إكرام عبدي: الرجال مثيرون أيضا ! - Marayana - مرايانا
×
×

إكرام عبدي: الرجال مثيرون أيضا !

لقد ظل الجمال، عبر العصور، معيارا للأفضلية الأنثوية؛ كأساس شكلي للمرأة فقط، أما العقل فعارض وثانوي وملمح ذكوري، على اعتبار أن التفكير يجهد النفس ويذهب بنضارة الروح وطراوة الجسد

كثيرة هي الصور والقوالب النمطية التي تم نحتها في المخيال الجماعي عن المرأة والرجل معا؛ والتي لا تعكس نسق العلاقات الواقعية المتحكمة في وجود الأفراد، بل العلاقة المتخيلة لهؤلاء الأفراد بالعلاقات الواقعية التي يعيشون فيها، هي تمثلات ظلت تتأرجح بين تعظيم الذات الذكورية وبيان تفردها وتميزها، وترويج النظرة التبخيسية التي تختزل المرأة في الجسد دون السماح لها بالارتقاء إلى مستوى الند والشريك. جاهزية تستفزني كامرأة لكونها مهينة للذكاء ومضللة له، ساهمت الذاكرة الجمعية في تخزينها وحفظها من النسيان والتبدد ونقلها من جيل لجيل وبعث الروح المتجددة فيها.

ولأنها صور موروثة ومنحدرة من أزمنة ماضية، فأكيد أن تأثيرها أكثر رسوخا وديمومة في المجتمعات المغلقة التي تنظر بعين الرّيبة إلى التّغيير ومنها المجتمعات العربيّة.

لا أدعي بطولة الإفلات من شرنقتها ولو على مستوى أناي اللاواعية؛ لكنني أحاول الحفر بين الفينة والأخرى ومحاولة تفكيك فكر تقليدي مهيمن فشلنا في الخلاص منه، وذلك لوعيي بأن الإنسان ليس خلوا من تصورات موروثة منها يستمد كثيرا من وجوه حضوره.

لقد ظل الجمال، عبر العصور، معيارا للأفضلية الأنثوية؛ كأساس شكلي للمرأة فقط؛ أما العقل فعارض وثانوي وملمح ذكوري، على اعتبار أن التفكير يجهد النفس ويذهب بنضارة الروح وطراوة الجسد. وقد أسهم في ترسيخ هذه الفكرة أن مجتمع النساء في الذاكرة الثقافية العربية كان يتشكل على الأغلب من الجواري والحرائر، فقد ذكر الجاحظ أن القائمين على صناعة الجواري كانوا يحرصون على تعليمهن صنوف الغواية وضروب الخلاعة والمجون، لهذا تم تحجيب المرأة كرسالة ضمنية توحي كونها “المفعول به” لغة وواقعا والأكثر تعرضا لأذى الرجل، ووجب إذن سترها خوفا على عقل الرجل من جنون مفاتنها وخوفا على جسدها من أذاه، بينما نجد رجالاً بوجوه وأجساد متناسقة تثير الناظرين أكثر من المرأة.

في نفس الآن،  تؤكد لنا الذاكرة الثقافية العربية شهرة الرجال بجمالهم إلى درجة تغطية الوجه، ليحموا جمالهم من عيون النساء، ومن المرض والحسد والعين،  وشاعت قصص عن شخصية شاعر من قبيلة كندة اليمنية، لقّب بـ”المقنع الكندي“. كان يقال اشتهر بجماله الرائع المتيِّم لقلوب النساء، كان إذا أسفر عن وجهه أصيب بالحسد، فغلب لقب المقنّع على اسمه.

كما كان عرب ما يمسى بـ “الجاهلية” يفرضون الحجاب على الفتيان الفائقي الحسن، وقاية لهم من العين؛ والزبرقان بن بدر من بني تميم، وهو من الصحابة، كان قد لقبّ بالزبرقان، أي قمر نجد، لشدة جماله، وكان إذا ما جاء مكّة، دخلها متعمِّمًا لئلا يغري النساء. كما اشتهر هارون الرشيد بجماله الآسر، وكذلك الخليفة الأندلسي عبد الرحمن الناصر لدين الله، الذي يصفه ابن عبد ربه في العقد بـ”القمر الأزهر، سيّد الخلفاء”. كما يحكى عن أول الخلفاء الأمويين معاوية كونه من أجمل رجال عصره.

في واقعنا  المغربي أيضا، عادة ما يتم احتقار الرجل إذا ما  بكى أمام الملأ أو عبّر عن مشاعره بتلقائية، على اعتبار أن النشيج علنًا يقتصر على الفتيات، فشكّل البكاء أحد الفروق الجندرية التي لا تزول، مع العلم أنه في كثير من الأساطير والحكايات القديمة، لم يكن البكاء عيبا للرجل.

في إلياذة هوميروس، على سبيل المثال، ينفجر الجيش الإغريقي بأكمله في بكاء جماعي ثلاث مرات على الأقل، لا يبكي الملك برَيام وحسب، بل أيضًا يقطّع شَعره كذلك، ويعفّر وجهه بالتراب حسرةً. يبكي زيوس أيضًا دموعًا من دماء، وحتى أحصنة أخيل الخالدة تبكي بكاء شديدًا عند موت فَطرُقل. بالطبع، يبكون بأنفة وبرؤوس مرفوعة دون أي شعور بالخزي أو العار… الإنجيل أيضًا مليء بإشارات مماثلة إلى بكاء علني لملوك، وشعوب بأكملها، وبكاء الرب ذاته (مجسَّدًا بالمسيح)؛ إذ أن الدموع كانت لقرون مرتبطة بالتقوى. و”الاعترافات” التي كتبها القديس أوغسطين مليئة بتوصيفات لبكاء القديس غير المكبوت. …

من الصور النمطية  المتداولة أيضا ،  اعتبار الأنثى القوية “رجلة”، حتى أن عائلتي غالبا ما تتوهم مدحي  بقولها ” تدبرين أمورك بشكل جيد كرجل”، فـ”الرجلة” تأتى  بالنسبة لهم من باب المديح أما “المسترجلة” والتي تأتى من وزن «استفعل» فتعنى الافتعال والتصنع كقصة الشعر “غارسون” ولبس السروايل.

المثير أن التشبّه بالصفات الذكورية يخضع لمعايير غريبة الشكل، إذ على المرأة أن تتشبه بالرجال شجاعةً وقوة فقط، لا شعرا قصيرا ولا سراويل، مع أن هناك رجالا كثير يفتقدون قوة الشخصية وحسن تدبير الحياة وقوة تحملها، لهذا أجيبهم عادة “أدبر أموري كأمرأة فحسب”، مع أنه لا يزعجني وجود الملمح الذكوري في تركيبتي الشخصية، فوجود جينات الذكورة والأنوثة معا في شخصيتي المرأة والرجل سواسية، حقيقة يؤكدها العلم ولا مفر لي منه.

في أحايين كثرة يتم لصق قيمة “الصبر” بالمرأة، أما ضيق الخلق والعصبية وعدم القدرة على التحمل بالرجل، صفة تتضخّم في الأذهان حتّى تضحى شكلا من أشكال الذلّ في أحيان كثيرة لتتوهم المرأة أنها الفضلى وصاحبة المكارم وبنت أصل، وليستمر إذلالها وإهانتها باسم الصبر طوال حياتها.

تعليقات

  1. محمد صوف

    موضوع يستحق القراءة أكثر من مرة لحصافته

  2. تقي البحارنة

    أكرام عبدي اديبة وشاعرة وووكاتبة وفقها الله

اترك رداً على محمد صوف إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *