الفرنسية والإنجليزية في التعليم المغربي: هيمنة اللغة… لغة الهيمنة؟ 2/2الجزء الثاني
يشير التقرير السنوي المنشور لدى السفارة الفرنسية بالرباط سنة 2016، إلى أن شبكة المؤسسات التعليمية الفرنسية بالمغرب، تعد من أكبر الشبكات كثافة في العالم، ممثلة في 30 مؤسسة تعليمية، يدرس فيها أزيد من 30 ألف تلميذ، 18 ألفا منهم مغاربة.
رأينا في الجزء الأول من هذا الملف أن الفرنكفونية تعد بالنسبة للبعض أداة للهيمنة السياسية والثقافية في المغرب. في هذا الجزء الثاني والأخير، نكتشف كيف ولماذا اعتمدت اللغة الفرنسية لغة أجنبية أولى في المغرب؟ ولماذا يقترح البعض اعتماد اللغة الإنجليزية لغة أجنبية أولى عوض الفرنسية؟
الفرنسية كلغة أجنبية أولى في قطاع التعليم
أبرم المغرب وفرنسا في 5 أكتوبر 1958 بباريس، اتفاقية هيأت لفرنسا فتح مدارس فرنسية بالمغرب. هكذا، وعقب ذلك، تم فتح 1025 قسما للتعليم الفرنسي في المستوى الابتدائي، وسبع مدارس للتعليم الإعدادي.
الأحزاب الوطنية عبرت آنذاك عن تحفظها تجاه هذه الاتفاقية، وعن حذرها من ربط التنمية باللغة الفرنسية. بالمقابل، دعت إلى تعريب ومغربة الحياة السياسية والثقافية للمغرب. أما في ما يتعلق بالتعليم، فإنها بنت برنامجها التربوي على مبادئ أربعة، هي: التعريب، المغربة، التعميم والمجانية.
باحث مغربي: “اللوبي الفرنكوفوني يتشكل من مغاربة وفرنسيين، ويرتبط بشبكة من المصالح مع فرنسا، تمكنه من بسط سيطرته على قطاعات واسعة في المغرب، تتجاوز الاقتصاد إلى الثقافة والتعليم والإعلام، وتشكل قوة سياسية تدافع عن مصالحها”.
في ذلك، يقول الزعيم الاستقلالي علال الفاسي إن “هيمنة الفرنسية أو أية لغة أجنبية على مجال التعليم والإدارة أو على أية قطاعات أخرى، من شأنه القضاء على اللغة العربية، وهو المرمى الذي يدافع عليه ورثة الاستعمار”[1].
اليوم، يشير الباحث في شؤون المجتمع، محمد أديب السلاوي[2]، إلى أنه بـ”الحضور القوي للوبي الفرنكفوني في المغرب، والذي يمتلك نفوذا اقتصاديا ثقافيا/تربويا قويا، أصبحت اللغة العربية تواجه تحديات جمة، في ممارسة حقها كلغة رسمية أولى للمغرب، دولة وشعبا”.
ذات الباحث يضيف أن هذا اللوبي الذي يتشكل من مغاربة وفرنسيين، يرتبط بشبكة من المصالح مع فرنسا، “تمكنه من بسط سيطرته على قطاعات واسعة في المغرب، تتجاوز الاقتصاد إلى الثقافة والتعليم والإعلام، وتشكل قوة سياسية تدافع عن مصالحها من خلال التأثير على القرار السياسي، وتوجيهه في الاتجاه الذي يخدم مصالحها”.
الحقيقة أن فرنسا فرضت على المغرب، منذ استقلاله، من خلال عدد من الاتفاقيات، نظام تعليم مزدوج، باعتبار اللغة الفرنسية، في نظرها، تشكل نموذجا لسانيا كاملا، يمكن أن يساعد المغرب الجديد على بناء نفسه. هذا الأمر أدى، في نظر محمد أديب السلاوي، إلى انهيار النخب التقليدية سياسيا واقتصاديا، وفسح المجال لنخب أخرى نشأت في إطار المدارس والمعاهد والجامعات الفرنسية، لكي تكتسح مراكز السلطة.
هكذا، نجد في المغرب اليوم، وفق الباحث المتخصص في اللسانيات ماهر الملاخ[3]، أن اللغة الفرنسية تعتبر عملة الولوج للمناصب المؤثرة. لهذا، عمدت مؤسسات التعليم الخاص إلى “التنافس في تقديم نفسها على أنها الأقدر على تزويد التلميذ بهذه العملة السحرية”. وإذا كانت التقارير تفيد أن التعليم الخصوصي لا يتجاوز 10 بالمئة، فـ”إن التهميش، سيكون قدرا محتوما لأزيد من 90 بالمئة من أبناء المغاربة الذي يدرسون في مدارس عمومية”، يفيد ذات الباحث.
في هذا السياق، قام وزير التعليم الفرنسي في فبراير 2014، بزيارة إلى المغرب، وقع فيها على اتفاقية مع نظيره المغربي، لتعزيز التعاون في مجال التعليم بين المغرب وفرنسا، هدفت إلى خلق عشرات الشعب الدولية في الثانويات المغربية، في أفق الوصول إلى 80 قسما.
من جهة أخرى، يشير التقرير السنوي المنشور لدى السفارة الفرنسية بالرباط سنة 2016، إلى أن شبكة المؤسسات التعليمية الفرنسية بالمغرب، تعد من أكبر الشبكات كثافة في العالم، ممثلة في 30 مؤسسة تعليمية، يدرس فيها أزيد من 30 ألف تلميذ، 18 ألفا منهم مغاربة.
والحديث هنا عن شبكة المؤسسات التعليمية الفرنسية، حديث عن تعليم مواز للتعليم الرسمي لا يكتفي، بحسب ماهر الملاخ، بزيادة جرعة اللغة الفرنسية في المواد المدرسة، وإنما بـ”اعتماد الكتاب المدرسي الفرنسي، والبرنامج التعليمي الفرنسي بأهدافه ووسائله. ناهيك عن اعتماد لائحة عطل فرنسية بما تحمله من رمزيات غير وطنية، تعمل على ربط التلميذ سيكولوجيا على نحو عميق بالمناخ الثقافي لفرنسا”.
لماذا يدعو البعض إلى اعتماد الإنجليزية؟
تحتل اللغة الفرنسية اليوم المرتبة التاسعة من حيث عدد المتكلمين بها في العالم، وهي مرتبة متدنية؛ باعتبار أن هؤلاء لا يشكلون سوى 2،5 بالمئة من سكان الأرض. هذا المعطى بحسب الباحث محمد أديب السلاوي، “يجعل فرنسا أكثر إصرارا لجعل الفرانكفونية قوة فكرية ولغوية وثقافية بل وسياسية واقتصادية على خارطة واسعة من العالم بأي ثمن”.
مركز مغربي: “اللغة الفرنسية صارت عبئا على الثقافة المغربية وتضييقا لمجال الانفتاح على شعوب العالم، ذلك أن لغة التداول والعلم العالمية هي الإنجليزية”.
الواقع أن اللغة الفرنسية إذ كانت تبسط في السابق نفوذها على مستعمرات كثيرة، أضحت اليوم تعاني صراعا “قاتلا” مع لغات حية أخرى أقوى، بخاصة الإنجليزية، التي تحولت إلى لغة علمية واجتماعية تربط بين مشارق الأرض ومغاربها.
في ذات السياق، أصدر مركز الرباط للدراسات السياسية والإستراتيجية تقريرا، في وقت سابق، حول “لغات التدريس في منظومة التعليم المغربية“، رأى فيه أن المغرب اليوم بات ملزما باعتماد اللغة الإنجليزية في النظام التعليمي كلغة ثانية بعد اللغة العربية، “أملا في أن تخطو البلاد إلى الأمام”.
وقد برر المركز رأيه هذا بالقول إن “الفرنسية لم تعد لغة منتجة للمعرفة العلمية بل وتعد لغة مهددة بالانقراض. بالمقابل، البحوث العلمية المتقدمة منشورة بالإنجليزية، ناهيك عن كون العالم الرقمي إنجليزي بامتياز”.
ذات المركز أكد في تقريره أن اللغة الفرنسية “صارت عبئا على الثقافة المغربية وتضييقا لمجال الانفتاح على شعوب العالم، ذلك أن لغة التداول والعلم العالمية هي الإنجليزية، ثم إن المجلات العلمية المفهرسة دوليا تصدر جلها بالإنجليزية”.
ويخلص التقرير إلى أن المغرب قام بمحاولات عدة من أجل اعتماد الإنجليزية منذ 1968، لكنها ظلت “عاجزة عن تحقيق قفزة نوعية يتم بواسطتها سد الكثير من الفراغات التي تعيق الخروج من التيه الذي تعانيه منظومة التعليم ببلادنا”.
في الأخير، تشير بعض التقارير إلى أن مراكز البحث والجامعات الفرنسية، تعد اليوم من أكبر المنتجين في العالم للمعرفة، لكن جل بحوثها المنشورة هي باللغة الإنجليزية، في محاولة من فرنسا لتدارك ما اعتبرته تأخرا جامعيا بالنسبة لها.
لقراءة الجزء الأول: الفرنكفونية في المغرب، لغة أم سلاح؟ 2/1