من اليمن، حسين الوادعي يكتب: الموت خطأ تقني - Marayana - مرايانا
×
×

من اليمن، حسين الوادعي يكتب: الموت خطأ تقني

هذا كتاب أدعوكم لقراءته. عنوانه “Homo Deus”، والترجمة الأقرب له هي “الإنسان الخالد”. هذه العبارة تحوير  لـ “Homo Sapiens” أو “الإنسان العاقل”، وهي سلسلة البشر التي ننتمي إليها. الكتاب سيل …

هذا كتاب أدعوكم لقراءته.

عنوانه “Homo Deus”، والترجمة الأقرب له هي “الإنسان الخالد”. هذه العبارة تحوير  لـ “Homo Sapiens” أو “الإنسان العاقل”، وهي سلسلة البشر التي ننتمي إليها.

الكتاب سيل من الافكار الجديدة حول مستقبل الإنسان، لكنني سأركز هنا على إحدى أفكاره الرئيسية وهي “نهاية الموت”.

يرى المؤلف Yuval Harari أن التطورات في الهندسة الوراثية، والتكنولوجيا الحيوية والمعلوماتية ستمكن الإنسان من أن يهزم الموت.

قد يتحقق هذا بعد 200 سنة أو حتى بعد 1000 سنة، لكن الحقيقة التي يطرحها العلم أن الموت لم يعد حتميا، إنه مجرد “خطأ تقني”.

سواء عشنا 150 سنة أو 500 سنة أو عشنا للأبد، فإن نظرتنا للحياة والقيم والأخلاق والدين والفلسفات والقوانين ستتغير.

الإنسان مثلا يموت بسبب تعطل القلب أو عجز الرئة عن إمداد الأكسجين أو بسبب تمدد ورم سرطاني، أو بسبب تدهور الخلايا البشرية؛ وهذه كلها أخطاء تقنية. ولكل خطأ تقني حل تقني!

يمر الطريق إلى هزيمة الموت بنجاح العلم في إطالة عمر الإنسان. بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، كان متوسط عمر الانسان في أوروبا 40 عاما. الآن، تضاعف ليصل إلى 80 عاما، ونشهد عددا كبيرا ممن يتجاوزون عمر المائة.

التوقعات تقول إننا قادرون على مضاعفة عمر الإنسان مرة أخرى بنهاية هذا القرن لنصل الى عمر 150 عاما.

لكن طموحات العلم لا تتوقف. هناك عدد من المغامرين من يحلمون بإطالة عمر الانسان إلى 500 سنة.

يتواصل هؤلاء مع الشركات الطبية وشركات المعلوماتية للبحث عن كل اكتشاف او اختراع قد يطيل في عمر خلايا وأعضاء الانسان. إذا تدهورت وظائف العين، فالبحث جار عن شرائح ميكروية تعوض ما تلف. إذا ضعفت عضلات القلب، فتكنولوجيا النانو تقوم بمجهودات كبيرة لتطوير آلاف الجسيمات المجهرية التي تدخل شرايين الجسم لإصلاح الخلل.

هل سيفكر من هو قادر على العيش 150 عاما في إنجاب الأطفال بدلا من الاستمتاع بحياته المديدة السعيدة؟

أثبت الاكتشاف التاريخي للجينوم أن الحياة ليست إلا شفرة تحول الفوسفات وسكر الريبوز والقواعد النيتروجينية في DNA  إلى شيء حي. عند هذه الشفرة، تضيع حدود الجماد والحي، والعلم يحاول سبر أغوار هذه المسافة المبهمة.

سواء عشنا 150 سنة أو 500 سنة أو عشنا للأبد، فإن نظرتنا للحياة والقيم والأخلاق والدين والفلسفات والقوانين ستتغير.

تخيل نفسك تعمل في مكتب تحت إشراف مدير يبلغ من العمر 120 عاما!

أو تخيل سن التقاعد يتأخر الى عمر 120، وسن الزواج يتأخر الى سن 70!

إذا وصلت البشرية الى اللحظة التي يعيش فيها الفرد 500 عام، فأي معنى سيبقى لقوانين اليوم وأعرافه الاجتماعية؟

بل هل سيفكر من هو قادر على العيش 150 عاما في إنجاب الأطفال بدلا من الاستمتاع بحياته المديدة السعيدة؟

إذا وصلت البشرية الى اللحظة التي يعيش فيها الفرد 500 عام، فأي معنى سيبقى لقوانين اليوم وأعرافه الاجتماعية؟ وهل سيستطيع السجن ردع مجرم عوقب بالحبس 100 سنة عقابا على جريمة قتل، بينما لا زال بامكانه أن يعيش 400 سنة أخرى بعد خروجه من السجن؟

من الجميل جدا ان نتخيل شخصا مثل إينشتين يعيش 500 سنة، أو فنانا مثل أبو بكر سالم يطربنا بفنه الجميل لخمسمئة سنة، لكن ماذا عن بوتين مثلا؟ أو ترامب؟ أو الحوثي؟ تخيل وجودهم في حياتك كل هذه القرون؟

يرى مؤلف الكتاب  Yuval Harari أن نظرتنا للقيم الروحية أيضا ستتغير. لقد قامت كل الأديان على أساس أن الحياة الدنيا مجرد ممر عبور لا قيمة له، وكانت تصورات الجنة واليوم الآخر في بعض جوانبها تعويضا نفسيا عن عمر الإنسان القصير الخاطف (لم يتعد عمر الانسان الأول الثلاثين عاما!).

تخيلوا كيف سنعيد فهم  كل فلسفاتنا وأفكارنا لو تمكن الانسان بعد 1000 أو 2000 أو 10 آلاف سنة، من هزيمة الموت وتحقيق حلم الخلود!

صارت الحياة الآن الهدف الذي يسعى إليه العلم في القرن الجديد. لم تعد المجتمعات العليا تبحث عن الصحة أو الاستقرار أو المال، بل صارت تبحث عن أطول حياة ممكنة. وكل كشوفات العلم واختراعاته تقول إننا قادرون على عبور حاجز المائة عام قريبا، لتشهد العقود الاخيرة من هذا القرن بشرا يعيشون الى سن المئة والخمسين. ربما سيكون أغلبهم في البداية من الأغنياء القادرين على شراء خدمة “الحياة الطويلة”؛ لكن ما من شيء سيبقى غاليا إلى الأبد.

هذه أفكار أحد فصول الكتاب، نقلتها كما هي بأمانة للنقاش. أتساءل، وأنا أختم هذه السطور، عن الحاجز الفلكي الذي يفصل بين ثقافة صارت تبحث عن “الخلود” وبين ثقافة لا زالت تمجد الموت وتعتبر أن أفضل تشريف للإنسان، هو أن يموت قتيلا ويا حبذا لو كان ذلك في سن الشباب!

 

تعليقات

  1. med anass mrabet

    اظن انه من باب اولى واحرى ان نعمل بالمثل الننجليزي الذي يقول: “تدبر امر الحاضر ولسوف يتدبر المستقبل امره بنفسه”. قبل ان يغوص الكاتب yuvaal harari فيما لاقبل له به، من باب اولى ان يبحث في شؤون قومه الذين يتفننون يوميا في قتل وسجن وتشريد الاطفال الابرياء ويتمعن في هذا الامر مليا بدل ان يغوص فيما ستكون او قد تكون عليه الانسانية في الالفية المقبلة. . ان كان يريد فعلا وان كان يحرص فعلا على بناء مجتمع سعيد فعليه ان يجتهد في هذا الاتجاه الان عوض الخوض في متاهات “لو استطعنا التغلب على الموت”، و “عندما سنتغلب على الموت “. كيف له اصلا ان يحدثنا عن سعادة الانسانية وامال الانسانية وتطلعات الانسانية وهو يعيش ويدرس في ظل ابشع واشنع نظام على وجه الارض؟ اليس من باب اولى واحرى ان نعتني الان بمن هم الان على وجه الارض و نبحث فيما يحقق لهم السعادة والرقي؟

  2. Tarik ligh

    صراحة إستمتعت بقراءة الجزء المترجم , فيه أفكار و أشياء رائعة , لكن في الجزء الأخير الذي أضافه الكاتب ” العربي ” فيه طرق مبالغ فيه لباب دين “معين” أظن الكاتب يعلم جيدا ما أعنيه . و ما أقصد ب مبالغ فيه هو أن الكاتب أراد فقط التلميح لكنه لا يجيد ذلك للأسف .

  3. د.محمد كذلك

    فكرة أن الموت خطأ تقني فكرة بشرية مفادها أن الرب جل وعلا لم يكن قادرا علي صنع إنسان خالد , وهذا أصلا خطأ فكري تقني , فالأرض ليست مكان الخلود ولذلك جعل فيها الإنسان ليفني وينتقل إلي حيث الخلود , لا مانع من البحث عما يطيل بقاء الإنسان علي الأرض , ولكنه سيموت في النهاية , لأن الموت قدر محتوم .

  4. فاطمة الزهراء مكلاوي

    قراءتي لهذا المقال كانت ماتعة ومليئة بصور من مخيلتي تتماهى كل فقرة تراها عيني ويرددها ذهني، شكرا لك على هذه الترجمة الرائعة.

  5. khalid

    شكرا علىهذا المقال الرائع

اترك رداً على med anass mrabet إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *