المغرب في سنة 2025… احتجاجات، مآسي، وملفات حُسمت… 2/2
سنة 2025، كانت سنة المُنعطفات بامتياز، مِلفات ظَلّت حبيسة الرفوف مُنذ زمن طويل، جاءت سنة 2025 لتُخرجها من الرَّف.
قضية الصحراء المغربية، قانون الإضراب، قانون المسطرة الجنائية… كُلها ملفات حُسمت هذه السنة، وإن رافقَ بعضها جدلٌ واسعٌ داخل الأوساط المغربية.
لم تخرجْ 2025 دُون أن يكون للشارعُ موعدٌ مع الاحتجاج. لكن، هذه المرة بطَعم خاص. احتجاجٌ بدأ رقميا قبل أن ينتقل للشارع. وهذه المرة، ليس من طرف النقابات، ولا التنسيقيات، ولا الأحزاب… وإنما من قبل جيل “زد”.
هي أحداثٌ كثيرة عرفتها هذه السنة، اخترنا أبرزَها في هذا الملف.
تابعنا في الجزء الأول من هذا الملف، أهم الأحداث الكُروية التي عرفها المغرب خلال سنة 2025. السنة التي سطرت فيها المنتخاب المغربية، ذكورا وإناثا، ملاحم كُروية سيظلُ التاريخ شاهدا عليها.
تستمرُ مرايانا في هذا الجزء الثاني في تتبع أهم الأحداث التي كان لها صدى داخل الرأي العام المغربي خلال سنة 2025.
قضية الصحراء المغربية… تحت الحكم الذاتي
يوم الجمعة 31 أكتوبر 2025، حوالي الساعة الثامنة والنصف مساء تقريبا، كان أغلبُ المغاربة، في تلك اللحظة، يتصفحون آخر الأخبار، كانوا ينتظرون خبرا واحدا: ما قرارُ مجلس الأمن الدولي؟
ثُم… جاء قرار مجلس الأمن الدولي الذي أعرب عن دعمه الكامل لخطة الحكم الذاتي المغربي في الصحراء المغربية، تحتَ السيادة المغربية، معتبرا أنها “الحل الأكثر واقعية”، لإنهاء الصراع المُفتعل، داعيا جميع الأطراف إلى الانخراط في مفاوضات بناء على خطة الحكم الذاتي.
قرار أممي تاريخي، جاء بعد مسار ديبلوماسي رفيع، تُوج باعتراف مجموعة من الدول، وترسيخ المقاربة المغربية لقضية الصحراء على الساحة الدولية، وفي نهج استراتيجي دفع بقوى كبرى مؤثرة على الصعيد الدولي للاقتناع بعدالة القضية الوطنية.
احتاجات جيل Z…
على منصة رقمية تُدعى “ديسكورد”، بدأت شرارة الاحتجاجات، لتنتقل من الفضَاء الرقمي نَحو الشارع.
بدأت المظاهرات الشبابية في المغرب يوم 27 سبتمبر 2025، وتوسَّع نطاقُها في الأيام الموالية. هذه الاحتجاجات لم تكُن وليدة الصُّدفة، بل سبقتها تراكمات عديدة؛ تدهور المنظومة الصحية والتعليمية، غلاء الأسعار، ارتفاع البطالة، انفجار بعض ملفات الفساد التي تورط فيها مسؤولون…
الاحتجاجات في يَومها الأول، أخذت طابعا سِلميا. لكن، وزارة الداخلية واجَهتها بالمنع، بل والعنف، معتبرة أنها مظاهرات “غير قانونية وغير مرخص لها”، ليتطور الأمر بتوقيف مجموعة من المُحتجين.
الاحتجاجات انزلقت في بعض المدن، على غرار وجدة وإزكان والقليعة وبني ملال…، التي عاشت يوم الثلاثاء 31 أكتوبر 2025 على وقع أعمال عُنف وتخريب طالت مؤسسات عمومية وأملاك خاصة، وعكرت بذلك صورة احتجاجات جيل “زد” الذي خرج، حاملا معهُ شعار “السلمية” من أجل تلبية مطالب اجتماعية مشروعة.
موجة الاحتجاجات هذه، والاحتجاجات التي انزلقت نحو العنف، عَرفت توقيف ما يُقارب 2480 شخص، حسب منظمات حقوقية. وتراوحت الأحكام بين السجن لفترات طويلة أو مع وقت التنفيذ، بتهم تتعلق أساسا بـ”التحريض على ارتكاب جنايات وجنح والمشاركة في التجمهر المسلح”، “تخريب الممتلكات”، “الحرق العمد”، “إهانة موظف حكومي واستعمال العنف في حقه”.
2025… عيد أضحى بلا نحر
“عيد بلا أضاح”، لرُبما تصدٌق هذه العبارة على هذه الأضحى في هذه السنة.
سنة لم تُشحذ فيها السكاكين، ولَم تُصفف رؤوس الخرفان فوق المشواة، كما هي العادة المألوفة في الأحياء الشعبية، لا هرج في الأسواق، ولا مزايدات حول الماشية…
يوم 26 فبراير 2025، ألقى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، رسالة ملكية، تُهيب بالمغاربة عدم تأدية شعيرة النحر في عيد الأضحى.
القرار الملكي جاء، وفق الرسالة الملكية، نتيجة للتحديات المناخية والاقتصادية التي عرفتها البلاد، ما أدى إلى تراجع أعداد الماشية، وفي هذا السياق جاء قرارُ المنع.
لا يُمكن أن نَنفي أن هذه الأسباب كانت وراء إلغاء الشعيرة. لكن، داخل البرلمان، تفجر سبب آخر، وهو ما عُرف إعلاميا بـ”فضيحة الفراقشية”.
القضية التي عرفت تفاعلا وازنا، تهم، وفق ما راج، عن استفادة مجموعة من الوُسطاء “الشناقة”، قُدر عددهم بـ 18 شخصا، من حوالي 13 مليار سنتيم في إطار دعم رؤوس الأغنام خلال عيد الأضحى، في حين لم يصل الدعم إلى الفلاحين الصغار، وهو ما وجه أصابع الاتهام بشكل صريح لوزارة الفلاحة.
تحـولات تشريعية…
شهدت سنة 2025، على المستوى التشريعي، تَحولات مُهمة، خاصة في إخراج قوانين ظلت طي النسيان لعُقود طويلة.
– قانون الإضراب…
في 24 من مارس 2025، صدر بالجريدة الرسمية، القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بشروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، الذي مثل خطوة حاسمة، حيث عالج فراغا قانونيا استمر لأكثر من 60 سنة.
القانون الذي دخَل حيز التنفيذ بشكل رسمي، يوم الأربعاء 24 شتنبر 2025، خَلق جدلا واسعا داخل الأوساط الحقوقية والنقابية، والتي اعتبرتهُ مساسا بحق الاحتجاج الذي يكفله الدستور، ومساسا بالمُكتسبات الاجتماعية.
– قانون المسطرة الجنائية…
يوم الإثنين 8 دجنبر 2025، دخل القانون رقم 03.23 القاضي بتغيير وتتميم قانون المسطرة الجنائية، والمنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 8 شتنبر 2025، حيز التنفيذ، والتي اعتبرتهُ الحكومة محطة تاريخية تجسد الإرادة السياسية القوية لإصلاح منظومة العدالة.
المشروع يعد أكبر عملية تعديل تطال قانون المسطرة الجنائية مُنذ إقراره سنة 2002، حيث مست التعديلات أزيد من 420 مادة، شملت بالأساس تعزيز وتقوية ضمانات المحاكمة العادلة وتعزيز حقوق الدفاع.
لكن، وككل قانون تشريعي، عرفَ قانون المسطرة الجنائية رُدود فعل متباينة، خاصة المادة 3 التي نصت على منع جمعيات المُجتمع المدني من تقديم شكايات في قضايا المال العام والفساد المالي.
-قانون العقوبات البديلة…
بتاريخ 22 غشت 2025، دخل قانون 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة حيز التنفيذ بالمغرب، والذي يُعد حسب مُراقبين ثورة في الفكر العقابي، حيث سينقُل القانون فلسفة العقاب من منطق الزجر والعقاب إلى منطق الإصلاح والإدماج الاجتماعي، ومنح المحكوم عليهم فرصة جديدة.
ويهُم قانون العقوبات البديلة تلك التي يحكم بها بديلا للعقوبات السالبة للحرية في الجنح التي لا تتجاوز عقوبة المحكوم بها 5 سنوات حبسا ناقذا، مستثنيا في ذلك محموعة من المحكومين في قضايا خاصة.
غير أن القانون لا يزالُ يطرحُ تحديات، خصوصا تلك التي تتعلق بكيفية تعامل أطراف الخصومة مع العقوبات البديلة وضمان حقوقهم المادية والمعنوية، علاوة على التحديات اللوجيستيكية المرتبطة بضرورة توفير مراكز المراقبة الإلكترونية مثلا.
2025… كانوا معنا ولم يعودوا
سنة 2025، فقدت الساحة المغربية، في مختلف الميادين، مجموعة الأعلام الذين كانت لهم بصمةٌ طبعت أجيال مغربية متعددة.
البداية مع المُطربة المغربية “نعيمة سميح”، والتي توفيت يوم السبت 8 مارس 2025 عن عمر ناهز 71 عاما بعد صراع مع مرض السرطان.
نعيمة سميح، صاحبة الصوت الدافئ والحُنجرة الذهبية، تركت إرثا موسيقيا ضخما، على غرار “جاري يا جاري” و”غاب علي الهلال”، وغيرها من الخالدات التي شكلت جزاء من طفولة جيل مغربي رفَض أن تُصبح خالداتها من المنسيات.
في الساحة الفنية دائما، وهذه المرة في عالم السينما والتلفزة، فقدت الساحة هرما من أهرامها.
الحديث هُنا عن الفنان المُخضرم عبد القادر مُطاع، الذي وافتهُ المنية يوم الثلاثاء 21 أكتوبر 2025، بعد صراع مرير مع المرض.
عبد القادر مطاع ملأ الشاشة والمسرح، وترك خلفهُ إرثا فنيا عظيما بدأه مُنذ ستينيات القرن الماضي، وأكمل المسيرَ رغم المرض الذي أصابه.
في عالم الفن دائما، وهذه المرة مع الراحل محمد الشوبي، أيقونة الشاشة الذي غادرنا يوم 2 مايو 2025.
الشوبي ابنُ المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط، والذي بدأ مسارهُ الفني يافعا أواخر السبعينيات بمُراكش، غادرنا تاركا خلفهُ إرثا فنيا عظيما، بين ما يناهر الخمسين فيلما و25 مسلسلا، علاوة على عدد من المسرحيات.
من عالم الفن إلى عالم كُرة القدم، سنة 2025 رقَد فيها جسدُ أحمد فرس. لكن، تاريخهُ لا يرقُد. أحمدُ فرس سيُذكرنا دائما بكأس الأمم الإفريقية سنة 1976 التي توج خلالها بأحسن لاعب في البطولة، كما توج بجائزة الكرة الذهبية الأفريقية سنة 1975 كأول لاعب مغربي يفوز بها.
أحمد فرس سيُذكرنا باللحظات التاريخية لنادي شباب المُحمدية، حيث نثر الرجل سحرهُ هناك ورفع شباب المحمدية للأعالي في بداية السبعينيات وأواخرها.
أحمد فرس غادر دُنيا الناس يوم 16 يوليوز 2025. لكن الرجل باق ويتمدد في ذاكرة المغاربة.
فاجعة آسفي…
“الله يعطينا الشتا على قد النفع”…
عند كل قطرة ماء تسقُط، تفرحُ قلوب وتنبسطُ، وتظل أخرى كأنها على جَمر، تنتظرُ ألا تتحول هبةُ السماء إلى كارثة وفاجعة.
يوم 14 أكتوبر 2025، عاشت مدينة آسفي حدثا مؤلما جراء فيضان أودى بحياة 37 مواطنا، حسب آخر الأرقام المعلنة.
هي مجرد دقائق معدودة، كانت كفيلة لأن تُصبح المدينة مدينة عائمة، وكانت كافية لوقوع خسائر بشرية ومادية غير مسبوقة لم تشهد المدينة مثلها سابقا.



