصالح قطاع خاص ينتج الجهل، ولصحة، فلم تجد غير القطاع العام… لكنها حين احتاجت لاقتصاد خارج الريع، وجدت نفسها مجبرة على أداء أجور من تخلى عنهم أصحاب الثروات…
لأجل ذلك، حين يحاول بعضهم، استنساخ النقاشات الجدية المتداولة في العالم اليوم حول ما بعد الجائحة، وتقديمها ببعض من توابل مغربية، ينتهي به المطاف ببساطة، إلى حيث ينتهي المطاف عادة بمحدث نعمة … اقتنى أهم الكتب والمخطوطات، ونسي فقط… أن يتعلم القراءة.
في المغرب، ليس مهما اليوم، أن نتصور البلد بعد الجائحة. ليس مهما أن نصنع أوهاما جديدة، ولا حتى أن نفبرك أحلاما وردية لحياتنا هنا، إن نحن خرجنا من الجائحة سالمين…
الأهم اليوم، أن نقتفي أثر الجائحة فينا. أن نحاول، ولو بكثير من كسل، أن نمسك ببعض خيوط الحكاية.
… لكي نفهم جيدا ما الذي ينتظرنا، بعد الجائحة، علينا ببساطة، الدولة قبل الشعب، أن نستقل سيارة أجرة (طاكسي كبير).
تلك… أول حروف الحكاية، فعندما تصدر الدولة قرارا لـ “الطاكسيات الكبار” بخفض عدد الركاب إلى النصف، ولا تستجيب الطاكسيات للقرار، بل تتحدى الدولة وتضاعف أسعار الرحلات… فذلك يعني ببساطة، أن الجائحة عندنا، أقدم من كورونا… وأن ضحاياها، أكبر من ضحايا الفيروس… وأول الضحايا هنا، هم أساسا، سائقو سيارات الأجرة، الذين حولهم “نظام الريع” إلى مجرد عمال سخرة لدى محظوظين، وهبتهم الدولة رخصة استعباد للمغاربة… عنوانها “الگـريمات”.
في بلدي.. النقاش المفترض اليوم، ليس نقاش ما بعد الجائحة؛ بل أساسا، نقاش زمن الجائحة، الذي انطلق عندنا منذ بداية الحلم باستقلال، ومنذ كوابيس القهر التي رافقت فيروسات الخيبة التي تحكمت فينا.
نقاش ما بعد الجائحة عندنا، هو في النهاية، أشبه بحكاية من يريد أن يتسلق جبلا… من الرمل.
الدروس التي تقدمها لنا الجائحة في نسختها المغربية، هي في النهاية بسيطة ولا تحتاج لكل هذا الدجل المسمى تحليلا… تحتاج فقط، لبعض من مفاتيح قراءة …
الدرس الذي تقدمه كورونا للمغرب، هو ببساطة، درس العودة لأصل الحكاية.
وأصل الحكاية عندنا، هو معنى النموذج (Le modèle).
سمت الدولة عندنا فشل نموذج الدولة، بـ “دعم الفئات الهشة”، والحال في النهاية… أنها تدعم ضحايا اقتصاد، بني على الريع منذ زمن… ومنح الثروة لأقلية من المحظوظين والنافذين الذين… حين احتاجت الدولة لهم، وجدتهم يطمعون في دعمها.
كورونا، في النهاية، تضعنا أمام مسارين أساسين، شكّلا، عبر الزمن، كل الجائحات التي تسكننا… قبل أن تداهمنا كورونا.
المسار الأول، هو معنى (Le citoyen modèle ) ، الذي تصورته وصنعته إرادة سياسية متحكمة، والذي أرادته كما يخرج علينا اليوم في زمن الجائحة…
“مواطن”، يعتبر أن كل ما يعيشه،هو امتياز وليس حقا؛ ويعتبر بالتالي… أنه معفى من كل الواجبات.
هذا “المواطن” هو الذي تسابق على الحصول على تصريح الخروج، ليعمل على استغلاله لمغادرة المنزل كلما أراد، وليس للضرورة كما تقتضي حالة الحجر.
هذا المواطن في النهاية… هو سائق سيارة الأجرة الكبيرة، الذي فهم أن اللحظة فرصة، وأن عليه أن يستغلها، تماما كما يستغله صاحب الگـريمة منذ زمن. وهو… صاحب الصيدلية الذي ضاعف أثمنة مواد التعقيم والأقنعة، وصاحب الحانوت الذي احتكر قنينات الغاز، وبائع الخضر الذي رفع الأسعار، والطبيب الذي رفض المشاركة في مواجهة الوباء… وأصحاب المصحة الخاصة الذين يريدون مقابلا ماديا لعلاج المصابين…
المواطن النموذج الذي صنعته الدولة… هو ببساطة، المجرم الذي لا ينضبط لحالة الحجر الصحي. وهو صاحب النفوذ أو قريب صاحب النفوذ الذي يتحدى كل إجراءات الحجر…
المواطن النموذج… هو في النهاية، ذلك المغربي البسيط، الذي فرح بــ 800 درهم منحتها له الدولة، ليتمنى من أعماق قلبه، أن تستمر الجائحة وتطول، كي يضمن على الأقل… بضعة دراهم لم يسبق له أن امتلكها.
في المقابل… هناك الدولة النموذج… التي أرادتها عقلية “المخزن” العتيق، وأصرت عليها.
هي دولة… خرجت علينا في زمن الجائحة، بــ “قايد” يصفع المواطنين، و”قايدة” تسخر منهم (ولأنها، في سخريتها منهم، غرفت من لغات “راس الدرب”، فقد أصبحت “بطلة” على مواقع التواصل وتافه الصحافة… لم يسائل أحد أسلوب سخريتها وقربه الكبير من بعض إهانة لمن تخاطبهم. اكتفوا فقط بالتطبيل والنشر… حيث حقة هي… “قايدة شعبية”).
هي دولة… حين احتاجت لبعض أوكسجين المؤسسات، وجدت أحزابا ساهمت في قتلها، وجمعيات تابعة تنتج التفاهة، ومثقفين… أدمنوا التوقيع على بياض، و… استنجدت بإرهابي، يخون الناس ويطالب بقتلهم في المحمدية.
احتاجت الدولة لمواطن ينضبط لقرارات الدولة… فوجدت مواطنا صنعته عبر عقود من التجهيل والتضبيع، ليس يهمه من كل الكارثة، سوى نفسه. واحتاجت لأحزاب وجمعيات ومثقفين يسندونها في معركة البقاء، فلم تجد غير الفراغ والنفاق والتسابق على أكل الجيف وبيع الأوهام….
… الجائحة في بلدي، ليست نقاش الما بعد، وليست نقاش الذي كان. الجائحة عندنا، هي في الأصل، نقاش بلد نريده، يخجل من ضمان عيش كريم لمغاربة بـ 800 درهم، ويخجل من الاستعانة بالمهرجين والمتطرفين (كما إرهابي المحمدية)، كي يحمي نفسه ضد وباء، عوض الرهان على مؤسساته وصناع الأفكار فيه.
في عز الجائحة، وجدت الدولة نفسها محتاجة ببساطة، لكل معاني البلد التي ساهمت في قتلها.
احتاجت لمواطن ينضبط لقرارات الدولة… فوجدت مواطنا صنعته عبر عقود من التجهيل والتضبيع، ليس يهمه من كل الكارثة، سوى نفسه. واحتاجت لأحزاب وجمعيات ومثقفين يسندونها في معركة البقاء، فلم تجد غير الفراغ والنفاق والتسابق على أكل الجيف وبيع الأوهام….
احتاجت الدولة لصحافة مهنية تؤدي دورها كجندي في ساحة حرب، فلم تجد غير صحافة هي صنعتها، عقيدتها الابتزاز والتفاهة والاقتيات من جهل الآخرين..
احتاجت الدولة لمواطن نموذج… فوجدت نموذج مواطن صنعته.
واحتاجت لنموذج دولة… فلم تجد غير النظر لوجهها في المرآة، دون مساحيق.
تحولت الدولة في النهاية، إلى ما يشبه متهربا من الضرائب تم ضبطه… لا حل أمامه سوى التفاوض مع مديرية الضرائب… كي يؤدي كل ما يطلب منه، دون نقاش…
هذا بالضبط ما فعلته الدولة…
خربت التعليم، والصحة، والسياسة، والاقتصاد… وعوضت الحقوق بالريع والامتيازات، وحين داهمتها الجائحة… لم تجد غير التفاوض…
احتاجت لتعليم، فراهنت على تعليمها العمومي الذي خربته لصالح قطاع خاص ينتج الجهل، ولصحة، فلم تجد غير القطاع العام… لكنها حين احتاجت لاقتصاد خارج الريع، وجدت نفسها مجبرة على أداء أجور من تخلى عنهم أصحاب الثروات…
هكذا… سمت الدولة عندنا فشل نموذج الدولة، بـ “دعم الفئات الهشة”، والحال في النهاية… أنها تدعم ضحايا اقتصاد، بني على الريع منذ زمن… ومنح الثروة لأقلية من المحظوظين والنافذين الذين… حين احتاجت الدولة لهم، وجدتهم يطمعون في دعمها.
… في النهاية، وجدنا أنفسنا أمام عنوان مغربي خالص: هذه دولة تُدار بأنصاف حلول…
عوض أن نضمن عدالة ضريبة، وتكافؤ فرص وربط الثروة بالضرائب، وضمان الحقوق للجميع… وجدنا أنفسنا أمام دولة تستنجد بمنطق الدعم، الذي يرادف عندنا… منطق الريع…
دعم الصحافة ودعم الصناعة … ودعم الثقافة والأفلام… لنتحول في النهاية، إلى ما يشبه سيتكومات رمضان. تاندوزو بيهم الوقت… حيت الدولة باغية تدوز بينا الوقت.
وهذا… بعض من كلام.
مقال رائع يقارب إشكالية الهوية بطريقة النبش بقوة في ماهية الدولة المغربية وطريقة تأسيسها للمجتمع وشكل مواطنيها..بحس نقدي واصل هشام روزاق كصحفي مرموق عرفناه في اسبوعية الصحيفة والايام وغيرهما تعرية النظام السياسي وشكل اقتصاديه المبني على الريع وما نتج عنه..مع واسع التحيات
لا افهم هذا التطويق والتحفيض لموضوع الجائحة وما بعدها،ولا هذا التحامل على من يحاول ان يتفاعل مع الحدث والتفكير فيه،
ان هذا السو على المضوع لا يعبر إلا على نزعة اقصئية ونرجسية مقيتة لا ترى الا ما ترى وما سواها تافه ،،كل ذلك مع تبجيل الاخر المهيمن واعتباره الصل والقدوة.
اي استلاب هذا الدي يتلدد يشم ابط تفيره ويري في العدمية اصلا تجاريا لنفث افار قابلة للبيع في كل لحظة.
تحليل جامع ومانع للواقع المزري الذي نعيشه في بلادنا قبل وبعد وفي زمن الجائحة . ما احوجنا الى مثل هذه المواضيل التنويرية التي تعري عم المسكوت عنه المؤلم ، لا بد ان نجعل من الوباء محطة لمراجعة سلوكاتنا ، واعادة النظر في مؤسسات الدولة وهيكلتها اذا اردنا ان نبني غدا جديدا قويا.
السلام عليكم
ومن مظاهر ماذكر الاستاذ هشام هو التوارى التام للاحزاب السياسية عن المختمع، اللهم بعض الوصلات عبر الإعلام تعدعو فيها المواطن للجلوس في بيته،